تفصيل

  • الصفحات : 288 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-599-7.

استخدم الإنسان منذ القدم الأحجار والجدران والأخشاب والعظام في تسجيل تعاملاته وشعائره الدينية ومختلف شؤون حياته اليومية، وهو ما تَشهد عليه أوراق البردى عند المصريون القدامى وجدران المعابد الفرعونية والصخور المنقوشة عند السومريون في بلاد الرافدين ومخطوطات العرب القديمة؛ والتي تعبر بقوة عن أهمية التدوين في حياة البشر منذ البدايات الأولى.

وبظهور شبكة الانترنت وتطبيقاتها المختلفة وانعكاساتها على كافة التعاملات التي بات معظمها متبوعا بكلمة الكتروني، ظهر التدوين الالكتروني بشكله الكلاسيكي أو التقليدي الذي ارتبط لفترات طويلة بالمدونات الالكترونية، والتي يغلب على محتواها النصوص والروابط التشعبية، ولكن بظهور مواقع الشبكات الاجتماعية (فيسبوك-تويتر-يوتيوب-انستغرام…) وتنامي عدد مستخدميها بشكل مطرد وتطورها بذات خصائص ومزايا المدونات، جعل الأخيرة تنزوي في هذه المواقع، وقد ذكر الصحفي Paul Bautin  في مقال له عام 2009 في مجلة” Wired” الأمريكية أن إنشاء مدونات جديدة اليوم لا معنى له، فالتدوين المصغر ” Micro blogging” في مواقع الشبكات أو التدوين السريع كما يطلق عليه البعض سيؤدي إلى إخفاء المدونات التقليدية شيئا فشيئا (عبد الفتاح، 2012، صفحة 29).

وبذلك لم تحتفظ المدونات إلا بفعل “التدوين” الذي تشكل فيما بعد حسب طبيعة الموقع أو الشبكة الاجتماعية التي تحتويه، فتحول الفعل إلى تغريد”Tweet” في موقع تويتر”Twitter”، وكذا الحال في موقع فيسبوك “Facebook”الذي اعتمد للتدوين مصطلح النشر “Post”، فهو على خلاف تويتر لا يشترط عددا محددا للأحرف في رسائله، كما بات جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية لعدد كبير من الأفراد، والفضاء الذي يقضي فيه أغلب الناس أوقاتهم، بل أصبح هو الانترنت في نظر الكثيرين.

لقد جذب الموقع كل الأطياف البشرية بما فيهم الصحافيين وكتاب الرأي وحفزهم للانتقال إليه واتخاذه منصة جديدة للتعبير الحر خلفا للمدونات، باعتباره أكثر تفاعلية ومنبرا للردود الفورية السريعة التي قد تتأجل في المدونة  في حال عدم تواجد محررها على الخط، كما أمكن أن تصل التدوينات في دقائق معدودة وفي آن واحد إلى ملايين المستخدمين المنتشرين على امتداد الكرة الأرضية. لقد باتت التدوينات على فيسبوك بالنسبة للصحفي أشبه بالــ”عمود” المتعارف عليه في الصحافة التقليدية (السر علي، 2016).

مما لا شك فيه، ينشط الصحافيون والإعلاميون ككل الناس في موقع فيسبوك، فهم  يُعبّرون عن آرائهم في الأحداث وقضايا الشأن العام الكبرى، يعارضون، يساندون والبعض منهم يروي وقائع حياته وعالمه الذاتي ويتبادل أطراف الحديث مع الأصدقاء الذين قد يكونون أيضا زملاء المهنة؛ كما أنهم يستخدمون هذه المواقع لأغراض مهنية كجمع الأخبار ورصد الأحداث والتفاعل مع الجمهور، وكذلك السرعة والفورية في الوصول إلى المصادر وتتبع الصفحات التي يطل منها السياسيون والفنانون والرياضيون والمشاهير، وكبريات وكالات الأنباء والمؤسسات الإعلامية والمنظمات الدولية ومراكز الأبحاث وغيرها.

