تفصيل

  • الصفحات : 161 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-289-7.

الحمد لله سبحانه بما له من المحامد على ما أسبغ من نعمه البوادي والعوائد، والصلاة والسّلام على سيّدنا محمّد، المرسل رحمة للعالمين وقدوة للعارفين، وعلى آله وأصحابه الطاهرين، وعلى سائر عباد الله الصّالحين، أمّا بعد:

فإنّي دارس -بمشيئة الله- في هذا الكتاب “التّصوير الفنّي للنّوق والخيل في شِعر المعلّقات”، ومستجلٍ منه بعض ما خفي، وواقف على مكامنه وما تيسّر من مظاهره، ذاك أنّ التصوير الفنّي شَكَّلَ أرضيةً خصبةً لكلّ من الشعراء الجاهليّين من أجل الخلق والإبداع، والنقّاد والدّارسين من أجل البحث باتّساع، وحتى المتلقّين العاديّين من غير الباحثين ممّن لديهم حاسّة ذوّاقة للشّعر العربيّ من أجل إمتاع النفس والأسماع، وكذا للّغة من أجل استثمار وتطبيق طاقاتها الصّوتيّة والمفرداتيّة والتركيبيّة والدّلاليّة وإثبات غِناها على كلّ هذه المستويات بكلّ كفاءة وإشباع، من ههنا حرص هذا البحث على تناول الصورة الفنّية من حين ولادتها إلى استقرارها بعد ذلك بين أسماع المتلقّين أوبين أقلام الناقدين، وعالج إشكاليّة توظيف الصّور الشّعريّة من قبل شعراء المعلّقات في وصف الحيوان بشكل عامّ والنّوق والخيل بشكل خاصّ وصفاً فنّيّاً جماليّاً، مُحيطاً بما يجب الإحاطة به حول التّصوير الفنّي والنماذج التي كانت محلّ تطبيق باعتبارها قصائد مُختارة من الشعر الجاهليّ، اختارها أهل المعرفة والبَصَر باللّغة وقدّموها على غيرها من القصائد.

إنّ الباحث في هذا الموضوع يجد فيه من المتعة ما يقف حائلاً بينه وبين الملل أو ما شابهه أثناء البحث، إذ يجد فيه وهو بصدد استكناه جماليّات الأدب واللّغة متعةً تسلّي وجدانه وتغذّي عقله وتستفزّ مَلَكَتَه التي يستطيع بها ابتداع الكلام وإبداء الرّأي، وهي متعةٌ أكسبته إيّاها اللغةُ الفصحى الرّاقية في ألفاظها وتراكيبها، وكذا طبيعة الموضوع؛ فهو موضوع شاسع قابل للتّأويل والاجتهاد من حيث التطبيق، ومهما بُحِث فيه لا يُحاط بكلّ جوانبه ويبقى دائماً يكشف عن خباياه، فيَصلُح أن يُسقَط عليه قول حافظ إبراهيم:

  أَنَا البَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُرُّ كَامِنٌ   فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي  

فعلا، هي صدفات ليس لعددها وجمالها حدود كما ليس للعقل والوجدان اللذان يُبْدِعانها حدود، فالصّور والمشاهد مطروحة في الواقع المحسوس يراها العجميّ والعربيّ، والبدويّ والقرويّ، والمدنيّ، وإنّما الشّأن في الانتباه لها والاهتمام والإحساس بها، وتوظيف طاقات اللّغة بعد ذلك في نقلها والتعبير عنها، وهو ما وُفِّق فيه شعراء المعلّقات عند تصويرهم للحيوان، لذا فدراسة موضوع كهذا تُسْهِم في إثراء علوم اللّغة والأدب، وفي وإحياء التّراث العربي الذي تحتاج كثير من قضاياه إلى إعادة قراءة للحدّ من التّسليم بتلك الصورة النمطيّة المتشكّلة لدى المهتمّين بالعربيّة.

اقتضَتْ ضرورة مراعاة عنوان البحث والالتزام بما جاء فيه وعدم الخروج عن محتواه تقسيمَ هذه الدّراسة إلى ثلاثة فصول، مع مقدّمة للبحث ككلّ.

درستُ في الفصل الأوّل من البحث أهمّ قضايا الشعر الجاهلي؛ فتحدّثت عن التحديد الزمنيّ للعصر الجاهليّ، وأوّليات الشعر الجاهلي، ثمّ سماته من خلال موضوعاته وألفاظه ومعانيه، وبعدها انتقلت إلى المعلّقات، فتكلّمت عن تسميتها وعددها وأصحابها، وختمت هذا الفصل بالحديث عن القضيّة التي أسالت الكثير من الحبر، وهي قضية الانتحال والوضع.

بينما عالجتُ في الفصل الثاني حدّ التصوير الفنّي وحدوده؛ فعرضت مفهوم التصوير الفنّي لغة واصطلاحاً عند العرب القدامى وعند المحدثين والمعاصرين، ووقفتُ على أهمّية الصورة الفنّيّة ووظائفها، كما تطرّقتُ إلى مصادر الصورة الفنّية ووسائل التصوير الفنّي.

أمّا الفصل الثالث فخصّصته لدراسة مظاهر التصوير الفنّي للنّوق والخيل في شعر المعلّقات دراسة تطبيقيّة؛ فبدأته بتمهيد قصير أبرزت فيه أهمّية الحيوان بالنسبة للإنسان الجاهليّ، ثمّ عرضت صور الناقة في المعلّقات وبعدها صور الخيل، وكنت في كلّ مرّة أذكر الأبيات ثمّ أشرحها وأحلّلها، وقد اقتصرت في التطبيق على هذين الحيوانين فقط باعتبارهما الأكثر تصويرا.

اقتضت هذه الدّراسة في جزء منها اتّباع منهج البحث التاريخيّ، وفي الجزء الأكبر منها اتّباع منهج البحث الوصفي بأسلوبَيه دراسة الحالة وتحليل المحتوى، وتظافرُ هذين المنهجين فرضتهما طبيعة الموضوع؛ ذاك أنّ الفصل الأول من هذا البحث تناول بعض قضايا الشعر الجاهليّ التي تُعتبر من الماضي كأوّلياته مثلاً أو قضيّة صحّة تعليق المعلّقات من عدمها، فهي أمور لا يمكن الوقوف عليها مباشرة، بل يُكتفى بالاطّلاعِ على ما جاء حولها في آثار القدامى ومدوّناتهم والدراسات التاريخية السّابقة، وبمحاولةِ إخضاع تلك البيانات للنّقد والتمحيص، بينما تناول الفصل الثّاني الجانب النظريّ للتّصوير الفنّي، واختصّ الفصل الثالث بالجانب التطبيقيّ له فيما تعلّق بتصوير النّوق والخيل في شعر المعلّقات، وهذا ما يعني القيام برصدٍ ومتابعةٍ دقيقة لظاهرة التصوير الفنّي في هذا الأخير وتحليلها ووصفها وصفا منظّما من أجل التعرّف عليها من حيث المحتوى والمضمون والوصول إلى نتائج تساعد في فهمها.

د. عبد الله مخطاري

09-06-2021

الشلف – الجزائر