تفصيل

  • الصفحات : 142 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2021،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-136-4.

ماكان لأحدأن ينكر دور الترجمة كوسيط حيويّ بين لغات متعدّدة، وثقافات متشعّبة. فمنذ أن اختلفت ألسنة النّاس، واتخذت كل جماعة لغة، عبّرت بها عن حاجاتها وكانت وعاء جامعا لكلّ ما يمكن أن ينتجه أهل تلك الجماعة من علم وأدب وفن. ولمّا كان التّواصل مع  الآخر فطرة جبل الله عليها النّاس، جاءت التّرجمة لتكون حلقة وصل، وضرورة لمعرفة فكر الآخر. والمتأمّل في عصرنا هذا، عصر السّرعة والتّسارع في تدفّق المعلومة، بشتىّ أشكالها، يدرك أهميّة التّرجمة كعامل تطور للإنسانيّة جمعاء. ذلك أن المعرفة ليست في لغة رسميّة وواحدة. والإبداع مهما كان نوعه، لايختصّ به قوم دون غيرهم. وإضافة إلى ما تقدّم، فقد مسّ الترجمة، باعتبارها علما وفنّا، ما مسّ جلّ العلوم في العصر الحديث من جنوح إلى التّخصّص، وأصبحت الترجمة التّخصصية ضرورة ملحّة، ﻷنّالمواضيعالّتي تعالجها التّرجمة من علميّة وأدبيّة، تحمل مصطلحات وسياقات متخصّصة. ومثال ذلك نقل نص اقتصادي شديد الخصوصيّة،يتطلب ترجمة شديدة الخصوصية.

لامرية أنّ الحديث عن خصوصية اللغة الاقتصادية والمالية سيقودوني حتما إلى الحديث عن خصوصيّة اللّغة الاقتصادية ومصطلحاتها التّقنيّة. هذا إذا، عامل يجعل من ترجمة هذه المصطلحات أمرا ليس بالهيّن، بل يتطلّب جهدا وصبرا وزادا معرفيّا ليواجه المترجم إشكاليّات حتميّة وجب عليها إيجاد حلول لها.

وفي عالم أصبح فيه  للاقتصاد، سطوة وسلطة، ومع التّطور السّريع وبروز مصطلحات حديثة خاصّة في مجال الحسابات القوميّة وجب نقلها إلى العربيّة، أردت أن أساهم، في حلّ بعض الإشكاليّات الّتي تعترض المترجم في عمله هذا.

و تأتي ترجمة مصطلحات الحسابات القومية إلى العربية في إطار عام يهدف إلى إثراء التّرجمة الاقتصادية والإسهام في التّجربة العربيّة الوليدة، لنقل المصطلح الإقتصادي، نقلا صحيحا يستجيب لقواعد الاصطلاح من دقّة وإيجاز ووضوح، لا يدع مجالا للّبس أو التّأويل،وهو مايستلزم منيّ إيجاد حلول واقعيّة وموضوعيّة لجملة من الإشكاليّات أهمّها :

كيف يمكن ترجمةمصطلحات الحسابات القوميّة  مع الحفاظ على شحنتها الدّلالية الدّقيقة ؟، ولماذا تعدّدت الترجمات العربيّة للمصطلح الواحد حتى اختلط الأمر على المتلقي سواء كان من أهل الاختصاص أو من عامّة الناس؟ ثم ماهي أهمّ المشاكل والعقبات في طريق ضبط ترجمة المصطلح الاقتصادي إلى العربيّة؟ وماهي الحلول التي يمكن التوصّل إليها ؟ وهل تعدد المعاجم في المجال الاقتصادي كان عاملا ايجابيا في تطور المصطلح العربي الاقتصادي أم على النّقيض من ذلك، كان عامل تشتت وفوضى اصطلاحيّة؟

إنّ الإجابة على هذه الإشكاليّات تمثل جوهر بحثي هذا. وكلّها أسئلة منطقية تتبادر إلى ذهن أي مترجم متخصّص في المجال الاقتصادي، وتبدو بديهية إلا أنّ جوابها معقّد، ويتطلب تحليلا موضوعيا وبحثا جادّا، ذلك أن منابع الفوضى الاصطلاحية متعدّدة وأسبابها كثيرة. وأرجو أن أكون قد وفقت في عملي المتواضع لإيجاد حلّ للإشكاليّات المطروحة.ولم تخل المكتبة العربية من دراسات سابقة في هذا الميدان، كان أهمّها المعاجم ثنائية وثلاثيّة اللّغة، حاول أصحابها نقل مصطلحات الحسابات القومية إلي العربية  منها معجمي المدونة،و المعاجم المتخصصة في الاقتصاد التي أصدرها مكتب تنسيق التعريب بالرباط، وغيرها من الدراسات التي قدّمت في ملتقيات وندوات علمية نحو مداخلة الأستاذ الأخضر عزّي الموسومة ب”دراسةتحليليّةلصعوباتالترجمةالتطبيقيةللكتبالاقتصادية الجامعية الجزائرية”.

