تفصيل
- الصفحات : 266 صفحة،
- سنة الطباعة : 2023،
- الغلاف : غلاف مقوى ،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-526-3.
يمثل الارتباط الذي يجمع بين العديد من المتناقضات من وجهة نظر الممارسين في مجال معين أمرا معقدا جدا للدراسة والتفكيك والتفسير والتنبؤ، وهذا الأمر نجده حاصلا في جلّ التخصصات وفي شتّى الميادين، كما أن الجمع بين المتناقضات في تفسير واحد يحمل عدّة أبعاد مرتبطة بالظاهرة أو المجال محل الدراسة:
أولا: الظاهرة في حد ذاتها: وهي نقطة الارتكاز الأساسية للانطلاق في أية دراسة سواء كانت إيجابية أو سلبية،وصفية أو تحليلة، فالظاهرة تعطي المجال الأنسب والأمثل في تحديد مسار كل الدراسات وإن اختلفت طرقها وأساليبها وتقنياتها.
ثانيا: الفاعل/ المتخصص: قد تدرس نفس الظاهرة التي لها نفس المكونات والمركبات والتفاعلات عبر عدة مداخل ورؤى، قد يختلف المتخصصون في تحديد معالمها وكيفية التعاطي مع مدخلاتها، والمقصود بالفاعل هنا كون الظاهرة قد لا تكون معنية بالدراسة بقدر ما هي معنية بالممارسة أو المواجهة، فهنا لا بد من الجمع بين المتخصصين لدراستها، وكذلك لفواعل أخرى بغرض تكييف مصادر وإمكانيات مجابهتها والتعامل مع مظاهرها، سواء كانت هذه الظاهرة سلبية أم إيجابية.
ثالثا: مستوى التحليل: قد تأخذ الظاهرة عدة أبعاد تلزم الدارسين أخذها بعين الاعتبار وإلا لن تكون نتائج انخراطهم في دراسة هذه الظاهرة لها نتائج متيقن من علميتها، فمثلا: نجد أن ظاهرة الإرهاب التي تعتمد على أفراد محدّدين لتنفيذ الهجمات، غير أن هذا المستوى لا يكفي لتحليل مجال الظاهرة، والذي يتجاوزه لكي يتعدى المستوى الفردي لكل مهاجم إلى مستوى تحليلي أوسع وهو المجموعة، ثم إلى تحديدآثار الهجوم الذي قد يكون مجاله إقليمي أو عالمي، وقد تتداخل الفواعل بين الأفراد والجماعات والدول، وهنا لا بد من تكامل تحليلي يجمع كل مستويات التحليل للظاهرة المدروسة قصد الوصول إلى نتائج أكثر يقينية لفهمها بشكل أوضح.
رابعا: المجال الزمني: لكل ظاهرة بداية ولكل بداية أسباب أدت إلى انطلاقها في تلك الفترة دون غيرها، لهذا وجب عند دراسة أي ظاهرة الرجوع إلى منطلقاتها المرتبطة ببيئة النشأة والتفاعل، مثل النظريات المتخصصة وفي شتى المجالات نجدها حبيسة للبيئة التي نشأت فيها، والفترة الزمانية الذي أدت إلى ظهورها حتى وإن درست ظواهر خارج بيئة النشأة، مثل النظريات المتخصصة في دراسة أسباب التخلف الاقتصادي والسياسي في بعض دول العالم نجدها في الغالب تأتي من عوالم متقدمة أو متقدمة نسبيا، فمجال دراستها مرتبط بالبيئة التي نشأت فيها الدراسة وليس بيئة الظاهرة المدروسة فعلا.
على هذا الأساس، فإن التعامل مع القضايا التي تتجاوز الطابع المحلي أو المستوى المحلي كظواهر عابرة للحدود سواء على مستوى الآثار أوعلى مستوى التعاطي معها، يوجد الأخذ بعين الاعتبار كل النقاط السابقة قصد الوصول إلى الحقيقة النسبية حول الظاهرة المدروسة، خصوصا إذا كانت هذه الأخيرة محلّ جدل أكاديمي فكري من جهة، وجدل سياسي أمني من جهة أخرى، وهنا تكمن الصعوبة بل الخطورة في انتقاء الأساليب والمضامين التي يجب التعاطي معها لتفادي الأحكام المسبقة أو الاعتماد على تجارب محدودة لتفكيك شيفرة القضايا المعقدة خصوصا في الجانب السياسي والأمني.
