تفصيل

  • الصفحات : 241 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-527-0.

لم تنل الدراسات التاريخية المهتمة بالجانب الحضاري للأمم والشعوب حظّها الأوفر من البحوث العلمية مقارنةً بما نالته نظيرتها المهتمة بالشقّ السياسي، ذلك أنّ اهتمام كثير من المؤرخين المتقدمين وبعض الباحثين المعاصرين اقتصر على أصحاب العروش والتيجان، بينما غُيِّبت شرائح المجتمع الأخرى من العلماء والعامة، ولكنّ هذه المعادلة بدأت تتغيّر نتيجة تطور حقول المعرفة التاريخية، واتساع مجالات البحوث والدراسات الأكاديمية، وذلك باعتماد الباحثين على المصادر المخطوطة المتنوعة المواضيع كالفقه والأحكام والنوازل وفهارس الشيوخ، واستنباط رؤية تاريخية من خلال مواضيعها، تُبلوَر في دراسة علمية لجانب من جوانب التاريخ الحضاري.

والباحث في تاريخ العلم والعلوم كجزء هام من التاريخ الحضاري، يدرك أهمية المصادر المحلية في دراسة منطقة بعينها، ذلك أنّ المصادر المحلية لأيّة منطقة هي لسانُ حالها الذي يُترجم أوضاعها المختلفة.

انطلاقا من تلك المعطيات أضع بين يدي القارئ الكريم هذا الكتاب الذي يهدف للتعريف بواقع الحياة العلمية بتوات خلال الفترة الحديثة، اعتمادا على ما تضمّنته المصادر المحلية المخطوطة من دلالات وإشارات ثقافية، وعلى ما رصدته من جهود علمية، دون إغفالٍ لطبيعة المنطقة الجغرافية، وإسهاماتها وعلاقاتها بامتداداتها الجغرافية ومجالها السياسي وبُعدِها الحضاري، كل ذلك بغرض إثراء وتنويع الكتابات التاريخية حول توات، وإبراز دور الدراسات المحلية باعتبارها رافدا من روافد المعرفة وَلبِنة في صرح التاريخ الوطني والمغاربي.

ويروم الكتاب أيضا، الخروج بذاكرة الجنوب الجزائري من دائرة النسيان، ورفوف الخزائن التقليدية عن طريق تسليط الضوء على أعلام الثقافة والمعرفة بالمنطقة بأقاليمها الثلاثة: توات، قورارة وتيدِكّلت، عبر القرون الثلاث التي تشملها الفترة الحديثة بداية من القرن السادس عشر الميلادي وانتهاء بالقرن الثامن عشر الميلادي، مع مراعاة ما قد تقتضيه طبيعة الدراسة من إلقاء الضوء بين الفينة والأخرى على ما يسبق  أو يلي ذلك الزمن بقليل.

ولا يمكن بحال من الأحوال عزل هذا المعطى الزماني “الفترة الحديثة” عن امتداداتها في الحواضر العلمية المنتشرة في أرجاء شمال بلاد المغرب وجنوب صحرائها، كتلمسان وفاس وسجلماسة وتونس والقيروان وطرابلس وبجاية والجزائر وقسنطينة وتمبكتو وغيرها، ولا عن إسقاطاتها المكانية، بحكم وقوع المنطقة في مفترق تقاطع طريقين حضاريين، هما طريق القوافل التجارية عمودا، وطريق ركاب الحُجّاج أُفقا.

ولتحقيق المبتغى من هذا الكتاب، استندتُ إلى دراساتِ مَن كان لهم فضل السبق، واستفدتُ من جوَلاتٍ ميدانية إلى أهم الخزائن والزوايا والمراكز التي تحوي تراث المنطقة داخل الوطن وخارجه، وكذا من الحملة الثقافية الناشئة التي تستهدف إعادة بعْث تراث الجنوب الجزائري الثقافي والفكري بشتّى صنوفه، فتلقّفتُ ما أمكنَ الوصول إليه من مصادر مخطوطة كانت أو مطبوعة، من أجل استنطاق ما ورد فيها وتمحيص الاستنتاجات الثقافية، معتمدا في كل ذلك منهجيةً تقوم أساساً على استعراض المادة التاريخية للمصادر المحلية، وتعضيدها بالمصادر الأخرى عربية كانت أو أجنبية، ونظرا لطبيعة الدراسات الثقافية وخصوصياتها، فقد اعتمدتُ المنهجَ التاريخي عبر بعض آلياته المرتبطة به أساسا، آثرتُ فيها تغليب آلية النقد المعتمد على الجانب التحليلي، وآلية الاستقراء القائم على رصد وتتبّع الأحداث، بينما وردت آليَتي المقارنة والمقاربة بصفة أقل من سابقيهما.

وإنني لآمل أن أكون قد وفّيتُ الدراسة حقّها، أو أحطتُ – على الأقل- بجانب من مستلزماتها، وأن أكون قد وُفقت شيئا ما في المساهمة في إثراء وتعميق معرفتنا بثقافة بفترة هامة من تاريخنا، اختزلتْ مجموعة من الإشكالات والظواهر والممارسات الثقافية والاجتماعية والتي لازال عدد منها فاعلا وماثلا للعيان في المشهد الجزائري في وقتنا الحاضر. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

أدرار يوم: 04 رمضان 1443هـ

05 أبريل 2022م