تفصيل
- الصفحات : 151 صفحة،
- سنة الطباعة : 2024،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى ،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-900-1.
يرى رواد النقد المعاصر أن الخطاب/النص هو قول(ملفوظ أو مكتوب)صادر من متكلم/مبدع، موجه إلى مخاطَب(فرد أو مجموعة)، بقصد التأثير فيه(ذهنيا/أو سلوكيا)، وهذا القول ينبني أو يتأثر بالعلاقات الاجتماعية والثقافية والسياسية تماشيا والكائن الإنساني، باعتباره كائنا دينامكيا، متطورا دائما وأبدا، متجاوزا ذاته/أمكانته دوما، أو لنقل أنه كائن كينونة دينامية متحولة دوما، وأنه يمر خلال مسيرته السوسيو – ثقافية بمراحل متعددة ومتباينة جاعلة منه كائنا مكتملا، يكون بعدها قد اتسعت علاقاته الخاصة والعامة وتشعبت ثقافته وتطورت خبرته بمجاري الخطاب/النص وأنظمته.
تأسيسا على هذا الفهم نجد للخطاب/للنص تأثيرا اجتماعيا بينا، وذلك لكونه ليس مجرد قول، بل هو فعل غائي مرتبط أشد الارتباط بمرجعيته الثقافية الاجتماعية المتعددة المصادر والأنماط بل يعد الخطاب شبكة معقدة من العلاقات السوسيو-ثقافية التي تبرز فيها الكيفية التي ينتج فيها اللفظ كخطاب ينطوي على المشاعر والمخاطر في الوقت ذاته قاصدا من وراء ذلك الكشف عن الحركات الباطنية العميقة في الذات والمجتمع، ويبدو القارئ/المتلقي من خلال العملية في حالة تواصل ناجح بينه وبين الخطاب/النص وبفاعلية محكومة أيضا بالخطاب/النص بشكل تجعل منه موجود وجودا فعليا وبشكل دائم ومتواصل، ومن وجوده الفعلي هذا تنشأ ديناميته فعالة، وحين يمر القارئ/المتلقي بمنظورات متنوعة يعرضها الخطاب/النص، ويربط الآراء والنماذج المختلفة بعضها ببعض، تنتج عملية التأثير والتأثر ومنه يقوم بتحريك العمل وتحريك نفسه في الوقت ذاته، لا لسبب سوى أن القارئ/المتلقي هو استحالة بنائية فيما يتعلق بالتواصل الأدبي، مهدما العلاقة بين الدال والمدلول، واصفا للعلاقة بينه وبين الخطاب/ النص، علاقة تنم عن التجربة الإنسانية الصادرة عن التقاء المتلقي/ القارئ بالخطاب/النص، مؤدية إلى لا سبيل إلى إيجاد قراءة موضوعية بل قراءة وتلقي يخضع إلى المرجعية وإلى التجربة الإنسانية، يظل من خلالها الخطاب/النص يقبل تفسيرات متنوعة ومتعددة، تدخل ضمن مرحلة تدعى مرحلة تحرير الكلمة من قيدها وإطلاقها كما قيل لتصل إلى درجة الصفر..درجة اللامعنى، لتصل بعدها الكلمة درجة كل الاحتمالات الممكنة، وتصير قادرة على أن تعبر عن كل شيء وتتمثل وجودها حالة التقائها بمتلقيها.
