تفصيل

  • الصفحات : 541 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2020،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-008-4.

نشأت المراجعة الداخلية وتطورت نتيجة لازدياد الحاجة إليها كأداة تساعد الإدارة على إنجاز وظيفتها الرئيسية، والتي تتمثل في السعي إلى إشباع أكبر قدر ممكن من احتياجات ذوي المصالح المختلفة في المؤسسة التي تديرها، وإذا كانت الإدارة تحرص على النجاح في مهمتها تلك من خلال محاولة استخدام الموارد الاقتصادية المتاحة لها استخدامًا أمثل، فإنها ترغب في أن تتم المراجعة الداخلية عندها بالطريقة التي تسهم في ترشيد هذه الأخيرة.
وتُعد المراجعة الداخلية وظيفة تقييم مستقلة تنشأ داخل المؤسسة لفحص ومراجعة كافة أنشطتها، كخدمة لأهداف هذه الأخيرة، وذلك عن طريق تزويد مختلف أعضاء المؤسسة بالمعلومات والتقييمات الأخيرة، والتحليلات والتوصيات التي تعينهم على تحمل مسئولياتهم بكفاية وفعالية.
وبهذا تكون المراجعة الداخلية قد وصلت إلى مكانة بارزة في معظم مؤسسات الأعمال الحديثة كإحدى الأدوات الرقابية والإدارية الفعالة.
وما كانت المراجعة الداخلية لتبلغ هذه المرتبة الرقابية في الوقت الحاضر لولا تضافر العديد من العوامل التي ساعدت على نموها وتطورها وازدياد أهميتها، فقد أسهمت الظروف الاقتصادية المتقلبة في زيادة الطلب على الأدوات الرقابية، ومن بينها المراجعة الداخلية، ففي الفترات التي تتسم باقتصاديات عدم التأكد والمخاطرة، تعمل المراجعة الداخلية على تسليط الأضواء على الكيفية التي تدار بها المشروعات العامة والخاصة ؛ من أجل ترشيد مسارها وتصويب انحرافاتها، وفي فترات الركود الاقتصادي فإن المراجعة الداخلية تستخدم -أيضًا- لتشديد الرقابة على عناصر التكاليف لضبطها وخفضها بهدف زيادة الأرباح، حيث لا أمل في زيادة الأرباح عن طريق زيادة حصة المبيعات في مثل هذه الفترات.
وفضلاً عما سبق، فإن هناك عوامل أساسية أخرى ساعدت على نمو المراجعة الداخلية وسرعة تطورها، مثل ظهور المؤسسات ذات الفروع الدولية، وكِبر حجم المشروعات وتعقد عملياتها، والحاجة إلى بيانات ومعلومات يمكن الاعتماد عليها مع ظهور البنوك وشركات التأمين، وتحوَّل المُراجع الخارجي (مراقب الحسابات) إلى المراجعة الاختبارية باستخدام أسلوب العينات الإحصائية.
وقد زاد الاهتمام بالمراجعة الداخلية على الصعيدين الأكاديمي والمهني منذ تأسيس مجمع المراجعين الداخليين في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1941م. (he Institute of Internal Auditors)، فقد قام أعضاء هذا المجمع بإجراء العديد من الدراسات العلمية والبحوث الميدانية التي استهدفت تعميق وتطوير المفاهيم الأساسية والإجراءات المهنية للمراجعة الداخلية، وفضلاً عن ذلك، فقد أسهم المجمع كثيرًا في مجال الممارسة المهنية للمراجعة الداخلية، فأصدر في سنة 1947م قائمة بمسئوليات المُراجع الداخلي، ثم قام بتعديلها في سنة 1957م وفي سنة 1971م عدّلها للمرة الثانية.
ومن ناحية أخرى وفي سنة 1968م أصدر المجمع لأعضائه دستور أخلاق المهنة، وتوج جهوده في سنة 1978 بإصدار مجموعة معايير الممارسة المهنية للمراجعة الداخلية، وبذلك فإن المجمع الأمريكي(All) يكون قد أسهم فعلاً في تطوير المراجعة الداخلية واتساع نطاق الانتفاع بخدماتها.
و لقد ساهمت بعض الدول في توسيع دائرة المراجعة الداخلية بحيث لم تقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية فقط ففي بريطانيا و عند ظهور الثورة الصناعية في بريطانيا و تطور الصناعة
و التجارة و الزيادة في الفجوة بين المالكين و الإدارة المحترفة و تطور النظام الضريبي، لم يتغير الهدف الرئيسي للمراجعة و هو اكتشاف الخطأ و الغش و لكن التغير الذي طرأ خلال هذه الفترة و لغاية 1850م هو الاعتراف و الرغبة بوجود نظام محاسبي
لأجل التأكد من دقة القوائم المحاسبية لأجل منع الغش و الخطأ و التغير.
الآخر كان الاعتراف بوجود الحاجة لمراجعة القوائم المالية من طرف شخص مستقل، و قد نص على ذلك قانون الشركات الإنجليزي لسنة 1862م الأمر الذي أدى إلى تطوير مهنة التدقيق.
