تفصيل

  • الصفحات : 204 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2018،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-484-72-1.

هذه دراسة تطبيقية في حقل علاقات العمل ، تتناول بالبحث والتحليل موضوع ” دوافع مشاركة العمال في التنظيم النقابي “.  فما هي طبيعة هذا الموضوع وما هي الجوانب التي يطمح الباحث إلى الكشف عنها؟

من مجرد القراءة يتبين أن هناك مفهومين أساسيين يستقطبان الموضوع حتى النهاية ، أحدهما يطمح إلى تسليط الضوء على الآخر . هذان المفهومان هما : الدوافع والنقابة.

و عليه ، فإن التعرض لهما ولنوع العلاقة التي تجمعهما هو المطلوب في هذه الدراسة، و هو ما يشكل في الذهن ما يشبه نواة الموضوع ونقطة الارتكاز فيه.

و سنحترم في تحليل متغيرات الموضوع  متطلبات و مقتضيات التدرج في التبويب. فالدافع ينتمي الى حقل من المفاهيم التي تشكل قواسم مشتركة أو نقاط التماس بين علم اجتماع العمل وعلم النفس الاجتماعي وعلم نفس العمل . وقد رجح الباحث أثناء استخدامه لهذا المفهوم النزعة السوسيولوجية القائلة بأن الدافع عند الإنسان وليد  البيئة الاجتماعية ، و أن الحديث عن ” الطبيعة الإنسانية ” هو  ضرب من الوهم نشأ تحت تأثير بقايا  و عوالق التفكير الميتافيزيقي  و هو  ما  يتعارض مع النزعة  الوضعية التي قام عليها العلم الحديث.

أما المفهوم الثاني : ” النقابة” ، فقد استخدم في هذه الدراسة بحيث يؤمّن قدر الإمكان مطابقة واقع النقابة في الجزائر . إذ أن النظرة التحليلية لمسيرة الحركة النقابية في بلادنا وتحديدا منذ الاستقلال تكشف عن وجود حالة من التردد وعدم القدرة على الحسم . فغداة الاستقلال طرحت بشدة فكرة المطلبية و الخروج من ظلال حزب جبهة التحرير الوطني ” الحزب الوحيد في البلاد ”  . غير أن هذه الفكرة سرعان ما انطفأت مع صدور قرارات مارس التاريخية التي قننت التسيير الذاتي في الجزائر . و هي التجربة التي لم تعش طويلا . فصدور ميثاق الثورة الزراعية و بعده ميثاق التسيير الاشتراكي للمؤسسات كانا في حقيقة الأمر عبارة عن إعلان محتشم للتحول عن التسيير الذاتي ونفيه . و منذ أحداث أكتوبر 1988  ، ظهر خطاب  إصلاحي يمس مختلف المجالات ، انطلاقا من تفكيك المزارع ووقف تجربة التسيير الاشتراكي للمؤسسات . بالتأكيد ، هذه تحولات سريعة ، فقد ولدت وماتت جميعا في ربع قرن.

و من خلال هذه الإشارة ، يمكن العبور إلى طرح الأسئلة حول طبيعة الدوافع التي تحرك العمال من أجل المشاركة في الاتحاد العام للعمال الجزائريين ” المركزية النقابية المهيمنة  في البلاد ” .

و بالنظر إلى النقابة من خلال النصوص ، يتبين أن نشاطها ينصب أساسا على المشاركة في التسيير ، والمشاركة هنا لا تتعدى حدود الاستشارة ، إذا أنها بعيدة كل البعد عن المشاركة  في صنع القرار ، ثم هناك دور الوسيط المنحصر في تبليغ العمال بأمانة القرارات الهابطة من رأس الهرم الاداري . كان هذا  هو الدور ، عندما  كانت  المركزية النقابية  في زمن الحزب الواحد   أما  الآن  ، فإنها  تحولت الى نقابة مطلبية  بعد أن فك ارتباطها  بحزب جبهة التحرير الوطني .

لكن هذا الدور إلى أي حد يتناسب  و يشبع حاجات العمال ؟

هذا التساؤل مطروح  بحده . فالجزائر من الدول المتخلفة بجميع المقاييس الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية . وذلك يرادف وجود ضغط اجتماعي كبير حول إشباع الحاجات المادية ، بينما النقابة تطرح المشاركة أو الممارسة الإيديولوجية كبديل عن إشباع الحاجات المادية المستعصية  عن التحقيق.