وبما أن أي بحث يختار نصه، أو لنقل متنه الخاص، الذي يكون مناط المطارحة والدراسة، فقد قررنا أن نستقرئ التشكيل البصري في الخطاب الشعري الجزائري المعاصر باعتباره ميدانا خصبا للدراسة والبحث، لأهمية هذا البحث تأتي هذه الدراسة لتحلل الإشكال المفهومي، الذي يحمله كل من النص، والفضاء النصي، والقصيدة التشكيلية، في نظر الدارسين والنقاد، التشكيل النصي وعناصر التشكيل البصري، وهو اختيار ليس اعتباطيا، بل يجد مسوغاته في الأسئلة التي نروم الإجابة عنها خلال ضمن تلافيف البحث وأهمها: كيف نقرأ التصور المصطلحي لكل من الخطاب/النص، الفضاء النصي؟، والتشكيل البصري والوقوف على ماهية الإشكالية في مهدها الالتباسي أو في هويتها المشتبكة و الملتبسة، خصوصا في ماهية العناصر المشكلة للتشكيل البصري؟ وكيفية التعامل معها والتطبيق عليها ضمن الخطاب الشعري، والخطاب الشعري الجزائري بالخصوص؟ وكيف تعامل معها ووظفها الشاعر الجزائري المعاصر وماهي تمظهرات هذا الاشتغال الفضائي المترامية في الخطاب الشعري الجزائري المعاصر، وغيرها من الأسئلة التي فتحت لنا آفاقا رحبة للتطبيق عنها ضمن عناصر البحث، قصد طرح وتناول الإشكالية و إضاءة الموضوع ومتطلباته، وفق المنهج النصاني القائم على آليات الوصف والتّحليل ، مستندين إلى دراسات رامت رهانات التشكيل البصري في الخطاب الشعري العربي المعاصر وذلك لاعتبارات عدة مرتبطة بالقصيدة التشكيلية والعناصر المشكلة للتشكيل البصري.
تسايرا لذلك يعد الفضاء النصي في الخطاب الشعري الجزائري المعاصر تركيبا يتبين من خلاله طريقة التواصل، والوسيلة التعبيرية التي يستعين بها الشاعر الجزائري المعاصر لإيصال مضامينه و مقصديته، معتمدا في ذلك على تمظهرت و تشكلات متنوعة يخلق من خلالها الجمهور القارئ المتذوق الذي يصبح يدافع عنها، ويمدّها بالاستمرارية، والحضور المتواصل في المنابر الشعرية والنقدية، ويصبح بناء المعنى في الفضاء النصي للقصيدة الشعرية الجزائرية المعاصرة يستند على ثنائية(اللفظ / الشكل)، مما يقوّي الطاقة الدلالية ويكسبها كثافة وسمكاً، وهذا ما جعل منها قصيدة تشكيلية مرئية، فحدث التمازج بين اللغة والصورة واختلطت العلامات اللغوية بالعلامات غير اللغوية المتمثلة في الرسوم والأشكال والتي أصبحت من خلالها القراءة تذهب من الصورة إلى الخطاب/النص وتعود من الخطاب/النص إلى الصورة لإحداث التواصل، وأضحى الشعر الجزائري المعاصر في نمطه التعبيري الخطي الجديد ممزقا للألفة الخطية المعتادة محدثا خلخلة لما ألفه خيال القارئ/المتلقي من نمطية ثابتة سواء في الشعر العمودي القديم، أو الإحيائي، أو الشعر الحديث الكلاسيكي، منميا في متلقيه طريقة تذوّق الشاعرية الجمالية للشعر المعاصر دافعا بهم إلى تغيير طرائق تقبّل الشعر الجزائري المعاصر المبنى على عنصر المفاجأة.
استنادا لذلك يمكننا الحديث عن فضاء نصي أو فضاء صوري يبرز مع بروز القصيدة الشعرية الجزائرية المعاصرة ونقصد به الفضاء الذي تشغله الكتابة ذاتها ـ باعتبارها أحرفا غرافية ـ على جسد الورقة. والمتمثل في العتبات النصية والتي نذكر منها على سبيل المثال طريقة تصميم الغلاف، ووضع المطالع، وتنظيم الفصول واختيار المباحث وتشكيل العناوين، وغيرها من العلامات غير اللغوية الظاهرة على مساحة معينة من الخطاب/النص الشعري المكتوب، تحتويها عين المتلقي/القارئ بمجرد أن يباشر اتصاله بالخطاب الشعري في هيئته البصرية؛ التي لا تخرج على نطاق الأدلة اللغوية، معلنة عن الفضاء النصي الذي يسجل فيه الدال الخطي، كما أن هذا النوع من الفضاء لا يتطلب من المتلقي/القارئ موقعا محددا، ولا مشاركة جسدية، كما يستدعيها النوع الثاني الفضاء الصوري الذي يستدعي مرجعية في موقع المتلقي/القارئ وجسده، ومشاركة منه تؤشر عليها مدة التلقي البطيئة والمعرضة للمسح البصري السريع، وذلك من أجل تبين الأسطر المكونة للدال/للشكل، لا تبين المدلول. هذه الأشكال البصرية والتي منها مايرد بشكل مركب ومنها ماهو غير مركب، حسب اسطر الخطاب الشعري التي يتكون منها الشكل البصري والتي تتطلب من المتلقي/القارئ أن يستقبلها لا على كونها مجرد معطيات لغوية بصرية ممنوحة للقراءة بل هي معطيات تشكيلية تحتاج بدورها للتأمل، وبالأخص مع الخطاب الشعري الجزائري المعاصر الذي يعتمد العلامات الخطية اللغوية مادة للتشكيل.