إلا أن الكثير من الصحافيين يعتقد أن الكتابة والتدوين على مواقع الشبكات الاجتماعية هي فرصة للتعبير الحر بينما هي في الواقع  تعبير على رؤوس الأشهاد، فلا يمكن للصحافي أن يكون حكمّا خلال وجوده في العمل وخصما أثناء حضوره في هذه المواقع، أي يتعين عليه مراعاة قواعد مهنته وأخلاقياته أثناء أداء عمله، ولا يجوز له التملص منها حتى في حساباته الشخصية على مواقع الشبكات الاجتماعية؛ فقد بينت التجارب العالمية المتقدمة على غرار الجمعية الأمريكية لناشري الأخبار أو المحررين (The American Society of News Editors)، وكالة الأنباء الفرنسية و”رويترز” و”بي بي سي” وغيرها، أن الصحفي ليس حرا على المطلق في الفضاء الافتراضي، بل يخضع لعدد من الضوابط وقواعد السلوك المهني التي تصوغها مؤسّسات الإعلام بالتعاون مع صحفييها في إطار التنظيم الذاتي لمهنتهم، فحرية الصحفي على هذه المواقع ترتبط بمسؤوليته الأخلاقية والقانونية أمام الجمهور والمجتمع (الحمامي، 2013).

إن الإشكالية الأساسية التي تطرحها ظاهرة التدوين الالكتروني هي عملية الضبط، ذلك أن تجربة المجتمعات مع وسائل الإعلام تجسد علاقة تكون فيها التشريعات والضوابط المهنية تتماشى وتتوازى مع تطور الوسائل، لكن العلاقة تغيرت فأصبحت التشريعات متأخرة عن حركة الكشف التقني والتطبيقات الإعلامية الجديدة التي أتاحتها شبكة الأنترنت؛ حيث نلحظ تأخر الدول العربية في ركب التطورات التكنولوجية الحاصلة خصوصا في مجال تنظيم مواقع الشبكات الاجتماعية.

إن المتتبع للحقل الإعلامي في الجزائر باعتبارها إحدى محوري دراستنا يلحظ تأخرها في مواكبة التطورات التكنولوجية السريعة في ميدان الإعلام والاتصال خاصة في الجانب التشريعي؛ وإذا ما قورنت بتونس التي اكتفت للإشارة إلى الإعلام الالكتروني في فصول متباعدة من المرسوم رقم 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، فقد خصصت الجزائر الباب الخامس من القانون الجديد المنظم للإعلام الصادر في 2012 “لوسائل الإعلام الالكترونية”؛ رغم أن تونس تعتبر من أكثر الدول العربية من حيث القوانين التي مست النشر الالكتروني والأنترنت بصفة عامة، إلا أن الحديث عن الإعلام الالكتروني في القانون التونسي لم يكن بالشكل المثير للاهتمام، واكتفى بالإشارة بشكل غير واضح إلى تطبيق ما يَضُبط الإعلام التقليدي الورقي على الإعلام الالكتروني، كما لم يتم تقنين التطبيقات الجديدة للإعلام التي أتاحتها شبكة الانترنت من طرف المشرع التونسي ما عدا ما ورد في المرسوم الرئاسي عدد 115 لسنة 2011 .

في هذا الإطار يسعى هذا الكتاب إلى تقديم إطار نظري يساعد في فهم أخلاقيات التدوين عبر الفيسبوك لدى الصحافيين، حيث يتناول الفصل الأول مفهوم التدوين الالكتروني، وتطوره وتصنيفاته وواقعه في الوطن العربي، والتدوين عبر مواقع الشبكات الاجتماعية بالتحديد موقع الفيسبوك، واستعراض التجربتان التونسية والجزائرية في ضوء التجارب العالمية والعربية لمدونات سلوك أخلاقية متصلة بالتدوين والشبكات الاجتماعية

أما الفصل الثاني فنعرض فيه دراسة ميدانية مقارنة استهدفت الكشف عن مدى التزام الصحافيين الجزائريين والتونسيين بالأـخلاقيات المهنية في تدويناتهم عبر موقع الفيسبوك.

وفي النهاية وضعت الباحثة خلاصة دراستها لأخلاقيات التدوين مع اقتراح دليل إرشادي للصحافيين المدونين خاص بأخلاقيات النشر على مواقع الشبكات الاجتماعية والذي يضم عشرة مبادئ.

وأخيرا أتمنى من الله عز وجل أن يتقبل عملي هذا لوجهه الكريم، فان أصبت فبتوفيق من الله، وان كنت قصرت فحسبي أني اجتهدت، وأدعو الله أن يغفر لي. وانتهز هذه الفرصة لأتوجه بعميق الشكر والامتنان إلى كل من ساعدني من قريب أو بعيد لإتمام هذا العمل لأنه يكون قد اقتدى بمن نزلت في حقه هذه الآية: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (سورة القلم: الآية4)

د.حنان علال