تفصيل

  • الصفحات : 352 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2020،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-728-58-0.

وُجـدت الترجمة القانونـية مُنـذ القِـدم. فـتاريخها يعـود إلى ما قبل التأريخ الميلادي، وحاضرها يـشهد ازدهارًا كبـيرًا فـي ظل العولمة وما يـتمخّـض عنها مـن تـطورّ فـي التـّجارة العالمية وإقـبال على التكـتّلات السـياسـيّة والاقتصاديّة التي دفعت بعجلة هذا النّـشاط. أمّا مُستـقبلها، فيتـنـبّأ لها رجال الاختصاص بـغدٍ واعـدٍ وتحديات أكبر.
والترجمة القانونية، في أبسط تعريفاتها، هي ترجمة في القانون، تتمتع ببُعد تـــقـــنييعتمد على وسائلها المتخصّصة وآخر ثـقافي تعكسه مؤسّسات بشرية تختلف من بلد إلى آخر. وتــتجسّــــد سـمتها العلمية عن طـريق منهجها الصارم، أماطابعها الاجتماعي فيــتـجلّى في تكـيّفها المستمر وتطورّها الديناميكي. وهي أيضا ترجمة متخصصة تـسـتعمل لغة متخصّصة، ومع ذلك، فلا يُـنظر إليها كما يُنظر إلى غيرها من الترجمات المتخصصة، فهي أكثرها تعقيدا، بسبب طبيعة مجال القانون، ابتداء، ثم بسبب خصوصيات لغته المتخمة بالمفارقات والتي تشكل تحديا بالنسبة إلى كلّ من رجال القانون واللّسانيين والمترجمين في مجالات التـشريع والتحـرير القانوني وصناعة المعاجم القانونية والترجمة القانونية.ولعل ما يزيد من خصوصية الترجمة القانونية في الجزائر تحديدا وفي المغرب العربي عموما أنها تحيا في سياق خاص ومعقد في ظل مفارقات القضاء المعرب من جهة، والتشريع المزدوج اللغة بصدوره في لغتين عربية وفرنسية من جهة أخرى.
كل هذه الإشكالات والصعوبات جعلتنا نفكر في إصدار مؤلف جماعي محكّم، وهو العدد الأول من سلسلة “دراسات في الترجمة”، يشارك فيه أهل الاختصاص من أساتذة وطلبة من داخل الجزائروخارجها، قصد تسليط الضوء على العلاقة التي تجمع بين الترجمة والقانون من زوايا جديدة وبمنظور مختلف عما تناولته الأعمال السابقة، وذلك بمعية لجنة قراءة من خيرة الأساتذة الجزائريين والأجانب (السعودية، مصر، الأردن، قطر، فرنسا) حرصوا كلهم على انتقاء أفضل 14 ورقة بحثية شكلا ومضمونا، أربعة منها باللغة الأجنبية (فرنسية وانجليزية واسبانية).
ستكون البداية تاريخية بمقال للدكتورة إيمان بن محمد تحاول فيه رصد أهم المحطات التاريخية التي مرت بها الترجمة القانونية من خلال الكشف عن أولى النصوص القانونية المترجمة ورصد تطور منهجيتها من الحرفية التي تبناها الغرب في العصر الوسيطبحجة المحافظة على روح القانونمرورا بالمقاربة التأويلية ووصولا إلى مرحلة الترجمة التفاعلية (traduction interactive) والتحرير المزدوج (corédaction).
سوزان شارسيفيتش التي كتبت الكثير عن الترجمة القانونية حاضرة معنا في هذا الكتاب بقلم المترجم الدكتور عماد محنان من المعهد العالي للّغات التّطبيقيّة والإعلاميّة باجة بتونس الذي اختار مقالا لخصت في صاحبته المهاد النظري للترجمة القانونية استنادا إلى نظريات الترجمة الحديثة من وجهة نظر المتلقي وبالتركيز على تبيان كيفيّة تأثّر إستراتيجيّة التّرجمة بالعوامل التّواصليّة في عمليّة التّلقّي في الدّوائر القضائيّة ثنائيّة اللّغة ومتعدّدة اللّغات.
وفي حين تتناول الدكتورة إيمان بورايب موضوع الترجمة القانونية في بعديه الأكاديمي والمهني بالتركيز على الهوة الموجودة بين التكوين الجامعي ومتطلبات سوق العمل بالجزائر، آثرت الطالبة منيرة محمودي الحديث عن البعد التداولي، أي ترجمة أفعال الكلام في الخطاب القانوني، من خلال محاولة معالجة إشكالية نقل الشحنات الدلالية “الإنجازية” التي تحملها الألفاظ أو أفعال الكلام في هذا الخطاب.