أخذت القصيدة الشعرية الجزائرية المعاصرة شرعيتها ودلالتها من خلال علاماتها اللغوية وغير اللغوية، وكل ما تحويه بل وكل ما هو موجود ومكتوب فيها، باعتبار القصيدة صمت وصوت، سواد وسط البياض، وللرسم المرافق لها دلالاته و للتشكيلات الخطية والهندسية الذي جاءت فيها أهدافها ومقصديتها ولطريقة تقديم الخطاب الشعري على الورقة أهمية كبرى في تقريبه من المتلقي/القارئ وإعطاءه الصورة الحقيقية له، مما يؤكد القول أن القصيدة الشعرية الجزائرية المعاصرة، قصيدة تشكيلية تحوي فضاء نصيا متزاوجا ومندمجا اندماجا كليا مع الفضاء الصوري ، بحيث كل ما يعتبر عنصرا أساسيا في الفضاء النصي بحمله لدلالة لسانية، يتحول إلى عنصر في الفضاء الصوري بمجرد تخليه عن هذه الدلالة ويصير غير قابل للتعرف والقراءة، والعكس فالعنصر الذي هو أساسي في الفضاء الصوري، يتحول إلى عنصر أساسي في الفضاء النصي بمجرد أن يحمل دلالة لسانية ممنوحة للقراءة، وذلك لأن طريقة الكتابة والمتمثلة في طريقة إعداد الصفحة وفي نوع الخط ونبره، وتوزيع الأبيات الشعرية وحركة أسطرها وعلامات الترقيم ونسقها، ولعبة السواد والبياض على جسد الصفحة، تدفعنا إلى الحديث عن حضور الفضاء الصوري في الفضاء النصي وحضور الفضاء النصي في الفضاء الصوري وبين المكتوب والشفهي، يحضر الصوت متفاعلا مع الخط أي الرمزية الحروفية والفضاء ليدرج في نسقية الخطاب الشعري، فالفضاء الطباعي للصفحة دال من الدوال البانية سواء للفضاء النصي بمكوناته المذكورة آنفا، ومكونات الفضاء الصوري الممثل في تشكلات الكتابة بأشكال هندسية باعتبارها علامة بارزة يمكن من خلالها تمييز الفضاء الصوري عن الفضاء النصي.
يسهم كلا من الفضاء النصي والفضاء الصوري بدور كبير لا يقل أهمية في الرفع من أسهم العمل الإبداعي الشعري الجزائري المعاصر والسمو به فنيا و حداثيا جاعلا الخطاب الشعري الجزائري المعاصر ليس خطابا للقراءة والمتعة العمومية فحسب، بل هو مصدر معرفي و فكري أيضا ويلعب دوراً مهماً في تنشيط فاعلية القراءة والتأمل. وتداعيا للمفاهيم المدرجة يتحتم الإقرار مبدئيا أن كلا من الفضاء النصي، والفضاء الصوري في الخطاب الشعري الجزائري المعاصر، أضحى يلعب دورا مهما في تطويع اللغة وإيصالها إلى أقصى طاقات التعبير عن التجربة كما هي ماثلة في فكر الشاعر الجزائري المعاصر ورؤاه، وتحريرها من محدوديتها المعجمية منطلقا بها إلى آفاق التعبير الإبداعي المتسع اتساع النفس الإنسانية. واستمرار العلاقة الإبداعية للإنسان مع لغته التي يكون صانعا لها من خلال ما يضيفه إليها بديلا عن المتغيرات المنقرضة، كما أن اللغة صانعة له من خلال هيمنتها عليه بواسطة الثوابت الجوهرية و النوامس التي تتميز بها.