تفصيل

  • الصفحات : 252 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2020،
  • الغلاف : مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 9789931728672.

يتناول هذا الكتاب قضية محورية في حقل التواصل الإنساني ، ويكشف التجول الواعي في النص ومضمونه عن مجموعات أولية وتراكيب جزئية تهدف إلى الإحاطة بموضوعة مفعمة بالقدرة على التعبير عن الإبداع الإنساني  في الواقع الراهن ، المرتبطة بالتاريخ، قضية مؤطرة بعنف اللغة ، وذوبان  الروح في عشق الله عز وجل، إن صح التعبير للإحاطة من داخل شرنقة الاتصال الروحي ،في إطار الحركة التطورية المتدافعة بسرعة ممكنات التقدم العلمي للنظام الاتصالي الراهن ، وبالغايات التي يسعى الاتصال لنشرها وإشاعتها في حياتنا،واللغة هنا ارتبطت بالسيمواتصالية، وهي تكرار توكيدي يفضي إلى الاعتراف بان حقلا لاتصال هو في الواقع مثال على إمكانية لا حدود لها في تشكل واقع إنساني مغاير  عما نألفها ونعايشه مدركين أو مرغمين في الواقع اليومي، من هنا اختار المؤلف شادلي عبد الحق ان يسبر غور الاتصال الروحي، ويرصد ملامح الاتصال في الخطاب الصوفي ، مفرزا  مقاربة سيميوأتصالية للتصویر الرمزي الصوفي، مفعلا ببراعة مكانة (الشیخ والمرید أنموذجا)، حين يتصاهر الشيخ مع مريديه، تصاهرا روحيا ملحميا، كأنه ينم عن شبكات التلاحم الروحي، المنتظم وفق الوصول إلى العشق الإلهي، المرتبطة بسلسلة التواصل بين سيميواتصالية التي يتم تعزيزها وإسنادها كتصوير رمزي صوفي، يلحق الأثر والحس لدى أمنيات المؤلف أن يسعى لتقريبهما معا، وكشف أسرارهما.

ثمة فكر عميق بين ثنايا العقل العلمي للمؤلف شادلي عبد الحق، عقل نقي صافي من شوائب التلعثم الذوقي في صناعة المفردة، وتوقير الصياغة، بين ضحايا الفكر والمعرفة للوصول لصناعة مفردة ، وبين التشظي في رحاب الصوفية، ومعتقداتها، وأجنة فاعليتها، فحين يكتب عبدالحق عن الصوفية كأنه قادم من أقصى أناقة الحضارة ،من عتمة التاريخ ،يؤرشف للأشلاء من وحي الصوفية وعمقها ،وهو يتابع حريتها، رجالها، نساؤها، الحرية، الدين والانصهار في التبصر بعطاء الله عز وجل، قلبه يروض الصورة حين يفسح مساحة لمنطق الطير، ولا يهشم ،أيام الفاجعة ،القحط، المحنة، الوجع، الدخان، الرصاص، الحرائق، الدم، العبوات الضالة، الأقلام المغتصبة وغربة النص، وأنا التي شاهدت معه تضاريس إبداعه، واشتركت معه في حبل التواصل، وشواطئه المليئة بالنرجس والأقحوان، والعثرات والدروب المتقطعة، ومناقب البحث والتنقيب، لغرس نول جديته وإخلاصه للنص والأمانة العلمية.

