تفصيل

  • سنة الطباعة : 2020،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-728-24-5.

إن تمكين الأفراد من إقامة وتأسيس المشروعات المصغرة والصغيرة وتطويرها، يقتضي ضرورة التفكير في توفير الصيغ التمويلية التي تتناسب والخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية للأفراد، ذلك أن أغلب الصيغ التمويلية التي تتيحها النظم المالية التقليدية وخصوصا الرسمية منها كالبنوك التجارية وغيرها، قد لا تتماشى وخصوصيات الأفراد، كما تسبب حرجا لبعضهم في التعامل مع المؤسسات المالية التقليدية بصيغها التمويلية وأساليبها الإستثمارية، وضماناتها وشروطها وفوائدها المسبقة .

ولقـد بـرز نهـج التمويل الأصغر مـن أجـل مراعــاة هـذه الخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية للأفراد الفقراء بشكل خاص، ولا شك فإن إعلان هيئة الأمم المتحدة لعام 2005 بمثابة العام الدولي للتمويل الأصغر، يعتبر في الحقيقة بمثابة الاعتراف الذي يؤكد على أهمية التمويل الأصغر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بما فيها تخفيض مستويات الفقر وغيرها من الأهداف المرتبطة بها، ذلك أن التمويل الأصغر يعتبر أداة من الأدوات القوية والفعالة للتخفيف والتقليل من حدة مشكلة الفقر على مستوى أفراد المجتمع، من خلال العمل على تقديم مجموعة متنوعة  ومتكاملة من الخدمات المالية كخدمات الإقراض و الادخار إلى أولئك الأفراد الفقراء والأفراد من ذوي الدخل المحدود والمتدني القادرين على إحداث المشروعات، وهو ما سيسمح لهم بتأمين مداخيل دائمة تساعدهم على رفع مستوى معيشة أسرهم وضمان الرعاية الصحية وفرص التعليم لأطفالهم. ولا شك في أن الوصول إلى هذا المستوى من الحياة الكريمة لأفقر الفقراء على مستوى أي مجتمع، هو في الحقيقة أولوية بالنسبة للمهتمين بقضايا التنمية بكل أبعادها.

وقد أظهرت التجارب الهامة في مجال التمويل الأصغر على مستوى الكثير من دول العالم، أن الأفراد الفقراء يستحقون الحصول على التمويل ولهم الرغبة في دفع المقابل نظير حصولهم علـى خدمات ماليـة متنوعـة ومتكاملـة بالشكل المـلائم والسريـع، كما أثبتت تلك المؤسسات والبرامج ذات الصلة في مجال التمويل الأصغر أن التعامل مع أولئك الأفراد الفقراء يمكن أن يكون مجالا مربحا وقابلا للاستمرار في المستقبل عندما يكون قائما على مبادئ وأسس تجارية بحتة. والواقع العملي في هذا المجال يشير إلى أن مؤسسات التمويل الأصغر التي تسير بطريقة جيدة وفقا لهذه النظرة يمكن أن تكون مؤسسات أفضل من حيث الأداء مقارنة بالبنوك التجارية.

ومن أهم تلك التجارب الرائدة في مجال التمويل الأصغر يمكن أن نذكر تجربة بنك غرامين ببنغلاديش (Grameen Bank)، والتي تعني باللغة البنغالية بنك القرية، وقد تم تأسيس وإقامة هذا البنك من طرف البروفيسور محمد يونس في شهر أكتوبر من سنة 1983 كبنك مستقل بعد أن كان مجرد مشروع تشارك في إدارته العديد من البنوك العاملة في بنغلاديش في تلك الفترة، ويعتبر هذا البنك من أول البنوك التي قلبت مبادئ العمل المصرفي، من خلال قيامه بتوفير مجموعة من الخدمات المالية للأفراد الفقراء على مستوى المناطق الريفية ببنغلاديش، ولا شك بأن نيل البروفيسور محمد يونس لجائزة نوبل للسلام لسنة 2006 لدليل على أهمية هذه التجربة الرائدة في مجال مواجهة مشكلة الفقر في الكثير من المجتمعات.

على ضوء ما سبق، فإن الاستفادة من الخبرات المكتسبة عبر التجارب الدولية في مجال التمويل الأصغر بالنسبة للاقتصاد الجزائري يستدعي دون شك الوقوف أولا على التجربة الجزائرية في مجال التمويل الأصغر من حيث مبادئها ونتائجها وآثارها، ومن ثم محاولة تحديد الدروس والخبرات المكتسبة على المستوى الدولي وتطويعها وتكييفها بما يتماشى مع الخصوصيات المحلية ضمن الاستراتيجية الوطنية لتطوير صناعة التمويل الأصغر على مستوى الاقتصاد الجزائري.