ففي ظل الظرف الدولي الذي أعقب أحداث 09 / 11، وما أحدثه من تغيير في أشكال التهديد الذي لم يعد يحمل صفة العدو الخارجي المباشر، مثلما كان الأمن طوال مرحلة الحرب الباردة، حيث أصبح التهديد داخليا، وعلى الرغم من الإسهامات النظرية حول هذا الطرح غير أن التحول الحقيقي حدث بعد هذا الحدث، وصار حقيقة يمكن دراستها أي كما تقول “البنائية” بأن هذه الهجمات ليست ضرورة حتمية لمعاداة الولايات المتحدة الأميركية كونها القوة الأولى في العالم، وإنما تتأثر بالبناء الاجتماعي للتهديد الذي يقوم على أساس هوية “الأنا” و”الآخر”.
وفي هذا الإطار يمكننا الحديث عن قضية الإسلام وكيف تطرح في الأوساط السياسية والأكاديمية والمجتمعية في الغرب والعالم الإسلامي بشكل عام، كون هذه القضية تعد في نظر الكثيرين هي أساس حل المشاكل الأمنية والسياسية بين الأطراف في أغلب المشاكل الأمنية في العالم العربي والإسلامي، وهنا يطرح التساؤل كيف يتعامل مع الإسلام؟ الإسلام كدين أو الإسلام كفكر سياسي، أو الإسلام كمنظومة متكاملة، وهنا تبقى إشكالية تعامل الغرب وحتى الدول العربية والمسلمة مع قضية الإسلام وأحد أهم مكوناته الحالية وهو الإسلام السياسي كجزئيات وليس ككل موحد، حيث يتم اختزاله في الدين والمساجد ودور الأئمة في المجتمع.
غير أن الإسلام كفكر يتجاوز هذا الطرح كونه يعنى بكل جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية والمجتمعية والأمنية، ولهذا فإعادة النظر حول التعامل مع الإسلام يمكن أن تكون أساس بناء نظام أمني متوازن في الامتداد الجيوسياسي وليس الجغرافي للإسلام بشكل عام، بغرض تحقيق الأمن والسلام المنشود في أكثر مناطق العالم توترا.
وعلى العكس من هذا الطرح نجده منتشرا في الأوساط الأوروبية وحتى في الدول المسلمة بشكل عام، نجد التعامل يجمع بين الإسلام كتهديد للبناء المجتمعي والسياسي والأمني القائم،وهنا يطرح التساؤل التالي: هل فعلا يمثل الإسلام والإسلام السياسي تهديدا للأمن وللكيانات المشكلة للبناء الأمني في العالم الغربي والعالم الإسلامي؟.
على هذا الأساس يمثل هذا البحث محاولة لتحليل وفهم العلاقة بين الإسلام والإسلام السياسي والأمن بشكل عام، وكيفية النظر للإسلام في أوروبا، وكذلك محاولة تحديد كيفية التعاطي مع الإسلام بكل جوانبه وصولا إلى الإسلام السياسي كقضية لابد من معالجتها وإعطائها جانب رئيسي في دراسة الأمن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
ومن هنا، يجب مصاحبة هذا التفريق بين الثقافي /الديني مع تشجيع انبعاث إسلام أوروبي، أي ليبيرالي، نسوي ومنفتح، هكذا يطرح الإسلام الأوروبي، والباحث الفرنسي المتخصص في الإسلام جيل كيبيل لا يزال يطرح السؤال نفسه: إما أوربة حقيقية للإسلام ليكون أنموذجا لباقي العالم، وإما رأس حربة، “الإسلام الراديكالي”، الذي من شأنه خلق نعرات كبرى داخل أوروبا، هناك سرطانان: سرطان “التطرف العنيف” وسرطان “الإسلام المحافظ الرجعي”. من هنا، يرى الكاتب، ضرورة “صياغة مبادى كبرى لهوية إسلامية أوروبية متميزة”.
