تفصيل

  • الصفحات : 130 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2018،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-484-66-0.

يعتبر الروائي رشيد بوجدرة من الروائيين الجزائريين الذين يكتبون باللغتين العربية و الفرنسية، إن لم اقل انه الوحيد الذي استطاع أن يبدع فيهما، و قد عرفت رواياته شهرة كبيرة تعدت المجال الغربي الفرانكفوني إلى المجالات اللغوية الأخرى و هذا عن طريق ترجمات رواياته و نصوصه إلى اغلب اللغات الإنسانية المشهورة و قد انعكست ثقافته المزدوجة العربية الإسلامية و الغربية الأوروبية في رواياته و يظهر ذلك بصورة واضحة لا تحتاج إلى جهد كبير لاستخراجها فالنصوص أو الأجزاء أو الكلمات أو العبارات تظهر في ورايته بلغاتها الأصلية فيضطر تارة إلى ترجمتها و تارة أخرى إلى إبقاءها على صورتها و في لغتها الأصلي هذا التداخل اللغوي interférence linguistique  جعل من رواياته أصواتا متعددة و لهجات مختلفة تشبه حال الإنسانية “بعد بابل” فاللغات المختلفة تتجاوز في حدود النص و تتداخل لتؤكد على معنى معين أو في بعض الأحيان لتجاوزه . هذا التواجد للغات مختلفة داخل نص واحد كتب باللغة العربية، جعل من هذه الأخيرة إطارا لحوار اللغات و تفاعلها فتؤثر فيها فتبدو الجملة العربية ذات شكل مختلف عن القواعد التي فرضها علماء النحو و الصرف و تصير نقطة تتلاقى فيها التراكيب اللغوية المتباينة. كما تظهر روايات رشيد بوجدرة بعض النصوص التي تبدو أن لا علاقة لها مع أحداث الرواية،  لأنها بكل بساطة غريبة عن أجوائها و لا تمت لها بصلة، خاصة إذا أعيد توظيفها بلغاتها الأصلية ( أي الأجنبية ) و في هذه الحالة فان الروائي لا يكتفي بتوظيف كلمة أو جملة بسيطة النقد الأدبي بالتناص intertextualité و إذا كان النقد الأدبي قد تناول التناص، فان الترجمة كميدان للنشاط اللغوي قد تعاملت مع هذه المفهوم كقضية من قضايا الترجمة و ليس كقضية نقدية، و قد أثار هذه القضية لأول مرة عالم الترجمة، أنطوان برمان A.BERMAN الذي أكد أن التناص قضية تتعلق بالترجمة أكثر منها بالنقد الأدبي، و هذا ما فتح مجالا جديدا أمام الترجمة و وثق العلاقة بينها و بين الأدب بصفة عامة.

و النصوص الأجنبية الموجودة في رواية رشيد بوجدرة ” معركة الزقاق” سوف تساعدها على دراسة طريقة ترجمتها من طرف الكاتب و نحن لا نشك في كفاءته في هذا الميدان و لكنه يتعمد في بعض الأحيان ترجمتها بطريقة مخالفة لقواعد الترجمة و ذلك لأسباب فنية، و هذا يمكن أن يدفعنا إلى الملاحظة أن مستويات الترجمة عند الروائي رشيد بوجدرة متعددة و مختلفة و يهدف من وراء ذلك إلى جعل النص المأخوذ عن الغير مطابقا لسياق الأحداث و الخيط الرابط بينها و هو ما يسمى في علم الترجمة بمصطلح التطويع MODULATION . كما يعتمد الروائي ترجمة تقنية أخرى هي الاقتباس adaptation  و هذه الطريقة تسمح له بالتحرر من شكل النص الأصلي و تركيبه و في بعض الأحيان إنقاص بعض المعاني أو زيادة في المعنى و كل هذا بهدف إعطاء شكل مميز لروايته.

