تفصيل

  • الصفحات : 308 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-564-5.

وجد الفن منذ وجد الإنسان على سطح المعمورة وحظي منذ القديم باهتمامه، حيث شكل ارثا حضاريا متميزا: تناولا ودراسة وابداعا؛ وشكل أيضا إرثا معرفيا وفلسفيا وثقافيا غزيرا لا زال حاضرا الى يومنا هذا، يصعب بأي حال من الأحوال الاحاطة والالمام به وتحديد معالمه، لأن الباحث يجد نفسه أمام زخم كبير من الدراسات التي تناولت كنهه وتاريخه وأصله وبداياته وفلسفته وتوجهاته وجمالياته… وغيرها. لا زال الفن يثير عمقا في التناول وجدلا كبيرا في قضاياه بين الباحثين والمهتمين بميادينه: فهل الفنان يولد أم يصنع؟ وهل الفن موهبة أم تدريب؟ وهل الفن مجرد تقليد للآلهة؟ هل يمثل تحرر الموجود وامتداد للوجود؟ ما الدافع الى عملية الابداع الفني؟ ما هي معايير الحكم على الجمال والقيم الجمالية؟ كيف تختلف أذواقنا أو تتآلف في تذوق العمل الفني؟ ما هو أصل العمل الفني؟ لماذا الفن إبداع؟ هل الابداع سمة انسانية خالصة؟ ولو استرسلنا في سياق هذه التساؤلات لما وفينا الفن حقه من الدراسة.

تعتبر الظاهرة الفنية من أكثر المواضيع التي عنى بها التراث الفكري والفلسفي والعلمي والثقافي على مر كل العصور والحضارات. شدت اليها كبار الفلاسفة منذ القديم وابرز العلماء والمفكرين في العصور المتوالية؛ سعووا جميعا لدراستها والاحاطة بآلياتها وقوانين سيرها، لكنها لا زالت مستعصية على الدراسة العلمية وان كان يبدو ان الفلاسفة استوفوها حقها، إلا ان اجماعهم في تحديد ماهيتها وأغراضها ودورها على مستوى الفرد والمجتمع وحدودها… الخ، أدخلهم في نفق جدل لا حدود له.

اهتمت الفلسفة إذن بظاهرة الابداع الفني منذ القدم، وساهمت في بلورة عدة مفاهيم جمالية نذكر منها مفهوم المحاكاة والابداع والقواعد الفنية ومفهوم الجمال والذوق الجمالي والعبقرية وغيرها. وحضي الابداع الفني بإهتمام ابرز وألمع الفلاسفة منذ العهود اليونانية الى يومنا هذا، حتى يوشك عمر الفن أن يكون مساويا لعمر الإنسان.

صحيح أن هناك من يتحدثون عن الأعمال الفنية الخالدة وعن الفن بصفته قيمة من قيم الخلود وهي لغة لا تأخذ الأمور بدقة في جميع النواحي، إلا أن مثل هذا الطرح يستحق التطرق إليه لأن للأفكار حياة أكثر طولا من عمر مؤلفوها وتبقى الحياة قصيرة ومشوار الفن طويل.

تناولنا في الفصول الأولى من هذا المؤلف طبيعة العلاقة بين الفن والجمالية وعلم النفس بإنجاز مقاربة بين هذه الميادين والوقوف على نقاط الاشتراك والاختلاف بينهم. تطرقنا بعدها الى تحديد خصائصه وحاولنا تحديد موقع الفن من بعض الميادين التي لازمته منذ القدم الى يومنا هذا كالدين، السياسة والجنس. بعد التعريف بإطار الفن تناولنا العلاقة بين علم النفس والفن ومدى اسهام كل واحد في تطور الآخر مركزين على الدراسة العلمية للفن من خلال إطار علم النفس. والوقوف على تفسير ظاهرة الابداع الفني والوقوف على حواجزه وقيوده ودوافعه شمل هذا التناول ظاهرة الابداع الفني وخبرة التذوق الفني على حد سواء. اتبعناه بعدها في الختام بتناول الاطار الاجتماعي للفن وأبعاده النفعية.

ابتغينا من وراء هذا العمل رسم صورة عامة للاطار النفسي للعمل الفني والوقوف على توضيح اسهام علم النفس في تأطير الفن والاحاطة به دراسة وتفسيرا وتوظيفا في مختلف ميادين اهتماماته: العلاجية، النفعية والتنظيرية حتى أن مكانة علم النفس احتلت المرتبة الثانية بعد الفلسفة في الشغف بدراسة الفن. كان اسهام علم النفس في تأطير الفن اسهاما عظيما خدم الفن وخدم معه المعرفة العلمية.

نسعى من خلال هذا المؤلف أيضا الى تنبيه الباحثين في علم النفس وفي مختلف العلوم المقاربة له، إلى ضرورة الالتفاف الى دراسة الفن وقضاياه من زاوية علمية محظة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الاجتماعية العربية الاسلامية، نسعى الى ان يحظى الفن مستقبلا في مجتمعنا وفي باقي المجتمعات العربية بالقبول وحسن التوظيف لأنه يبقى للفن كيانه المستقل ودوره في الحياة ولا يمكن بأي حال من الاحوال الاستغناء عنه أو تخطيه. نسقط عنه رداء الخشية والحيطة والحذر منه ونسقط  عنه التجريم والتحريم والنبذ، بل نلتفت الى حسن توظيفه واستغلال منافعه وابراز شخصيتنا العربية الاسلامية من خلاله، فيكون نافذة ننفذ من خلالها الى التطور والازدهار والرقي الحضاري خاصة أنه يشكل مظهر من المظاهر الثقافية لتطور وازدهار الامم والشعوب.