الاعتماد على مصطلح أوروبا في هذا الكتاب يأخذ عدة أبعاد، منها البعد التاريخي والبعد الديني والبعد السياسي، كان لا بد من الربط بينها لإيصال المعنى المنوط بالفكرة الأساسية للموضوع، والتي يغلب عليها الطابع الأمني كون الدراسات الأمنية الحديثة تعتمد على الأبعاد الموسعة لظاهرة الأمن (السياسي، العسكري، الاقتصادي، البيئي، المجتمعي)، وهذا راجع للاختلاف الواقع بين الدول الأوروبية في التعاطي مع قضية الإسلام والإسلام السياسي في أوروبا.
أما المعنى الآخر لأوروبا هو الاتحاد الأوروبي إذا ما تطرقنا إلى إجراءات أو تشريعات أو خطابات مشتركة لهذه الدول تحت غطاء المنظمة الإقليمية للإتحاد الأوروبي، خصوصا في الخطاب الأمني المشترك الذي يحدد كيفية التعامل مع الإسلام وأبعاده المختلفة في أوروبا بشكل عام.
نظرية الأمننة تعبر عن منتوج أكاديمي لكل من أولي ويفر(Weaver Olé) وباري بوزان(Barry Busan) وياب دو فيلد (Jaap de wilde)، والذين يعتبرون من منظري الأمن المجتمعي، وقد تم إنتاج هذه النظرية في تسعينيات القرن الماضي، وتمثل واحدة من أهم مساهمات مدرسة كوبنهاغن في تطوير الدراسات الأمنية، وقد تم وضع أهداف محددة حول هذه النظرية في بناء إطار نظري جديد يستند إلى الأعمال العلمية التي تعاملت مع موضوعي الدولة والقطاع العسكري، ومع ذلك لا يوجد إطار من شأنه أن يربط بين المفهومين، ولهذا ظهرت الحاجة لتوحيد المفاهيم المختلفة.
وقد تمت مناقشة هذا المفهوم الجديد من طرف عدة باحثين مختلفين مثل بالزاك، ستريتزل، ريتشوفسكا، شولز،( Strizel 2007,Balzacq 2011 ;Schulze 2012 ,Rychovska 2014)
في الواقع أن نظرية الأمننة منتشرة بالأحرى بين الباحثين والأكاديميين المختصين في الدراسات الأمنية في السنوات الأخيرة.
وعليه، فالأمننة هي عبارة عن عملية تظهر فيها القضايا غير الأمنية “Non-security issues” مثل:” الهجرة وقضايا اللاجئين والمعاملات الاقتصادية والقضايا الاجتماعية.. “وتتحول إلى مخاوف أمنية مستعجلة، وبالتالي يفهم تصوير القضايا الأمنية بأنها تهديدات وجودية للكيان المرجعي عن طريق الفواعل المؤمننة المختصة، مما يولد إقرار تدابير الطوارئ والاجراءات الاستثنائية والمستعجلة.
يعبر الكيان المرجعي عادة عن “الدولة” لكن قد تكون كذلك الوحدات السياسية الأخرى، والتي ينظر إليها على أنها لابد أن تبقى محمية لضمان بقائها واستمرارها، وفي هذه الحالة يتطلب التهديد: “استخدام التدابير الاستثنائية للتعامل معه”.
نقطة البداية في هذا المفهوم هي نظرية “الفعل الخطابي”، “The speech act theory”، التي طورت من قبل جون أوستين 1962،الذي أظهر كيف لنا أن نقوم بالأفعال عن طريق الكلمات، فنطق “الأمن” يعني “الفعل”، إذا القضية تتحول إلى قضية أمنية عندما يقوم الفاعل بتقديمها كتهديد جودي”Existential Threat” للكيان المرجعي “Referent Object”، هذا التهديد من شأنه أن يعرض بناء الوحدات السياسية للخطرعملت مدرسة كوبنهاغن في الدراسات الأمنية على توفير إطار جديد لفهم الأمن يبنى على أساس منظور بنائي اجتماعي حول : “كيف تنشأ المشاكل الأمنية وما هي سبل حلها؟”.