إن هذا التناقض الصارخ هو الذي كان وراء إقدام الباحث على اختيار هذا الموضوع للدراسة . وهو يسعى من وراء ذلك إلى تقديم إجابة مقنعة عن التساؤلات التالية:

  • ما هي طبيعة الدوافع التي تحرك العمال للانضمام للنقابة ؟
  • هل هناك علاقة بين الانضمام للنقابة والرضا عنها ؟
  • إلى أي حد تختلف نظرة العمال النقابيين وغير النقابيين للنقابة؟

إن السعي للحصول  على إجابة محددة عن هذه التساؤلات تستمد منها الدراسة أهميتها. ولا يطمح الباحث إلى تقديم  توصيات أو توجيهات إلى المركزية النقابية أو استثارة  العمال وإنما كل ما يطمح إليه هو المساهمة في تسليط بعض الأضواء على جانب حساس يهم العمال باعتبارهم المستفيد أو المتضرر من الوضع الذي تكون عليه النقابة ، كما يهم المركزية النقابية التي تفرض عليها طبيعتها أن تكون مرآة صادقة لطموحات العمال و ألا تعيش في عالم معزول لا تربطها جسور مع القاعدة العمالية.

لا شك أن  ديمقراطية العمل النقابي لا تؤمنه ديمقراطية الانتخابات  فحسب أو الوصول إلى المراكز القيادية النقابية بسهولة ، وإنما الديمقراطية الحقيقية هي صدق التمثيل وتبني أفكار القاعدة والدفاع عنها وتحويلها إلى برامج تحرص على تطبيقها المركزية النقابية . ولعل أهم درس في هذا الموضوع كان انطلاق اضرابات وحشية من  المنطقة  الصناعية  للرويبة  قرب العاصمة عام 1988 دون تأطير للمركزية النقابية . و  قد شهدت بعض الدول  خلال تلك الفترة توترات مشابهة. ما حصل في بولونيا  في بداية  تسعينيات القرن الماضي كان درسا قاسيا للنقابات ؛ حيث  حصل تمرد للعمال علي ممثليهم ، و الاقدام على تنظيم ” إضرابات وحشية ” ، أي اضرابات لا تؤطرها النقابة . و بلغ الأمر درجة أن لجأ العمال إلى تشكيل نقابة موازية أجبرت الدولة على الاعتراف بها في النهاية .

تلك الأزمة بين طبقة عاملة وبين مركزية نقابية قابلة للتكرار في مجتمعات أخرى و في فترات  مختلفة إذا ما توفرت  ظروف مشابهة .

و قد أخذ الوضع  في الجزائر نفس المنحى و قد  يعيد انتاج نفسه متى توفرت الظروف .

لا شك أن وضعية النقابة حاليا في حاجة إلى تغيير أو مراجعة ، فذلك أمر ضروري بالنظر إلى ” رياح الإصلاحات ” التي هبت على البلاد منذ  مطلع تسعينيات القرن الماضي . فالخطاب السياسي أصبح يتردد فيه شعار ” الفعالية الاقتصادية ” لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة .

و يبدو أن البحث عن الفعالية المفقودة يجري من خلال توسيع اللامركزية وتحقيق استقلالية المؤسسة والانفتاح أكثر على القطاع الخاص والاعتماد أكثر على التكنوقراطيين . ولا شك في أن هذه النظرة الجديدة ستؤثر على علاقات العمل التي كانت قائمة، بل قد تكون بذرة لتغيير مؤكد في مسار الحركة النقابية في بلادنا.

ويطمح صاحب هذه الدراسة إلى الكشف عن ” بند ” من بنود هذه العملية الواسعة من خلال الدراسة الحالية التي هي من صنف ” الأبحاث الاجتماعية المحددة ” .(1)

وقد تم  تناول الموضوع في ستة فصول:

الفصل الأول: و فيه تم طرح  إشكالية مشاركة العمال في التنظيم النقابي.

الفصل الثاني:  و فيه تم  تتبع تطور الحركة النقابية في الجزائر.

الفصل الثالث:  و فيه تم  تحليل دوافع مشاركة العمال في التنظيم النقابي.

وفي  الفصل الرابع   تم  تقديم مجال الدراسة و شرح التقنيات المستعملة لجمع البيانات من خلال التحقيق الميداني.

وتناول الفصل الخامس: إشباع حاجات العمال المادية.

بينما يتناول الفصل السادس: إشباع حاجات العمال الإيديولوجية.

و قد سعيت ما استطعت الى أن أحافظ على التوازن  بين الشق النظري  و الشق الميداني للدراسة  من حيث الحجم  و كذا التحليل .

أرجو أن أكون قد  وفقت في تغطية متطلبات هذه الدراسة .