الترجمة الحرفية أيضا حاضرة في هذه الرواية ، فالكاتب يقدم جملا أو نصوصا أخذها عن المؤرخين أو العلماء من القديم ثم يقدم ترجمتها ترجمة حرفية، لان الترجمة الحرفية هي الطريقة الوحيدة للقيام بترجمة هذا النوع من النصوص التي غالبا ما تكون بعيدة من عصر المترجم و غريبة عن ثقافة القارئ ، هذا النوع من الترجمة يسمى بالترجمة الحرفية littérale traduction  . و الروائي رشيد بوجدرة لا يكتفي بالترجمة عن اللغات الأجنبية الفرنسية و اللاتينية و الاسبانية و الايطالية ولكنه يترجم حتى عن اللغة العربية و لهجاتها . ففي الرواية يقوم الكاتب بترجمة بعض النصوص عن البربرية التي هي لهجة من لهجات اللغة العربية فبعض ترجمات بعض الكلمات و بعض الأمثال و الحكم، و بعض المفردات و كل هذا لكي يقوى معنى الرواية و يجعله أكثر ارتباطا بالأحداث التي تحكيها الرواية . إضافة إلى ذلك ، فان الكاتب رشيد بوجدرة يقوم بترجمة بعض النصوص و الحكم و الأمثال عن اللهجة العربية، أي يترجمها من المستوى الشعبي إلى المستوى الفصيح أو الرسمي، كما انه يقوم بالتدليل على ذلك من خلال البحث في القاموس العربي و بالضبط في لسان العرب و كل ذلك لكي يجد علاقة قرابة بين هذين المستويين من اللغة:

المستوى الشعبي و المستوى الفصيح.

و هناك شكل أخر من أشكال الترجمة و هذا يتصل خاصة بالنصوص التاريخية القديمة لابن خلدون ابن الحكم و يتعمد تحريفها و تغييرها و هذا يطرح قضية الأمانة في الترجمة fidélité  و هذا التصريف هو في حد ذاته ترجمة، كما انه يقوم بقراءتها قراءة تختلف عن معناها أي انه يقوم بتأويلها interprétation  هناك ظاهرة أخرى نجدها في مناطق مختلفة من الرواية هي مفهومه للترجمة ، فالكاتب لا يكتفي بالتطبيق الترجمي على النصوص و الكلمات و الجمل و لكنه يعطي بعض الملاحظات الخاصة بفهمه لعملية الترجمة كالمفاهيم الكبرى مثل الأمانة fidélité و الترجمة الحرفية mot- à – mot  و الترجمة الحرة traduction libre و طريقة الترجمة méthodologie و في بعض الأحيان يقوم بعملية نقدية للترجمة critique هذه الملاحظات تبين لنا أن التناص لا يتعلق بالنقد الأدبي و يشكل ميدانا من ميادينه و لكنه يظهر انه أكثر ارتباطا بالترجمة و يمكن أن يكون موضوعا للبحث في العلاقة بين الترجمة و الآداب

و لكي ابحث هذه القضايا و علاقة الترجمة بالتناص في رواية رشيد بوجدرة” معركة الزقاق ” فإنني سأعتمد على المنهج اللغوي و دراسة الرواية دراسة لغوية حتى استطيع التعرف على أنواع العلاقات بين الكلمات و الجمل. هذا في المرحلة الأولى. أما في المرحلة الثانية فأنني سوف أقوم بتحليل هذه الظاهرة أي التناص لكي أبين التأثير المتبادل بين أنواع التناص و خاصة النصوص المكتوبة بلغات أجنبية و الترجمات إلى قدمها الكاتب، ثم اربط بعد ذلك بين هذه النصوص الأجنبية و النص الروائي الذي كتبه رشيد بوجدرة ذاته. و الهدف من هذا البحث هو التأكيد على العلاقة اللغوية بين الترجمة و اللغة من جهة و العلاقة بين النقد و الترجمة من جهة ثانية لأصل في الأخير إلى أن الترجمة هي قضية أدبي بالأساس.