وبما أن شادلي عبد الحق شاعر من طراز خاص في رصد المتبنيات المعرفية للمنجز العلمي، فأن ما أختاره للتبحر به من عنوان وعالجه بقدرة فائقة، وبشعرية عالية، فأنني لابد أن أضعه في مقترب شعري، لأنه حين يكتب عن الصوفية يخلق منهجا ويكاشف إبداعه عن الاتصال الروحي في الخطاب الصوفي، لذلك استعين بما قاله” يوري لوتمان “في كتابه تحليل النص الشعري: “بأن أي نظام يقنن الشعر لابد أن يتلقى في الأساس باعتباره قيمة ذات مغزى “أي قيمة دلالية اعتبارية ذات جدلية لا تنتهي ولا تتعارض مع ذاتية الشاعر وبراعته وتطور أدواته الشعرية التي نسجها وحولها إلى قيمة تعبيرية انفعالية تستهدف الوعي باللغة كمنظور ورؤيا متنامية لتعرية الحدث والوقوف على علائمه التي توحي بالكثير، وهو ما كأنه عبد الحق ولاحقه في سيميوأتصالية واضحة وأنيقة وجادة، هذا الكتاب كتبه شاعر منضد الحرف، كأنه يقرأ لنا ألف ليلة وليلة، وينسج من رحيق حروفه دواوين شعر منضد، فكتاب الاتصال الروحي في الخطاب الصوفي،أضحى علامة بارزة في ساحات العلم، وفصل الخطاب،ذلك أن شادلي عبدالحق تصاهر مع كل مفردة من مفردات الكتاب ،بجديته ،وسعيه وإصراره.

بالرغم من أن هذا الموضوع من أهم الحقول المعرفية وأصعبها ،لكن المؤلف فتح لعقله وذهنه،بل وصبره لاقتحام ساحة الوغى ،لم يستطع الكثير الولوج إلى مصهرها العميق ،محمولا بالكثير من وصايا عقله الموزون في مثقال العطاء والإبداع والتأمل، إذ أنّ الخطاب الصوفي یحمل من الأسرار ما يتطلب استجلاؤها فترة من الزمن والصبر على المشاق فیه، فكيف و عبدالحق يستطيع أن يدخل مملكة الاستجلاء الروحي لتعاويذ صولجانه ، ويتناغم مع التصوير الرمزي الصوفي،زارعا إبداعه وفكره بين مثنوي،منطق الطير، العروش السبعة، أخوان الصفا وخلان الوفا، ووفق المقاربة السيميولوجية التي وظف فيها طريقة الفرنسي “لوران جيرفيرو” في تحليل الصور سيميائيا: كونها طريقة واضحة الخطوات ويسيرة من حيث التطبيق كما يؤكد،إذ تعد طريقة شاملة في تحليل الصورة الثابتة بجميع أنواعها ومجالاتها وعلى رأسها الصورة الفنية.

ومن أجل ان يبقى الإعلام قائما برسالته الإنسانية الخلاقة بعيدا عن كل أشكال المصادرة والهيمنة ،ومن خلال دراسة بيئة اللوحة والقراءة التضمينية لها، فالاتصال الروحي من بين أشق موضوعاته وأدقها مما يحمله من رموز ومعاني مختلفة وتنوع عناصره وأطرافه، وأنه يتنوع من طائفة صوفية لأخرى، إذ سعى من خلال هذا الكتاب إلى الكشف والوصول إلى حقيقة وجود الاتصال الروحي في الخطاب الصوفي ،وفهم الدلالات والمعاني الكامنة فيه، ومحاولة تطبيق التجربتين الاتصالية والدلالية على التصوير الرمزي الصوفي ،بتوظيف التحليل السيميواتصالي،الذي ساعده على استنطاق العلاقة الاتصالية الروحية والرمزية التي تجمع الشيخ بالمريد والمريد بالشيخ، والكامنة في اللوحات الفنية الصوفية التي قام باقتنائها لهذا الغرض ،ولتحقيق الهدف الذي يسعى إليه المؤلف ،انطلق من أرضية منهجية ونظرية ،مكنته من حسن التحليل قصد الوصول إلى النتائج الصحيحة، وذلك وفق خطوات منهجية علمية دقيقة، من خلال تحليل لوحة “مثنوى” جلال الدين الرومي الشيخ الصوفي يلقّن مريديه وحدة الوجود ويحثهم على الفناء في الله، كذلك تحليل لوحة “منطق الطير” لفريد الدين العطار النيسابوري “الشيخ صنعان يقع صريعا أمام مريديه” وتحليل لوحتي رسائل إخوان الصفا وخلّان الوفا “الحكماء والمريدون” وتحليل لوحة “العروش السبعة” لعبدالرحمن الجامي” كم توحي أوراق الشجر الأخضر للإنسان الفطن بعبرات وعظات تدله على وجود الله”، وفق مقاربة سيميواتصالية وتحليل الصورة، والتشكيل…الخ.

