تفصيل

  • الصفحات : 157 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-312-2.

لعلّ من  أكثر الكتابات عليّ ثقلا أن أجرؤ على كتابة تقديم العمل من الأعمال الإبداعية أو البحثية، ذلك ان التقديم لمؤلف لا يعني من بعض الوجوه إلا أن تشارك مؤلفه فيما يحب، وفيما يكره، وفيما يرضى، وفيما يسخط …… غير أن ما خفف عليّ وطأة ثقلي هذا التقديم يكمن في هذا العمل نفسه، فهو لا يشمل حبا ولا كرها، ولا يحوي  سخطا ورضى، كل ما في الأمر أنه عمل علمي أكاديمي رصين .

و كيف لا يكون الأمر إلا كذلك، وقد تصدى صاحبه فيه إلا الحفر والتنقيب في معجم رغم تأخره عن أبرز المعاجم اللغوية العربية، ورغم انه نسخ لما سبق أن وثق في معاجم عربية  بدءا من العين للخليل مرورا بما تبعه من معاجم موسوعية تعد تاجا مرصعاً للغاتنا العربية عبر تاريخها الطويل، مرورا بجمهرة ابن دريد  والصحاح للجوهري وتهذيب اللغة للأزهري والبارع للقالي البغدادي، وهو معجم لغوي ظهر في الأندلس … فعل (لسان العرب) لمحمد لن مكرم بن علي بن منظور الأفريقي سيبقى أية من آيات اللغة العربية .

و رغم ما سبق هذا القاموس من قواميس موسوعية بمختلف موادها وتباين مدارسها، فإن (لسان العرب)  يعد موسوعة لغوية شاملة وحتى ثقافية واجتماعية وبيبلوغرافية وأدبية وتاريخية وأنتربولوجية …. فهو وثيقة لغوية عامة اقتفى تطور الاستعمال اللغوي للكلمات العربية التي كان العرب فصحاء يتواصلون بها في حربهم وسلمهم، في سعادتهم وشقائهم في جدهم وهزلهم، حيث ارتقى هذا القاموس بالكلمات العربية ارتقاء عكسيا بمئات السنين إلى الوراء، وفي الوقت نفسها بعثها من جمودها وبث فيها حياته جديدة بحيث جعلها مهيأة لاستعمالات وظيفية جديدة .

اهتمّ العرب القدماء بتواصلات شفوية عفوية عزّزوا بها شواهدهم القرآنية والشعريّة في تقعيد ما قعدوا من قواعد لسانية في جميع مستوياتها ّ، ولا ربما وجدوا مما يتداول من أمثال أو خطابات تجري مجراها أحيانا قوة في حجاجهم ازاء فتاوى لغوية سواء أتعلق الأمر بتحريات نحاة ولغويين متقدمين أم متأخرين بصرف النظر عن صرامة فريق وتسامح فريق أخر اتجاه المسألة اللغوية إتباعا لكل اقتناع فردي أو مذهب جماعي .

ولعل المفارقة التي لم أقف عليها، فيما وقفت حتى الآن أن الأمثال بوصفها ذاكرة تبليغيّة تراثية شعبية دونت نفسها بنفسها مخترقة الزمان والمكان والإنسان والحضارات والثقافات، ومن ثمة كتب للمثل سواء أكان عاميا أم فصيح الخلود .

و توارث الأجيال اياه بسلامة وبساطة لا شعوريتين، لأن المثل أيّ مثل على قصره وايجازه فهو في بنيته الدلالية واللسانية والفنية نصًا كسائر النصوص برؤية بعض اللسانين البنيويين المعاصرين وأجدر بكون المثل نصًا لأنه نصاً مغلق بنيويا قابل للتحليل إلى مستوياته وعناصره اللغوية من الأعلى إلا الأدنى بأي قصة أو رواية أو قصيدة شعرية ……

و لما عرض علي هذا العمل من صاحبه الدكتور أحمد بن عجمية لم أتردد في قراءته والتقدير له مع ما أشعر من ثقل في نفسي كلما وجدتها أو وجدتني أمام مؤلف أو مخطوط، لكني لا ألبث طويلا حتى يتحول من إدبار أو حتى من خمول إلى إقبال ونشاط رشيقين خفيفين، بحيث أحس بكلماتي تسبق سطور قلمي، وهذا ما سبق أن حدث لي في تقديمات، وها هو ذا يحدث معي الأن وجها لوجه مع هذا العمل لصديق : أحمد بن عجمية هذا الرجل الذي يغلب عليه الصفاء الخلقي والجلاء المنطقي، والتواضع العلمي وهي صفات عدت تنذر شيأ فشأ وتغرب يوم بعد يوم في أفراد من جيلنا الأني .

