تفصيل

  • الصفحات : 190 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-691-89-1.

أسس النحاة العرب من الرعيل الأول مفاهيمهم المبكرة حول اللغة العربية على إثر عمل علمي جليل قاموا به ، لا يختلف في صميمه عما دعا إليه المنهج اللساني الحديث ، و ذلك لما أحدثوا تلك الجهود الميدانية في إطار ما يسمى بالسماع و التدوين ، و لم يتركوا شيئا مما تشافهت به العرب في عهود الاحتجاج إلا و نقلوه إلينا على أدق طـــــــرق التحمل و الرواية ، و كان مما دونوه نصوص نثرية عفوية سمعت عن الفصحـــــــــاء في أبسط حوائجهم اليومية ، و هذه حقيقة لم تحظ بالاهتمام الكافي مقابل الاهنمام بالموروث الأدبي .

و الحقيقة الأخرى التي لم يلتفتإليها أكثر الدارسين العرب اليوم ، هي مستوى الإدراج المستخف في عربية الاحتجاج الفصيحة التي لاحظها هؤلاء النحاة عند العرب في هذا التخاطب اليومي ، رغم أننا نرى ما يقابلها في وجــــــــوه القراءات القرآنية من أوجه التسهيـــــــــــل و الاختلاس و الإشمام و الروم و غيرها ، الأمر الذي من شأنه أن يصحح النظرة التقليدية للغة العربية الفصيحة ، بـــــــــــــــــــــــــــل و يمكننا من كشف حقائق تاريخية عن العرب القدامى ، تشهد لها مظاهر كثيرة في العاميات العربية التي هي لغة الحياة اليومية .

و أدى عدم الاهتمام بهذا النوع من الموروث اللغوي إلى عقد عداوة وهمية بين الفصحى و العامية ، و كأن العامية هي لغة أجنبية أخرى تختلف اختلافا تاما عن الفصحى ، بينما الواقع يشهد أن كثيرا من العامي يمكن رده إلى أصله الفصيح ، و لا يزال الباحثون إلى يومنا هذا يكتشفون بعض الصيغ و الألفاظ الدارجة في ألسن العامة ممن لا نجد لديهم أدنى ثقافة ، لها أصل فيما نطق بها العرب الفصحــــــــــــــــــاء في القرون التي سميت بعصور الاحتجاج .

إنه من المجحف في حق العربية الفصحى أن تشيع لها صورة قاصرة في أذهان الناس تجعلها لديهم لغة لا تقوم بحاجات الإنسان من تخفيف مؤونة التكلف و الإغراق و التشدق ، إضافة إلى التشبث بافتراضات ليس عليها أدنى دليل علمي كالقول باللغة النموذجية الأدبية الفصيحة مقابل اللهجات العربية ، و أنها إنما اقتصرت عند العرب الفصحاء على الفنون الأدبية دون التخاطب اليومي ، و هذا ما لا يستند إلى دليل علمي كما أشار إلى ذلك الدكتور عبده الراجحي ، و الدكتور عبد الرحمن حاج صالح .

و لقد ظل الأستاذ عبد الرحمن حاج صالح على سبيل المثال منذ زمن طويل ينبه إلى هذه المسألة ، لما لها من أثر معرفي متعلق بماضي اللغة العربية و راهنها و مستقبلهـــــــــــــــــــا ، و يحض على دراستها أو دراسة بعض جوانبها مما هو متوافر بين أيدينا من كتب النحاة القدامى ، و التي انصرف الاهتمام عند دارسيها إلى اللغـــــــــــــة الأدبية من الشعر و النثر دون الالتفات إلى ما نقله النحاة عن العرب من تخاطبهم الشفاهي العفوي .

و لقد كانت دعوته إلى دراسة هذا الموضوع في مناسبات مختلفة منها محاضرته التي ألقاها في أشغال الندوة العالميــــــــــــة التي نظمهــــــــــــا المجلس الأعلى للغة العربية في نوفمبر 2000 م تحت عنوان مكانة اللغة العربية بين اللغات العالمية ، و في عدة دراســــــــــــــــــــــــــــــــــــات و مقالات علمية أشهرها مقاله الموسوم بـ : اللغة العربية بين المشافهة و النحرير .

إن البحث في خصائص اللغة اليومية للعرب الفصحاء من الناحية العلمية أمر يحتاج إلى جهد غير يسير ، لأنه يعد استنطاقا لمدونة من واقع التخاطب ليست لنا منها سوى صورة مكتوبة ، و ملاحظات ذكرها النحاة الأوائل ، و هي بالطبع تختلف في أشكــــــــــــــــــــــــالها و مقاماتها عن ما هو شائع من الشواهد المدروسة في التراث اللغوي .

و هذا الكتاب هو محاولة للكشف عن ما يمكن كشفه من تلك الخصائص على ضوء ما بينه النحاة ، و على ضوء ما نلحظه في لغة الحياة اليومية في جميع لغات العالم ، مستفيدين في ذلك من بعض النظريات و الآراء اللسانية الحديثة ، في كل ما يحمله هذا النوع من النشاط اللغوي البشري من خصائص عامة .