تفصيل

  • الصفحات : 384 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-691-14-3.

   شهد مجال الاتصالات تطوراً سريعاً تمثل في ظهور وسائل وتقنيات فتحت الباب واسعاً لحرية تبادل المعلومات التي أفاد منها حقل الإعلام بشكل استطاع ان ينتقل به إلى مديات كبيرة في فهم الجمهور للعالم الذي يحيط بهم، ولعل الإنترنت هو الحقل الاتصالي الأهم من حقول الاتصال الأخرى.

فالانترنت سمح بتدفق كبير وحر للمعلومات التي تخص حقولاً مختلفة من العلم والمعرفة وقسم كبير منها استطاع أن يخرج من نطاق المعرفة إلى نطاق التطبيق المعرفي، أي استخدام شبكة الانترنت في التحكم بالمسارات العلمية التي كان الإنسان يديرها ويشرف بشكل مباشر عليها أصبح بالامكان الاستعاضة بالإنترنت لإدارتها وبشكل دقيق وغير مكلف .

إن شبكة الإنترنت تمتاز وبخلاف غيرها من وسائل الاتصال التقليدية بأنها تمتلك المرونة في محاكات المستخدم، بل وتسمح له بتطويرها، ولعل السبب الذي يكمن في تفوق الإنترنت على غيره من وسائل الاتصال التقليدية، هو الإمكانية على التغيير والانتقال من مرحلة إلى اخرى في مدة قصيرة ، بمعنى أن الإنترنت استطاع أن ينتقل من الاستخدام إلى تطوير الاستخدام ومن ثمَّ تطوير الوسيلة والابتكار إذ إن مبتكرات الإنترنت هي نتاج منطقي لتفاعل المستخدم مع الشبكة ، فضلا عن استثمار الإنترنت للمقترحات والافكار كلها وعدم تجاهلها وإن كانت بسيطة، ومثال ذلك مواقع التواصل الاجتماعي والتي في حقيقتها تمثل أنفعالات شخصية في أغلب الاحيان لغرض الترفيه في بداية نشأتها، ثم تحولت إلى منظومة لتطوير العلاقات الاجتماعية، هذا السبب هو الذي سمح بانتشارها، فعدم التكلف والسماح بتمثيل متساوٍ وعادل للفئات الاجتماعية المتنوعة، مستفيدة من المجال العام الذي اختزل محددات المكان والزمان لأنه فضاء واسع للمشاركة والتدوين فكان شكلاً جديداً للاتصال ومن ثمَّ هو نافذة جديدة للإعلام لا تشبه ما سبقها.

لكن هذا التطور الذي احدثه الإنترنت في مجالي الاتصال والعلاقات الاجتماعية، لم يجد في المقابل حقلاً فلسفياً ومنطقاً نظرياً يسمح بأعطاء اجابات للاستفسارات والاسئلة التي تواجه الباحثين ، وقد لجأ الكثير من الدارسين في مجالات الاتصال والإعلام إلى نظريات الاتصال السائدة مثل نظرية تدفق المعلومات على مرحلتين، وترتيب الاولويات، والاستخدامات والاشباعات ونظرية الاعتماد على وسائل الإعلام وغيرها. والتي كانت جميعها نظريات واقعية تفيد تفسيرات مقبولة لمجالات الاتصال الاكثر استقراراً ، بمعنى انها وضعت لتفسير منطقي لوسائل اتصال معينة.

وكان التصور ان هذا التفسير والتحليل العلمي مقبولين حتى لو تغيرت المجتمعات على أساس أن النظريات كلها تتعامل وفق مسار عملية الاتصال الثابت نسبياً، بمعنى إن ما يرسله المرسل للمستقبل من مضمون اتصالي بالاعتماد على وسيلة اتصال معينة ينتج تفاعلات اجتماعية والتي فسرها علم الاجتماع منطلقاً من مفاهيمه الخاصة، فالتحليل العلمي يصور ان البناء الاتصالي قائم على متغيرات مستقلة غير قابلة للتفاعل مع ذاتها لتشكل طاقة تسمح لها بالاندماج مع غيرها ، أي ان كل عنصر في عملية الاتصال هو متغير مستقل عن المتغير الاخر يؤثر ويتأثر لكنه يحتفظ بخواصه وسماته لأنه اتصال خطي أو دائري ، وكان التحليل للاتصال ضمن تصور قائم على أن الزمان والمكان يتبعان الاتصال من حيث مكان الاتصال وزمان الاتصال وكان يعتقد أن هناك زمناً واحداً للاتصال ومكاناً واحداً للاتصال يرتبط بمكان وزمان كل من المرسل والمستقبل، أي وحدة الزمان والمكان لعملية الاتصال، وهذا هو السبب الذي يجعل من الاتصال مستقراً يمكن تحليله بالاعتماد على مسارات ثابتة لحد ما.

إن نظريات الاتصال تقسم في حقيقة الامر إلى نظريات الاتصال من منظور علم النفس ونظريات الاتصال من منظور علم الاجتماع، والقليل من الباحثين أهتم ببناء نظري اللاتصال من منظور إعلامي تواصلي، وهذا البحث يسلط الضوء على هذا المجال.

كان يعتقد ضمن مجال الاتصال ، ان خصوصية كل عنصر من عناصر الاتصال هي التي تحدد شكل الاتصال ، لكن لم يشرح السبب لتغيير مسار الاتصال من الخطي الى الدائري خارج نظريات علم الاجتماع ، على اساس أن التغيير في البيئة الاتصالية التي تحدث بفعل العامل السياسي والاقتصادي تؤثر على العامل الاجتماعي إذ تفرض عليه نوع المسار الاتصالي ، وعليه فإن النظرية الاجتماعية تفرض نفسها على التحليل العلمي من منطلق أن العلاقات الانسانية هي علاقات اجتماعية تخضع للنظرية الاجتماعية ، لذلك كان من الضروري ايجاد نظرية اتصالية تعتمد المفهوم الميديولوجي – علم الإعلام العام- عن طريق دراسة الاتصال كظاهرة ذات أبعاد متعددة، فالعديد من مؤسسي علوم الإعلام والاتصال كلاسويل وبارك وبرلسون ، انتموا إلى منظور سوسيولوجية الإعلام على الرغم من أنها تعد أرضية الاختصاص وأن الكثير من هؤلاء المؤسسين والمنظرين قد تأثروا بطريقة أو أخرى بالمدرسة الوظيفية للازرسفيلد ومرتن ، أو النقدية كشيلر وأدورنو … الخ ، لذلك فإن فهم المرجعية النظرية الاجتماعية الغربية الحديثة عن طريق دراستها من الداخل تجعل فهم  ظاهرة الاتصال واستيعابها  بتجلياتها المختلفة ممكناً