تفصيل

  • الصفحات : 154 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-313-9.

يشكل البُعد الإيديولوجي ظاهرة ملحوظة في الممارسة النقدية بالجزائر في القرن العشرين، وخاصة في فترة السبعينيات، سواء عندما كان  النقد مجرد إرهاصات نشأت في أحضان الحركة الإصلاحية التي كان لها الفضل الأول في إحياء التراث العربي الإسلامي والنضال من أجل تأكيد  الهوية الوطنية وترسيخها،  والتي طالما عمل الاستعمار على طمسها وتشويهها.وكانت اللغة العربية محور صراع دائم بوصفها الركيزة الأساسية والمرآة التي تنعكس فيها صورة  الهوية .

ولكن النقد ظلَّ يراوح في دائرة الشعر والأجناس التقليدية الأخرى، لأنه عانى هو الآخر من قِصر التجربة ومحدودية الأدوات، وغالبا ما انصبت الأحكام النقدية لديْهم على أمور تتعلق بالعَروض والبلاغة والقضايا  اللغوية.

ومنذ الاستقلال انحازت الجزائر إلى  الاختيار الاشتراكي، وأخذ الفكر الماركسي يتسرب إلى العقول، مما أدى إلى ظهور كتابات في مختلف الأنواع الأدبية معبرة عن الواقع الجديد.حيث ترجَمَ فيه المبدعون بإنتاجاتهم المتباينة -وفي مقدمتهم الأدباء – تحولات  المجتمع الجديد.

وبما أنه أصبح للغة العربية مكانتها، وكثُر المدافعون عنها، وخاصة بالاستناد إلى الوثائق الرسمية للدولة، وتطور المنظومة التربوية وتعليم اللغة العربية، فقد نشط الإنتاج بالعربية في مختلف المجالات وكان منها المجال الأدبي شعرا ونثرا .

وفضل كثير من الكُتاب تجريب الرواية – وهي رغم حداثة نشأتها- نالت النصيب الأوْفر من الاهتمام والمتابعة، في حين عَزف معظم المهتمين بالأدب عن النقد.

وتأتي أهمية هذا الموضوع، أولا: من كوننا أمام حالة انتقلت فيها الحركة النقدية من اتجاه تقليدي. ظهر منذ ما قبل حر ب التحرير، إلى قفزة مختلفة تميزت بإعطاء الأولوية للمضمون في فترة محددة. وتأتي ثانيا من محاولة تتبع الأثر الإيديولوجي فيما ظهر من نقد أدبي.

وقد بدا لي أن أبحث الموضوع من زاوية أخرى، بما أن الدراسات السابقة لم تلتفت إليه أو عالجت نقد الرواية من منظور مختلف، ومنها على سبيل المثال : (الرواية العربية الجزائرية الحديثة بين الواقعية والالتزام ) لمحمد مصايف و(اتجاهات الرواية العربية) لواسيني الأعرج و(بنية الزمن في الخطاب الروائي) لمحمد بشير بويجرة.

فأما الميل إلى فن الرواية بالذات، وإلى البُعْد الأيديولوجي في نقدها، فيعود إلى جملة من المبررات منها:

أولا: رغبتي في الاطلاع على التحولات التي عرفتها بلادنا منذ الاستقلال وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي .

ثانيا: محاولة الوقوف على العلاقة بين الأدب والإيديولوجيا، وما يترتب على ذلك من آثار في الممارسة النقدية.

ثالثا: معرفة مدى إسهام الرواية في خلق ممارسة  نقديةجديدة  مادامت جنسا نال الشهرة أكثر من غيره واهتمت به المدارس النقدية المعاصرة..

رابعا: إن التصنيف الأيديولوجي للأعمال الأدبية – وإن كان يركز على المضمون على حساب الجوانب الفنية- إلا أنه لا يخلو من فائدة تتعلق بمعرفة الواقع في هذه الفترة مادام الخطاب الأدبي والنقدي يعكسان الخطاب السائد يومئذ.