كما تؤكد مدرسة كوبنهاغن أن التهديدات الأمنية مبنية اجتماعيا “Socialy constructed” في إطار تعريفي لعملية تسمى “الأمننة”، ومع ذلك تؤكد المدرسة في إطار نظرتها المشككة في فرص نجاح الأمننة بعيدا عن إطار “الدولة”، كما تبرز أن الأمن يظهر من خلال “الفعل” أي أنه “فعل خطابي” متفاعل اجتماعيا من المفترض أن يشكل دلالات اجتماعية
على الرغم من اعتماد الكتاب على مصطلح الإسلام السياسي في أغلب فصوله ومباحثه، إلا أنه وجب تحديد وجهة النظر من الخلاف والاختلاف القائم حول مصطلح ومفهوم الإسلام السياسي.
هذا المصطلح المستجد في الدراسات السياسية والدراسات الأمنية والمتمركز حول محورين أساسيين، يعتبر الأول أصلا والثاني إسقاطا غير معرّف بدقة، فالأول هو عنصر الإسلام، الإسلام الذي لا يمكن أن يدرس إلا في إطار سيرورته التاريخية حتى قبل بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كون الإسلام دين كل الأنبياء والرسل الذين سبقوه، وليس هذا محل الجدل أو الاختلاف، غير أن اجتزاء الإسلام في فترة زمنية محددة يجعل من الصعوبة بما كان فهم التجليات الجديدة والمستحدثة في هذه المنظومة، فالإسلام وعلى الرغم من وضوح مقاصده وتشريعاته في كل المجالات سواء من جانب التشريعات الشرعية أو التشريعات التنظيمية التي تخلق الإطار الاجتماعي والسياسي للدولة، نجد أن المفاهيم المستحدثة والمنسحبة بشكل غير منطقي على كل ما هو إسلامي أو تشريع إسلامي يجعل العملية محل طعن أو انتقاص في كيفية التعاطي والتعامل مع هذا المركب الاجتماعي، وهنا يظهر العنصر الثاني في المعادلة وهو ربط ظاهرة “السياسة” بالإسلام، وأنها أمر غريب أو دخيل عن المنظومة الإسلامية، فقضية الشذوذ في التعامل مع ربط الإسلام مع جزئية من جزئياته أي “السياسة“، هي التي خلقت الارتباك والجدل في فهم مصطلح الإسلام السياسي، سواء أصح المصطلح أم لا.
وعليه، إذا كان الإسلام هو الكل والسياسة هي الجزء فلماذا يتم اختزال الكل في الجزء، ويظهر فقط الجزء الذي تم إسقاطه على هذا الكل، في أي مجال نجد أن الكل هو عبارة عن نظام يجب أن يكون له منظم كما يجب أن يكون هذا المنظم أعلى مرتبة وأكبر قدرة على تنظيم هذا النظام وإلا لأصبح هذا المنظم هو بذاته يحتاج إلى من ينظمه.
استنادا إلى هذا، فالإسلام يمثل النظام والشرع المنزّل هو وسيلة التنظيم، وبالتالي تتحقق فيه شروط النظام، عكس الجزء الذي ارتبط بهذا الكل وهو “السياسة“، التي ارتبطت به عبر ممارسات البشر باختلاف مناهجهم ودياناتهم ومعتقداتهم واعتقاداتهم، ونجدها أجمعت كلها على ربط الإسلام بالسياسة بمصطلح “الإسلام السياسي“، وهنا نجد آثار المغالطة الكبرى في هذا الشأن سواء كانت مقصودة أو عفوية فهي لا تؤدي المعنى الموضح للنظام السياسي في الإسلام وهو الجزء المعبر والذي يواجه مصطلح “الإسلام السياسي“، والبون بينهما شاسع، فإذا كان النظام السياسي في الإسلام يثمل جزءا معتبرا من النظام الاجتماعي الإسلامي فهو لا يتجاوزه وإنما يذوب فيه، عكس المفاهيم المسلطة على الإسلام من جانب ربطه الشامل بالسياسة، والذي يجعل المعادلة غير واضحة الأطراف والمعالم، وتحمل مغالطات كثيرة، كان يمكن تجاوزها تقنيا باستخدام الإسقاط والاستدلال الرياضي المنطقي دون الدخول في مزايدات لاتخدم البحث العلمي ولا الحياة السياسية والاجتماعية للأفراد.