أعتقد أن المؤلف اختار الطريق الصعب، في النبش بالصوفية والاتصال الروحي بين مريديها، لم يخفق قلم المؤلف بالبحث عن الحقيقة والجديد، ولم يسع لتجميل المفردة، وليعنق الحقيقة بين التاريخ والجغرافيا ،بين الحقيقة والخيال، غايته الإنسان، وحيرته الوصول إليه، والموثوقية به، فله حياته العلمية  وطقوس رسالته الإنسانية،وكما يقول سلامة موسى: “ليس للحياة غاية سوى الحياة، وكلما عدا الحياة هي وسائل للحياة”،فاللغة والأدب والفن والبلاغة،إنما هي جميعا في خدمة الحياة، لجأت أنامله لتطويع العلم والمعرفة والنظريات العلمية، منصهرة بالواقع وترميمه ،كقصيدة جميلة لا تستدر العواطف و لا تفعل شرخا فيجسد الحروف ،بل تزرع للجيل موطئ قدم نقي وأبيض دون صراخ بنقاء صولجاناته المنيرة تجاه العلم والمعرفة، رصده ستائر شفافة مجلوة بماس العطاء لتسييل نفحات عطر الكتابة، وعشق الكتابة والبحث يلازمه كظل وسط رياح التكنولوجي االقاسية ،يقول غوته: “شجرة الحياة دائماً خضراء” ، وعبدالحق أقلامه الملونة دائما خضراء تزهر بالعطاء وتمنحه سبلا للاستمرار، بجهود غنية،وصناعة بريق، وحامل منارة، وعاشق درب العلم.

دائما ما يقول لي حين أسأله عن أفكاره وأحلامه، لا يتردد ويكرر البحث العلمي: “صيد الموضوعات الفريدة غايتي”، أغبطه، بالسند والدعم، وانتظر من عقله الكثير ويكرر: “هنا أجدني أصنف ضالتي برغبة كالنحل لكنني أغمض أناملي كي تغوص في رحم العلم، او تنبت في أوردة الحجر، لذا فان كل بحوثي العلمية أنجبتها بيد واحدة فيما كانت أصابعي الأخرى تقفز لتأثيث دراسة أخرى”، راهن حال المؤلف عبدالحق ينبئنا أن ما مرغ رغبته في صهر أغلفة الكتب وملاحقة الثراء المعرفي، إنما يألف رغبته فيكشف الجديد والجميل، فذرات عطاء أهل التصوف ومريديه ،وعشاقه ،بعناق غريب بين ألوله، والطاعة للرب،وملامح أنامله تصوغ نثار مرمر وبريق قلمه، لكن لا أخفيكم، حين يتحفز عبدالحق لأرشفة التاريخ والإبداع، يعمل بأوردته،وينطق وجيب قلبه، بكل أورام شغفه بالكتابة يفجر المفردة، فكيف ومفرداته متصوفة، شديدة التوثيق،عصية على الحقيقة التي نبشها بمداد روحه، دائما ما تحيلني كتاباته إلى الأمل،إلى عالم أراهن انه متخيل لا يمكن لأي واقع أن يحتويه، لكثافة صدقه، ورفيف قلمه الحر، وفي التصوف بشكل عام  والتصوف الإسلامي بشكل خاص،نجد حضور متميز لهذه الثنائية، وإن كان  الاتصال الروحي يشكل القسط الأكبر والمحرك الفعال للتجربة الصوفية ولا يستطيع الانفكاك من محاور السرد، بتطميناته المعرفية،وما أبعاده الدلالية والاتصالية من خلال التصوير الفني الصوفي،إلا تضاريس تحفيز ودافعية لقنوات جديته العلمية وإخلاصه للجديد والنادر، وصناعة معنى للاتصال الروحي وأهم أنساقه البصرية وغير البصرية الكامنة في الخطاب الصوفي، ففي هذا الكتاب مارس شادلي عبد الحق سياسة التنقيب عن الجوانب الأساسية للاتصال الروحي في الخطاب الصوفي، وبانتظار تنقيباته الأخرى في مدرسة البحث العلمي.

الدكتورة سهام الشجيري/ بغداد/ 2019