خامسا: يشكل الأدب الجزائري ميداناً بكرًا، وحقلا خصبا ما زال يتطلب مزيدا من الدراسة والبحث.

سادسا وأخيرا: تمثل فترة السبعينيات محطَّة مهمَّة في تاريخ الأدب الجزائري ودراستها تسمح بمعرفة جانب أساسي من نهضتنا الأدبية، فهي فترة ساد فيها خطاب سياسي أيديولوجي محدّد وكانت له امتداداته في الأعمال الأدبية والنقدية.

وبحكم طبيعة الموضوع وما تقتضيه من جمع للمادة وترتيبها واستثمارها قبل الإخراج فإن أي بحث يتوخى الجدية، لابد أن تعترضه جملة من الصعوبات،لعل أهمها :

ـ ما يتطلبه الواقع السياسي والاجتماعي في الجزائر من جهد وعناء وأدوات تحليل، لفهْم التحولات التي عرفتها البلاد بعد الاستقلال.

غزارة المادة ذات التوجه الاشتراكي مما يفرض اطلاعا واسعا، وإمكانات فكرية تعين على الاستيعاب .

ومما ضاعف الصعوبة أن العلاقة بين الأدب والإيديولوجيا ظلت علاقة معقَّدة تستوْجب قدرات فلسفية لفَهْمِها من جهة، وتتطلب من جهة ثانية القدرة على التمييز بين الحدود الفاصلة والواصلة بينهما.

لم أكن متعودة على البحث المنهجي، فازدادت الصعوبة بمراجعة العمل مرات ومرات مستندة في ذلك  إلى نصائح أستاذي المشرف د.عز الدين المخزومي، ما جعل البحث يستغرق مدة طويلة، عادت علي بفائدة ثمينة.

وإنَّ المنهج المتبع في هذه الدراسة والذي أردتُه أن يكون وصفيا تحليليا أسعى من خلاله إلى طرح تصور جديد في مقاربة النصوص السردية، قسّمتها إلى ثلاثة فصول .

الفصل الأول: تعرضتُ فيه للوضع الثقافي العام، ومنه الوضع الأدبي، لأتبيَّن تطور خطوات النقد قبل الوصول إلى فترة السبعينيات التي ازدهر فيها الخطاب الإيديولوجي في الأدب والنقد.

الفصل الثاني: خُصص للناقد واسيني الأعرج لدراسة الخطاب الروائي وعلاقته بالأيديولوجيا الماركسية التي سيطرت في الفترة المذكورة، لأن واسيني كان من أبرز من يمثلون هذا الاتجاه وقد جمع بين الكتابة الإبداعية وممارسة النقد.

الفصل الثالث: تعرضت فيه للناقد مخلوف عامر الذي بدأ المحاولات النقدية منذ ذلك الوقت، ولعله الوحيد الذي استمر في الكتابة النقدية ولم يتحول إلى غيرها،كما هي

الحال مثلا: مع محمد ساري الذي بدأ بمحاولات نقدية جادة في كتابه (البحث عن النقد الجديد) قبل أن ينتقل إلى الكتابة الروائية .

وكان هَمِّي أن أتتبع التحوُّل الحاصل من الممارسة النقدية العاكسة إلى إمكانية الانتقال إلى توظيف الأدوات والمفاهيم التي أنتجتها المدارس النقدية المعاصرة، ممَّا سيتيح إمكانية الحديث عن ثراء الرواية من جهة، وعن فاعلية القراءة الحداثية من جهة أخرى.

 

ثم خَلُصْت في الخاتمة إلى إعطاء صورة عن واقع الممارسة النقدية في الجزائر وما تتطلبه غزارة الإنتاج اليوم من تشغيل المفاهيم المتبناة في منهج ما. ووضع النص الأدبي موضع تقويم موضوعي قدر الإمكان، أثناء عملية التمحيص.