وعليه، إن الإدراك المشوه للحقائق في قضية الإسلام -السياسة؛ قد يؤدي في النهاية إلى صراع اجتماعي له أبعاد مختلفة وارتدادت واسعة على المجتمعات سواء المسلمة أو غير المسلمة، كون الإدراك هو الوسيلة الأولية لتحديد الحالة أو الموقف الذي يجب دراسته وتحليله، فإذا كان الإدراك مشوب ببعض الانحياز أو التطرف الفكري أو التطرف الاعتقادي، بغض النظر عن أسبابه وأهدافه والتي تبدو جلية في بعض الأحيان.
إن ارتكاز هذا الكتاب على مصطلح الإسلام السياسي هو عبارة عن تحديد التوجه العام للدراسات الأكاديمية حوله، وليس بالضرورة الموافقة على صحته والذي ثبت خطأه بالاستدلال المنطقي، لكن الحاجة الأكاديمية لإيصال المعنى من مفهوم مرتكز على مصطلح اتفق على إسقاطه على ممارسات معينة هي التي جعلت الباحث يستخدم نفس المصطلح حتى وإن كان لا يمثل الحقيقة التي تظل دائما نسبية.
وهنا، تعتبر الصورة في سياقها المفاهيمي عبارة عن رؤى وتصورات جاهزة موجودة مقدما لدولة أو شعب يتم استقاؤها من خلال بعض التفسيرات التاريخية أو يصنعها شخص ما بنفسه أما عمليا فيمكن اعتبار الصورة عبارة عن رأي شخص ما حيال مجموعة أو شعب أو دولة ما.
بالتالي، فإنه يمكن تبني كلا من الادراك والتصور بشكل خاطئ سواءا على مستوى القيادة السياسية أو على مستوى الشعب ومن هذا المنطلق ترتبط المعلومة ارتباطا وثيقا بنشأة التصور، مايعني أن تشوه المعلومة أو غيابها سيؤدي حتما إلى تشويه الصورة، كما تعرف الصورة على أنها نظام العقائد الراسخة في أذهان الأفراد،و يمكن اعتبارها توليفة العقائد حول أخلاقيات مجموعة من الناس تحاول نبذها من حياتها ووجودها بشكل واضح،من جهة أخرى يعتبر البعض الصورة نوعا من التمييز العنصري الذي تمارسه الأكثرية ضد الأقلية،لأن تلك الصور هي الهوية الاجتماعية لتلك الأقلية،تجدر الإشارة هنا إلى أن الصورة قد تكون سلبية أو إيجابية تبعا لأدوات تصدير الصورة أو التأثير عليها ويأتي الإعلام كواحد من أهم مصادر تشكيل الصورة نتيجة لما يمتلكه الآن من قدرات وتقنيات عالية تستطيع جذب الملايين لديها .
كما أصبحت الوسائط الاتصالية المصورة من تلفزيون وشبكات الانترنت المصدر الرئيسي لتلقي الجمهور للمعلومات المحلية والعالمية؛ أين أضحت تكنولوجيا الاتصالات لا تعترف بالحدود الاقليمية أي هلامية في عصر عولمة الاتصال والمعلومات،ما جعل هذه الأخيرة المصورة فاعلا مهما لايمكن إهماله في كيان المجتمع المعاصر،الا أن تأثير الصورة على العلاقات الدولية لم يكن حديث النشأة، فقد أجريت أبحاث ودراسات في مطلع القرن الماضي من قبل هارولد لاسويل وكارل هوفلند للتأكيد على التأثير القوي للصورة السينمائية على الأفراد والجماعات على عدة مستويات: مستوى معرفي،مستوى اتجاهاتي،ومستوى سلوكي،من ثم تمت صياغة نظريات عدة كانت بمثابة البناء النظري لتأسيس علم جديد هو علم الاتصال بعد أن كان مجرد اتجاهات نظرية وارهاصات فكرية مؤطرة في مجالات علمية أخرى كعلم الاجتماع وعلم النفس.
