تفصيل
- الصفحات : 125 صفحة،
- سنة الطباعة : 2024،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى ،
- ردمك : 978-9931-08-897-4.
تعتبر المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات الإقتصادية مفهوما حديثا ظهر في ممارسات بعض المؤسسات الإقتصادية ولقيت إهتماما كبيرا في الدراسات الإقتصادية من طرف الباحثين في مجال الإقتصاد والتسيير، كما عمل رجال القانون مؤخرا على إيجاد الأسس القانونية التي تقوم عليها هذه المسؤولية بما يسمح بتوفير حماية أكبر لمختلف الفئات التي يمكن أن تتأثر بممارسة المؤسسات الإقتصادية لنشاطاتها والتي غالبا ما تكون الطرف الضعيف في هذه المعادلة.
إذ تعد المؤسسة الاقتصادية مفهوما اقتصاديا بالدرجة الأولى حيث ظهر مفهوم المؤسسة الاقتصادية في علم الاقتصاد، بإعتبارها الفاعل الرئيسي في الحياة الاقتصادية والاقتصاديون ينظرون إليها من جانبين:[1]
القانونيون بدورهم اهتموا بمفهوم المؤسسة الاقتصادية خاصة مع مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، إذ أجمع فقهاء القانون الخاص على أن المؤسسة الاقتصادية وبصفة عامة تعتبر “وحدة نظامية تتكون من موارد بشرية ومادية ومالية، بهدف القيام بنشاطات الإنتاج وتقديم الخدمات”[2]، فالمؤسسة الاقتصادية أصبحت تمثل مفهوما أساسيا في قانون الأعمال. غير أنه لا يوجد تعريف تشريعي موحد للمؤسسة الاقتصادية على قلتها.
إلا أن رجال القانون وأثناء تنظيمهم لموضوع المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية اصطدموا بعدم توافر عنصر الإلزام في هذا النوع من المسؤولية باعتبارها تنشأ نتيجة لمبادرات طواعية للمؤسسات الاقتصادية من خلال إدراجها لبرامج مسئولة اجتماعيا ضمن إستراتيجياتها بصفة طواعية باعتبارها خيارا إستراتيجيا يرتب العديد من المزايا على هذه المؤسسات الملتزمة اجتماعيا، مما يقتضي إيجاد تأطير قانوني لها من خلال وضع أطر ومرجعيات تسترشد بها المؤسسات الاقتصادية في إدراج المسؤولية الاجتماعية ضمن إستراتيجياتها في إطار القانون المرن، هذا ما يسمح بتوحيد برامج المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية على المستوى الداخلي والدولي وبالتالي المساهمة وبشكل كبير في تحقيق التنمية المستدامة بمختلف أبعادها الاقتصادي، الاجتماعي والبيئي، والتي تعتبر الهدف الأساسي من وراء إلزام المؤسسات الاقتصادية بالمسؤولية الاجتماعية. وهذا ما يتجلى أساسا في الدستور باعتباره الدستور القانون الأساسي الذي يسمو على كافة القوانين.
ولقد كرّس المشرع الجزائري التوافق في المصالح بين مختلف أصحاب المصالح في التعديل الدستوري لسنة 2016 بموجب المادة الثالثة وأربعون (43) منه التي أقرت حرية الإستثمار والتجارة وألزمت الدولة بأن توفر مناخ أعمال مناسب وتشجع إزدهار المؤسسات الوطنية دون تمييز وفي المقابل تتكفل الدولة بضبط السوق وحماية المستهلكين ووضع الآليات القانونية لضمان منافسة حرة ونزيهة، وهذا يندرج ضمن السياق العام لسعي المشرع الدستوري إلى إبراز الدور المحوري للمؤسسات الاقتصادية في المجتمع ككل، ففي ديباجة الدستور ورد النص على ضرورة العمل على بناء إقتصاد منتج وتنافسي في إطار التنمية المستدامة، كما كرّس هذا الالتزام في المادة التاسعة عشر (19) منه. كما دعم التعديل الدستوري لسنة 2020 هذا المسار بموجب نص المادة الرابعة والستون (64) منه من خلال النص صراحة على “حق المواطن في بيئة سليمة في إطار التنمية المستدامة “.
فهذه الأهمية التي أولاها الدستور الجزائري إلى الدور الاجتماعي والاقتصادي للمؤسسات الاقتصادية تعود إلى ارتباطه بمستقبل الاقتصاد الوطني والمجتمع بمختلف مكوناته بما فيها المؤسسات الاقتصادية بهدف تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها الثلاث وهذا ما يضمن استقرار الدولة ككل.
فالتطرق إلى التأسيس الدستوري للمسؤولية الاجتماعية يقتضي منا تحديد الإطار المفاهيمي للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية في الفصل الأول، ثم دراسة تكريس المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية في الدساتير الجزائرية في الفصل الثاني من هذا الكتاب.
[1]. Jean Bernard Blaise, Droit des Affaires, Commerçants, Concurrence, Distribution, édition DELTA, Paris, 1999, p : 177, 178.
[2]. Jean Bernard Blaise, op.cit, p : 178. ” l’entreprise consiste en une organisation unitaire de moyens humains, matériels et financiers en vue d’une activité de production ou de prestation de services “.