و لعل التسآل الذي خطر بخلدي وأنا أقدم كلمة وأؤخر أخرى، لتحرير هذا التقديم :

كيف اهتدى الدكتور أحمد بن عجمية إلى أبحث هذا لا موضوع ؟ ولماذا ( لسان العرب ) دون ما تقدم عليه أو تأخر عنه من مصادر لغوية وأدبية اخرى، مع أن لسان العرب، يعدّ جمعا وحشدا أكثر مما يحسب على التجديد والابتكار، حتى وإن لم يكن ابن منظور بدعا في شيئ من معاصريه ؟

أجل عرف ابن منظور بغياب الابتكار في الثقافة العربية عموما، وبدل من ذلك حل محله الجمع والاجترار وتعصير عقول وأفكار السابقين، حتى تحول المعقول في محطات حضارية وثقافية عربية كثيرة إلا منقول .

و مع ذلك فإن (لسان العرب) سيظل ظاهرة تراثية لسانية عربية تكاد تكون جامعة مانعة، لولا أن مجال اللكسيك مفتوح للاستزادة تماشيا مع تغير الحياة والاجتماع وتطور سبل التواصل وتنوعه، وهو ما يستدعي شرعية ظهور ميلاد لكلمات جديدة تعيش القوم ويعيشونها سواء من خضم اللغوية القومية نفسها أو عبر اقتراض من لغات أخرى بوساطة الترجمة أو التعريب أو النسخ، وهذا ما تعيشه كل اللغات المعاصرة حاليا، ومنها لغاتنا العربية التي تعد في تقديرنا أكثر اللغات العالمية احتياجا إلى أن تثرى بمئات، إن لم نقل بالألوف من الكلمات الجديدة التي تفتقر في المصانع والمخابر ومراكز البحث ومناهج التعليمة …..

و الحقّ الحقّ أقول إن الإشكال لا يكمن في اللغة العربية ولا في كينونتها الذاتية، وهي التي وسعت كتاب الله وسنة نبيه (ص)، واستوعبت حضارة الساميين والمصريين والفرس والهند واليونان والرومان ….. بقدر ما يكمن كموناً تارة في هجرة استعمالها وتارة أخرى في التبعية الشاملة إلى الأخر، الأمر الذي هان على أصحابها أن يضربوا عن توظيفها مستبدلين إياه برطانات أعجمّية لا مبرّر لوجودها بحجج أو هي من عشر كنكبوت، لكن :

من يهن يسهل الهوان عليه        مـــا لجرح بميّت إيلام

أياً كان الأمر هذا أو ذاك فإن المؤلف الذي جد ولم يأل جهداً في سبْر مَا جاء في (لسان العرب) من أمثال، ارتضى أن يتناولها من حيث مصادرها وطرائق توظيفها وشرحها من ابن منظور، والامر هنا من قبل ومن بعد تغلب عليه المناسبة اللغوية التي كانت الهاجس الأكبر لصاحب اللسان الذي يعد أول وأخر من استقصى المسألة اللغوية في التبليغ اللغوي في اللسان العربي .

وكان ذلك فتحًا مبينا، في تطور دلالة الكلمة العربية .

و لكن من جاء بعده من المعجميين العرب لم يواصلوا المسافة التي انتهى إليها ابن منظور، الامر الذي جعل اللغة العربية منم بين اللغات القليلة التي تملك معجما موسوعيا لتطور الكلمة تطورا تاريخيا دلاليا حتى الأن، رغم بعض المحاولات التي بائت كلها بالفشل الذريع .

و هذا الأمر ملقى كليا على اتحاد مجامع اللغة العربية وحتى ما يسمى الجامعة العربية .

و يستمر الباحث أحمد بن عجمية في قراءته العلمية المتئدة اقتفاء لأنواع العربية التي شملها (لسان العرب ) حتى وإن كنت أحسب أنّ ابن منظور لم يكن هاجسه أنواع الامثال بقدر ما كان يهدف إلا تخريج المسائل اللغوية المعقدة أو البسيطة في معجمه دون إخلال بجزء دلالي للكلمة العربية .

و بعد هذه الجولة وصل المؤلف أحمد بن عجمية مساره البحثي استقصاء لهذه الأمثال من حيث حقولها الدلالية، وفي اعتقادي انه كان هذا المجال وحده كافيا لتتبع أمثال وعلاقتها بالممارسات التواصلية بين العرب، لأن الامثال باعتبارها خطابا شفهيا تعد النموذج الأصفى الذي يدل على طبيعة هذه الأمثال وما تتضمنه من دلالات إجرائية عملية وفق ممارسات لسانية شفهية طبيعية تعد زادا أو مددا نفيسا خالدا في اللسان العربي .

و اخيراً لا يسعني إلا أن أتمنى التوفيق للباحث آملا أن يجد هذا المؤلف طريقه إلا الطبع عسى أن يفيد منه المتلقون العرب  وعسى أن يكون مددا إضافيا للمكتبة العربية خاصة وللباحثين العرب عموما .

و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

بتلمسان في 12/07/2017

الأستاذ الدكتور : عبد الجليل مرتاض