ومع ظهور التلفزيون وانتشار توظيف الأقمار الصناعية كتقنيات اتصال واشتماله على مزايا عدة كالدمج بين الصورة والصوت أصبح أداة لتحقيق المتعة الاجتماعية وأداة تثقيق،الا أنه ومع التطورات التي عرفها المجتمع الدولي اليوم لم يعد التلفزيون وبالدرجة الأولى الصورة لم تعد أداة للترفيه ولا الثقافة فحسب وانما أضحت أداة سياسية للضغط على الجماهير وصناع القرار،فقد أضحت الصورة مصنعا لأراء وأفكار ومواقف الأفراد والحكومات،اذ يرى ويلبر شرام أن حوالي %70بالمئة من الصور التي يبنيها الانسان لعالمه مستمدة من وسائل الاعلام الجماهيرية،فالصورة اذن تلعب دورا في تكوين معارف الجمهور وانطباعاته التي تؤدي بعد تصنيفها وانتقائها الى تشكيل الصورة العقلية التي تؤثر على تصرفات الانسان.
إن بناء وتكوين الانطباعات النفسية عن الآخر لاتنبني عن العواطف والاتجاهات بل على أسس موضوعية أو ادراكات عقلية مصاغة انطلاقا من معلومات صحيحة ترسخ صورة أو صورا معينة عن الآخرين وبالتالي ستكون هذه الصور والادراكات النفسية هي التي ستحدد طبيعة علاقتنا به وتعاملنا معه.
تتحول الصورة الذهنية (العقلية) الى صورة نمطية، عندما تتكرر على نحو ثابت وتتسم بالتبسيط المفرط والحكم التعميمي العاطفي، فمن خلال الصورة النمطية يظهر الشخص أو مجموعة الأشخاص الذين بنينا عنهم صورا نمطية أنهم أشخاص معروفون لدينا حق المعرفة رغم أننا لم نقابلهم قط،فقد كونا صورا ادراكية معنوية عنهم وحكمنا انفعالاتنا وعواطفنا لتصنيفهم وادراجهم في خانة معينة، وقد تعدى هذا التأثير للصور من الأفراد الى الجماعات ومن ثم الدول، فأصبحت الصورة أداة لرسم العلاقات بين الدول وهذا ما سنلاحظه من خلال العنصر أدناه.
على هذا الأساس، فإن الصورة النمطية المبنية على ربط الكل بالجزء (السياسة-الإسلام) وليس العكس، ظهرت وترسخت في أفكار المعتقدين وغير المعتقدين بها كنمط تفكيري جديد لايستخدم الوعي الفكري المحدد لطبيعة الأشياء، على الرغم من وضوحها بشكل لا يقبل الجدل، غير أن التطورات الحاصلة على عدة مستويات خصوصا بأجيال التهديدات والحروب الحديثة والأنماط المستجدة من الهجمات السبيرانية وغير المحددة سواء من الفاعلين أو من المصادر، أحدثت واقعا فكريا هجينا لا يمكنه تحديد المفاهيم بدقة وبموضوعية علمية خصوصا إذا تعلق الأمر بمجالات الاعتقاد والتطبيق والصراعات المعلنة وغير المعلنة بين النماذج الفكرية في العالم، لهذا فمصطلح الإسلام السياسي لا يخرج عن هذا النطاق المحدد بمجال الاعتقاد بصحة الفكرة المبنية على صورة معينة قد تكون مشوهة أو غير مكتملة ينتج عنها بالضرورة أفكارا ونظريات مشوهة لا تؤدي معناها الحقيقي في الواقع الاجتماعي للأفراد.
د.سليمان سميرة