تفصيل

  • الصفحات : 207 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-334-4.

بسم الله الرحمن الرحيم فاطر السماوات والأرض، وفالق الحب والنوى، وبه نستعين به، وصلي اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

أما بعد:

فإن صلاح المجتمع مرتبط بصلاح تفكيره، وصلاح تفكيره لا يكون إلا من خلال وضوح مفاهيمه ودقتها، وقدرته على إبداعها وتوجيهها، ولهذا لا يختلف اثنان على أن المفاهيم هي مفاتيح العلوم والفكر، ولهذا تحتاج أية انطلاقة فكرية إلى ضبط مفاهيمها، لأن أية نهضة ثقافية أو حضارية لابد أن تبنى على مفاهيم معينة تعكس توجهها وتحدد هويتها، وهو ما انتبه إلى أهميته الرعيل الأول من الفلاسفة العرب كالكندي والفارابي وابن سينا والغزالي عندما سعوا إلى نحت المصطلحات وتحديد المفاهيم والتعريف بها من خلال كتبهم في الحدود والرسوم، ولعل الخوارزمي كان أكثر دقة عندما سمى كتابه مفاتيح العلوم، لأن المعرفة في النهاية ما هي إلا مجموعة من المفاهيم.

ومما لا شك فيه أيضا أن قضية المفاهيم تحيلنا إلى جملة من القضايا الفكرية والحضارية التي لها اهتمام مباشر بالإنسان وواقعه وقضاياه، فالكثير من المفاهيم تغيرت دلالتها، وتوسعت أو ضاقت ماصدقاتها، وتكمن خطورة المفاهيم في أنها تنشأ في بيئة أو مجتمع ما وتفرض نفسها على باقي المجتمعات، وتكون مشحونة إما بمضامين فكرية وفلسفية، وإما بخلفيات إيديولوجية وثقافية وعقائدية، تجبر العقل على أن يعتمدها كمفاتيح معرفيّة للفهم أولاً، ولإيصال أفكاره ثانياً، كما تتدخل في فهمنا للعالم والأحداث والأفكار من حولنا، وتساهم في التأثير على خياراتنا وقناعاتنا وسلوكاتنا، ولهذا تحتاج الكثير من المفاهيم إلى وقفات جدية لتحديد مواضع الخلل فيها وإعادة بنائها، وطرح مفاهيم بديلة.

ومادام لكل عصر مفاهيمه احتاج المجتمع الجزائري إلى إعادة النظر في بناء مفاهيمه، وفق تصورات وأهداف واضحة، خاصة وأن المجتمع الجزائري كغيره من المجتمعات العربية يعيش أزمة تحول تجلت في فوضى المفاهيم التي انعكست على خارطة الحياة الفكرية والثقافية والسياسية الراهنة، هذا الخلط الذي أدى إلى غموض في الرؤية الفكرية االتي تسمح بتطور المجتمع وتنميته.

وانطلاقا من هذه الخلفية وحتى لا تبقى الفلسفة متعالية بطروحاتها عن واقع المجتمع، ارتأى جملة من الباحثين الاشتغال على موضوع ” أزمة المفاهيم في الثقافة الجزائرية المعاصرة .

بهدف مقاربة إشكالية فوضى المفاهيم في الثقافة الجزائرية المعاصرة التي تلخصها الإشكالية التالية:

إذا كانت الثقافة الجزائرية تعيش أزمة مفاهيم، فما هي تجليات هذه الأزمة؟، وما هي آليات تجاوزها؟، ويتفرع عن هذه الإشكالية المشكلات الجزئية التالية:

ما المقصود بالمفهوم؟، ما الفرق بينه وبين المصطلح؟، ما مدى إسهامنا في تحديد المفاهيم التي نفكر بها؟، أين تكمن خطورة المفاهيم؟، ما دور الفلسفة في صناعة وبناء وتحديد المفاهيم؟.

وللتصدي ومجاوزة هذه الإشكاليات فتح العديد من الأساتذة باب النقاش حول عديد القضايا التي تتعلق بمسألة المفاهيم، حيث تناولت د/ عبد العزيز خيرة إشكالية العلاقة بين المفهوم والمصطلح من خلال مقالها الموسوم بـ ” المفهوم والمصطلح: تساوق وتعالق بين التجريد والممارسة” حاولت من خلاله البحث في مدلولات كلّ من المفهوم والمصطلح، في محاولة منها لفكّ الالتباس والخلط الحاصل بين المفهوم والمصطلح على مستوى المعنى بإبراز حدود العلاقة بينهما، والوقوف على أهمية كل منهما في التأسيس للمنظومة المفاهيمية والاصطلاحية للعلوم.

أما د/ صياد فاطمة فقد حاولت مقاربة إشكالية الغموض والابهام الذي يميزُ الخطاب ما بعد الحداثي، وتأثيراته على الفكر  الجزائري، وذلك من خلال موضوعها” المفهوم والدلالة العائمة في عصر ما بعد الحداثة وانعكاساتها على الفكر الجزائري” حاولت من خلاله الربط بين فوضى المفاهيم في المجتمع الجزائري وبين ما يعاصره على أساس أن المجتمعُ الجزائري ليس بمعزلٍ عمّا يجري في الثقافات الأخرى من تبدّلات بفعل العولمة ووسائل التواصل المتطوّرة والترجمة، في محاولة منها للإجابة على الإشكالية التالية: هل يمكن رد ما يعيشه الفكر الجزائري من ضبابية في المفاهيم إلى عدم قدرته على نحت مفاهيمه، التي يلجأ إلى استيرادها مبطنة وملغمة بفعل تأثّره بما يحمله عصر ما بعد الحداثة؟.