و رتّبت هذا الكتاب على مقدمة ومدخل وفصلين، حوت المقدمة على تقديم الموضوع وطرح الإشكاليّات وبيان أسباب اختيار الموضوع، والمنهج المتّبع في الدراسة، والتصميم الذي انتهجته ومصادر البحث المعتمدة.

أما المدخل، فجاء موسوما ب”المصطلح والمصطلح المتخصّص” عالجت فيه ثلاث نقاط أساسية: أولها المصطلح عموما، فقد حاولت إعطاء مفهوم عامّ له وكذا تشريح آليات الوصف المصطلحي في اللّغة العربية، ثم تناولت “المصطلح المتخصّص” بالدّراسة، فحددت مفهوهمه وعرّجت على المصطلح المتخصص العربي، فشرحت واقعه وجهود توحيده، وهنا ذكرت أهم المحاولات من أفراد أو مؤسسات، في سبيل توحيد المصطلح العربي المتخصّص.

وجاء الفصل الأول في ثلاثة بحوث، أولها لغة الاقتصاد: “ما هيتها وخصائصها “عرضت فيه مفهوم واللّغة المتخصّصة وخصائصها وإشكالية التّرادف في لغة الاختصاص، وختمته بدراسة موضوعية في لغة الاقتصاد وما يميزها من اللغة العامّة. وثانيها، وسمته ب”الترجمةالإقتصاديةخصائصهاوتحدياتها”،ضمّنتهنبذةحولنظرياتالترجمةالمستعملةفيالترجمةالإقتصادية، وماهيةالترجمةالإقتصادية وشروطها،ثمتعرضتلأساليبالترجمة بشيء من  التفصيل، وأخيرا تناولت إشكالية تعريب المصطلح الإقتصادي بالدّراسة والتمحيص، منطلقا من أساليب صياغة المصطلح الإقتصادي إلى جهود توحيده.وثالثها، “الحسابات القوميّة”، تناولت فيه مفهوم الحسابات القوميّة، ثم أهميتها وحدودها. كما تطرقت إلى نظام الحسابات القوميّة، باعتباره مصدر  المصطلحات التيّ قمت بدراستها، فأوردت تعريفا له وتتبّعت تطوره.

وفي الفصل الثاني، بدأت بتقديم المدوّنة، فعرّفت بالمعجمين والمؤلفيّن، ثم تطرّقت إلى مجال الدّراسة وأوردت جدولا ضمّنته كل المصطلحات التي عالجتها. وأنهيت هذا الفصل بدراسة تحليليّة مقارنة لترجمة المصطلحات التي انتقيتها من معجمي المدوّنة، فقمت بدراسة المصطلح أوّلا في اللغة الفرنسية، دراسة تأثيليّة مع تعريف لغوي وآخر اصطلاحي، وثانيا تحليل الترجمة الواردة في معجمي المدونة مع بيان تقنيّة الترجمة المستعملة ونقدها، واقتراح ترجمة بديلة إذا لزم الأمر.

وفي خاتمة البحث، أوردت ماتوصّلت إليه من نتائج واستنتاجات علمية، حول الترجمة الاقتصادية وبالخصوص ترجمة مصطلحات الحسابات القوميّة.

واقتضت طبيعة الموضوع اعتماد المنهج التحليلي المقارن، فبحثي، دراسة تحليلية مقارنة لترجمة المصطلحات القومية الواردة في معجمين متخصّصين هما: “معجم الحسابات القومية”و “معجم المصطلحات الاقتصادية والمالية”، مع تتبع نقاط الاختلاف قصد إيجاد حلول للإشكاليات المطروحة سابقا، مع توخي الدّقة والموضوعية، مما يتطلّب تحليلا وافيا وشاملا للمصطلحات، وجب فيها تتبّع منهج علمي أكاديمي، ثم موازنة ما جاء في المعجمين، بمنهج مقارن.ولم يكن البحث في هذا المجال، أمرا هينا يسيرا،بل واجهت صعوبات عدّة، أهمها مرتبط بالمادّة التي تناولتها بالدراسة، وهذا راجع إلى خصوصية المصطلح الاقتصادي والسّياق المرتبط به والفوضى الاصطلاحية التي تزداد حدّتها مع حداثة مصطلحات الحسابات القومية وتطورها الدائم والمستمرّ، مما يعقّد مهمة المترجم ويتطلب منه جهدا كبيرا لانتقاء المصطلح الأنسب والأدّق.