أما في عام 2001م. فقد تم صياغة دليل جديد لممارسة مهنة المراجعة الداخلية على أنها نشاط مستقل موضوعي ، تأكيدي و استشاري مصمم لإضافة قيمة للمؤسسة و لتحسين عملياتها ، فهو يساعد المؤسسة على تحقيق أهدافها بإيجاد منهج منظم و دقيق لتقييم و تحسين فعاليته بإدارة المخاطر، تقييم نظام الرقابة الداخلية، و حوكمة الشركات.
أمّا في الجزائر فيمكن القول أنّ هذه الوظيفة حديثة الاستعمال أو حتى حديثة الاعتراف بها كنشاط لا يمكن الاستغناء عنه
فكان ذلك خلال 1988 القانون التوجيهي للمؤسسات رقم 01/88 المادة 401 الصادر بتاريخ 12 جانفي 1988 الذي ينص على ضرورة تنظيم و تدعيم هياكل داخلية خاصة بالمراقبة بالمؤسسة و التحسين بصفة مستمرة لأنماط سيرها و تسييرها. كما تنص المادة 40 من القانون 01/91
على أن المؤسسات الاقتصادية العمومية مدعوة لإقامة و تدعيم نظم داخلية لتدقيق المؤسسات وتعيين طرق أدائها بشكل ملحوظ.
ومع تزايد أهمية الخدمات التي تؤديها وظيفة المراجعة الداخلية، ترسّخ الاقتناع لدى معظم الإدارات العليا في كافة المشروعات الحديثة بضرورة الاعتماد على المراجعة الداخلية كإحدى الوسائل الإدارية الفعالة في تحقيق الأهداف المرسومة لهذه المشروعات. الأمر الذي دفع هذه الإدارات إلى إنشاء وحدات إدارية خاصة تهتم بوظيفة المراجعة الداخلية، وحرصت كل الإدارات العليا على ضمان استقلال هذه الوحدات حفاظًا على استقلال المراجعين وحيادهم وموضوعيتهم.
ونتيجة لاتساع المشروعات وتعقد عملياتها والتطوير السريع في استخدام الآلات والمعدات، وتعدد استخدامات الحسابات الإلكترونية في مجال الإدارة والإنتاج، ولجوء الإدارات إلى تطوير أساليبها في إدارة وتنظيم الأعمال باستمرار – فقد اتسع نطاق المراجعة الداخلية وتعددت أهدافها، الأمر الذي ضاعف من الأعباء الملقاة على عاتق المراجعين الداخليين في هذه الأيام.
وفي الواقع، فإن مهمة المُراجع الداخلي تُعدّ من المهام الصعبة، فعليه أن ينجح في إنجاز المتطلبات الفنية لمهمته، وفي نفس الوقت عليه أن يُوَفِّقَ بين اتجاهات مضادة، ويُوَائم بين متطلبات سلوكية متعارضة بطبيعتها، خصوصًا في داخل المؤسسات التي لا تخلو من الصراعات المختلفة ضمن إطار معقد من العلاقات والتفاعلات الإنسانية.
وعليه، فإن نجاح المُراجع الداخليفي تأدية واجباته لا يتوقف على مهاراته الفنية وإلمامه الجيد بجميع الجوانب الإجرائية الفنية لوظيفة المراجعة الداخلية فقط، وإنما يجب عليه – فضلاً عن ذلك – أن يَبْرُع أيضًا في مهارات أخرى تنسب إلى المفاهيم السلوكية البحتة، وبالتالي فإنه يمكن الجزم بأن كفاءة وظيفة المراجعة الداخلية تتوقف على مراعاة جوانب عديدة، بعضها فني وبعضها الآخر سلوكي.
وتشتمل الجوانب الفنية على الإجراءات والوسائل الفنية والمعايير المهنية التي تتبع في إعداد وتنفيذ برامج المراجعة الداخلية، وكذا في إعداد التقارير النهائية بالنتائج والتوصيات التي تتمخّض عنها تلك البرامج، وقد أصبحت هذه الجوانب مستقرة تقريبًا على الصعيدين الأكاديمي والمهني، ومتعارفًا عليها بين المهتمّين بالمراجعة الداخلية.
أما الجوانب السلوكية، فإنها تتعلق بالتأثيرات النفسية التي تترتب على عملية المراجعة الداخلية، أو الآثار التي تتولد عن سلوك وتصرفات المراجعين الداخليين أثناء إعداد وتنفيذ مراجعاتهم، وما يترتب من نتائجهم وتوصياتهم، والتي قد تنعكس على اتجاهات ومواقف طوائف مختلفة داخل التنظيم وخارجه.
وقد بدأت الجوانب السلوكية للمراجعة الداخلية تأخذ حظها من اهتمام وعناية الباحثين في مجال المحاسبة والمراجعة مع مطلع الستينيات من القرن العشرين.