وليس بعيدا عن هذا الموضوع، تناولت أ.د مذكور مليكة ود/ عبد الكريم بليل تجربة المفكر الجزائري مالك بن نبي في بناء وصناعة المفاهيم  وذلك من خلال موضوعهما : ” صناعة المفاهيم عند مالك بن نبي ودورها في الفكر الجزائري المعاصر” حيث حاولا من خلاله الإشارة إلى عبقرية هذا المفكر من خلال تنبيهه لأهمية ودور المفاهيم في بناء وتشكيل الوعي، وتأثير هذا الوعي في مختلف نشاطات الإنسان، لأنها تحمل مرجعيات توجه عمل الفكر وتحدد مجالاته وتوجهاته، وجهوده في بناء ونحت المفاهيم والمصطلحات وتصحيحها ومحاولة تخليصها مما تحمله من مرجعيات غربية، استوطنت في الثقافة العربية الإسلامية وأخذت دلالتها تتدخل في تشكيل فكرنا المعاصر، وجهوده لتصنيع مفاهيم بهوية مناسبة لمجتمعاتنا، ومنهجية فكرية لتمحيص وفهم المفاهيم المستوردة لاستيعاب الثقافة العالمية، من خلال الإشارة إلى حياة المفهوم من حيث النشأة والتطور، وأثره على الذهنيات وتوجيهه للأفكار، كما أشارا إلى العديد من المفاهيم التي أبدعها مثل مفهوم الأفكار وتمييزه بين الأفكار الحية والميتة والمميتة وغيرها.

أما د / جلول خدة معمر فقد سعى من خلال موضوعه ” سؤال الهوية في الفكر الجزائري – مولود قاسم نايت بلقاسم نموذجا ” الوقوف على جهود هذا المفكر في التأسيس لمفهوم الهوية أو ما أسماه “بالإنية” الوطنية ومقوماتها، هذه القضية التي تعد من أهم المسائل الفكرية التي أثارت ومازالت تُثير الكثير من الجدل بين النخبة المثقفة في الجزائر بعد الاستقلال.

وتأتي مقالة د/ حاجي امباركة مكملة لما سبق، حيث حاولت بدورها تناول أثر المفاهيم على المجتمع الجزائري، لكن هذه المرة من خلال التركيز على التحديات التي تواجهها الأسرة الجزائرية، وذلك ما طرحته في مقالها ” الأسرة الجزائرية في مواجهة تحديات الحداثة والعولمة”، حيث عالجت مختلف التحديات التي باتت تواجهها الأسرة الجزائرية من خلال ما طرحته التيارات الحداثية وروجت له من أفكار وتوجهات ساهمت في زعزعة الكثير من القيم المتوارثة، كما أشارت أيضا إلى مختلف تأثيرات العولمة التي اخترقت مجالات واسعة من حياتنا، وتغلغلت الكثير من سلبياتها وأمراضها وانعكست في مختلف مناحي حياة الإنسان، وهو ما كان له تأثيرات مختلفة على التنشئة الاجتماعية والتماسك الأسري، وهو ما قادها إلى التأكيد على ضرورة تحسيس المجتمع بمخاطر الانزلاقات الأخلاقية، والتربوية والثقافية التي تسببها العولمة وتيارات التحديث والحداثة على الهوية الثقافية في المجتمع الجزائري.

أما د/ تيرس حبيبة فقد حاولت مقاربة إشكالية المفاهيم من باب البحث عن الحلول، ولهذا فقد رأت أن أزمة المفاهيم لا يمكن اصلاحها إلا من خلال التربية، وهو ما عكسه مقالها الموسوم بـ” التربية واستراتيجية حل أزمة المفاهيم في الثقافة الجزائرية”، حيث ترى أن أزمة المفاهيم مردها إلى تراجع مستوى الإبداع  العلمي والثقافي، وفي غيابهما تحل المفاهيم المستوردة بل الأصيلة، وعليه فالمؤسسات التعليمية تعد من أهم المؤسسات الرسمية التي تعمل جاهدة على تطوير القدرات المعرفية والعقلية للتلاميذ، وهو ما يجعلها كفيلة بإنشاء أنماط تفكير جديدة تعمل على تنمية وتحسين عملية إبداع المفاهيم من أجل تجاوز ثقافة تلقيها والانتقال إلى ضرورة بنائها وتطويرها محليا في إطار خصوصية ثقافية تراعى فيها قيم المجتمع وأخلاقياته.

وتأتي هذه المقالات لتحقيق جملة من الأهداف من بينها:

  1. تصحيح المفاهيم الخاطئة الشائعة سواء في الأخلاق أو في الفكر  أو السياسة .
  2. تغيير الذهنيات ونشر الوعي.
  3. تحويل المفاهيم والتصورات إلى أداة من أدوات الحوار والتغيير.
  4. تشكيل أرضية لإعادة تشكيل المفاهيم وتقريب مساحة التفاهم حولها.

ونأمل أن تحقق هذه المقالات بعض الأهداف المسطرة لها من خلال انجاز هذا المؤلف، والله من وراء القصد، وهو المعين والموفق.