وتقدم، من جهتها، الأستاذة نايلي لطيفة فريال قراءة في العوائق الابستمولوجية للترجمة القانونيةمن منطلق صعوبة فصل الممارسة عن التنظير والتفكير عن التطبيق. كما تناقش، بالاستدلال بأمثلة من قانون الأسرة الجزائري الذي يزخر بالعديد من المفاهيم الدينية والاجتماعية والحضارية، إشكالية نقل المترجم المتخصص لنصه نقلا تقنيا دون التفكير في المبادئ النظرية والابستمولوجية للترجمة القانونية.
الدكتورة هوارية شعال اختارتالبحث في نوع خاص من الترجمة القانونية وهو الترجمة في المحاكم من حيث ماهيتها وأشكالها وأدواتها وطريقة أدائها وصعوباتها، وتركز على نقطة نراها في غاية الأهمية تخص واقع مترجمي المحاكم في الجزائر الذين يواجهون إشكالات كبيرة بسبب عدم تحكمهم في أصول الترجمة الشفهية القانونية، داعية إلى إعادة النظر في قانون المترجم المحلف واستحداث منصب ترجمان قانوني ذي تكوين عال في الترجمة الشفهية.
وفي السياق ذاته، تتبع الأستاذة الدكتورة صليحة بن عيسى تطور مهنة الترجمان القانوني منذ أن كان ترجمانا عسكريا في القرن التاسع عشر إلى أن أصبح ترجمانا-مترجما رسميا في القرن الواحد والعشرين، تطور لم تجعله يقتصر فقط على التسمية، بل تجاوزت به أمورا أخرى مثيرة للاهتمام كشروط الالتحاق بالمهنة وصيغة القسم وقيمة الأتعاب…
ويتجلى موضوع ترجمة المصطلح القانوني في ثلاثة مقالات يتناوله كل واحد من زاوية مغايرة. إذ تتطرق الطالبة ميسون ضحى الإسلام حدادوة والدكتورة ياسمين قلو إلى إشكالية الترجمة المصطلحية لدى الطلبة من خلال دراسة ميدانية خلصت إلى أن أكثر من 57% من عينة البحث لم توفق في اختيار الترجمة السليمة للمصطلح القانوني من بين الخيارات المقترحة، وبأن أغلبية الطلبة أقروا بصعوبة فهم المصطلحات القانونية وترجمتها.
وفي حين يستعرض الطالب حمزة لوّطصعوبات ترجمة المصطلحات القانونية المستمدة من الفقه الإسلامي علىغرار الكفالة، ذوي الفروض، العاصب…محاولا مناقشة ونقد تقنيات ترجمتها إلى اللغة الفرنسية في قانون الأسرة الجزائري، راحت الدكتورة نوارة بوعياد والدكتورة نجمة زقرور يحمّلان المترجم مسؤولية الفوضى الاصطلاحية في مجال القانون سواء داخل الوطن أو خارجه وبالتالي صعوبة التواصل بين أهل الاختصاص.
المترجم القانوني سيكون مرة أخرى في دائرة الضوء عند الطالبة ليلى عابد التي تعدّد الصعوبات اللغويّة والإشكالات القانونيّة في ظل عولمة القانون وشمولية الاتفاقيات والمعاهدات التي تعقد بين الدول وتدعو إلى إثراء رصيده اللّغويّ والمعرفيّ ومجاراة التطوّرات التكنولوجية في مجال بنوك المصطلحات والمدونات الالكترونية.
وإن ارتأت الدكتورة مريم بلقدر استكشاف مدى قابلية ترجمة المفاهيم القانونية المستقلة بين اللغتين العربية والانجليزية بعد تقصي مفهومي “قابلية الترجمة و”تعذر الترجمة” في المجال القانوني تحديدا، اختارت من جهتها الأستاذة مختارية خزار محور الترجمة القانونية والعلوم المتصلة بها للحديث عن علم حديث النشأة يجمع بين اللسانيات والترجمة القانونية وهو اللسانيات القانونية حيث تسلط الضوء على ماهيته وتاريخه وخصوصياته وكذا فعاليته في هذا النوع من الترجمة.
ويختم الأستاذ عبد اللطيف الكتاب بمقال يعرض فيه إشكالية التكافؤ في الترجمة القانونية بين اللغتين العربية والاسبانية وما يصاحبها من اختلافات مصطلحية ومفاهيمية بالاستناد إلى قانون الأسرة المغربي أنموذجا.
وفي الأخير، نسأل اللهعزوجلأنيتمعلينانعمتهويديمعليناعلمهويكتبلناالنجاحوالتوفيقإلىكلمايحبهويرضيه، ونشكر كل من ساهم في هذا العدد، آملين أننا وفقنا في إعداده وأن يكون في مستوى تطلعات الباحث في مجال الترجمة والقانون.
د. إيمان بن محمد
الجزائر، 20. 7. 2019