تفصيل

  • الصفحات : 424 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2020،
  • الغلاف : مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-728-89-4.

تعتبر الحقوق الاقتصادية محورا هامًا من محاور حقوق الإنسان، التي نصت عليها المواثيق والإعلانات الدولية لتكميل الحقوق المدنية والسياسية، وتحقيق الجوانب المادية الضرورية لصون الكرامة الإنسانية. وتندرج ضمن ما يسمى بالجيل الثاني من أجيال حقوق الإنسان.

ترتبط هذه الحقوق بمختلف الأنشطة الاقتصادية والتبادلات التجارية، التي يقوم بها الأفراد  لإشباع احتياجاتهم، بداية من الاستهلاك والإنتاج إلى التوزيع والتبادل، وما ينشأ عنها من ظواهر وعلاقات مختلفة، وهي نابعة من حاجة الإنسان الملحَّة للعمل والإنتاج والاستثمار والملكية الخاصة والتمتع بالثروات والموارد الطبيعية. ويمكن تعريفها أنَّها تلك الحقوق المتصلة بتنظيم النشاطات البشرية  الرامية لتلبية الاحتياجات الإنسانية بهدف الوصول إلى مستوى عيش كريم، وذلك من خلال التوظيف الكامل للموارد البشرية والطبيعية، وتحقيق العدالة في توزيع الثروات والدخل بما يحقق لهم الحياة الكريمة.

فهي إذن، ركيزة أساسية لبناء نظام اقتصادي يحقق الاكتفاء الذاتي ويقضي على الفقر والحرمان والبطالة ويحرر حركة رؤوس الأموال ويضمن حرية التجارة والصناعة،  ويوفر الحاجيات الأساسية ويمنع الاحتكار والمنافسة غير المشروعة ويحترم حقوق العمال ويحمي الملكية الخاصة. وهو ما لا يتحقق إلا بوجود مجموعة من الآليات التي تضمن التمتع بالحقوق الاقتصادية، كتحسين مناخ الاستثمار لما له من أثر ايجابي في دفع عجلة التنمية وتحسين حياة الناس، وضمان العدالة وتكافؤ الفرص والتركيز على المشاريع الصغيرة كدعامة أساسية لبرامج التنمية، وترقية شبكة التأمين الاجتماعي، وتطوير وإصلاح المنظومة القانونية من أجل مكافحة الفساد ومنع الاحتكار.

أما التنمية المستدامة، فهي توجه تنموي جديد يندرج ضمن الجيل الثالث لحقوق الإنسان، الذي يقوم على الحق في التنمية وفي بيئة سليمة صالحة للحياة. ويرتكز على ترشيد الموارد الطبيعية واستخدامها بعقلانية؛ بما يحقق الاستفادة منها في للأجيال الحالية والمستقبلية.

بهذا المفهوم، فالتنمية المستدامة أشمل من الحقوق الاقتصادية، باعتبارها تتضمن أبعادا بيئية واقتصادية وتكنولوجية واجتماعية، وتركز في الوقت ذاته على محاربة الفقر والبطالة، وتعزيز المشاركة السياسية وحرية الرأي، والرفع من شأن المرأة سياسيًا واقتصاديًا؛ ممَّا يجعل التنمية المستدامة مقاربة شاملة لجوانب عديدة من الحياة، وبالفعل فإنَّ التنمية المستدامة وكما تصورها مؤتمر ستوكهولم للبيئة عام 1972، وإعلان قمة الأرض في ريودي جينيرو عام1992، هي رؤية شاملة للتصرف الأمثل في الاقتصاد والتكنولوجيا والإدارة والعقلانية في السياسة بشكل عام، بما يخدم رفاه الأجيال الحاضرة دون القضاء على حق الأجيال المقبلة في الرفاه والعيش الكريم.

ومن هذا المنظور، وإذا انطلقنا من أنّ الحقوق الاقتصادية، تتعلق أساسا بحقوق محدودة، مثل الحق في العمل والأجر والضمان الاجتماعي والملكية الخاصة، فإنَّ هذه الحقوق، تبقى أضيق نطاقا من التنمية المستدامة التي تمتد أفقيا على نحو عريض.

لكن، رغم تعدد أبعاد ومضامين التنمية المستدامة، فإنَّ الحقوق الاقتصادية، تبقى أكثر رسوخا منها، بحكم أنَّها محل تنصيص في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( المواد22-27)، وتم التأكيد عليها مرة أخرى، وبشكل اتفاقي، في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بينما لا يزال الحق في التنمية المستدامة مطبوعا بالافتراض والنظرية، نظرا لطغيان الطابع الأخلاقي عليه، إذ أننا نرى بعض الدول المتقدمة، تسارع في الانسحاب من الاتفاقات المعلقة بحماية البيئة والمناخ، ممَّا يعني أنَّ الحق في التنمية المستدامة المرتكز على حماية البيئة من الانهيار، لم يصل على المستوى الدولي إلى مرحلة الرسوخ التي وصلت إليها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رغم أنّ العديد من الدول، نصت على هذا الحق في دساتيرها، وسنت تشريعات لحماية البيئة والتنمية المستدامة.

ومهما كانت درجة التفاوت بين الحقوق الاقتصادية والتنمية المستدامة، كحقين من حقوق الإنسان، فإنّ العلاقة بينهما تكاملية، وهي تشبه في هذا المستوى، التكامل بين الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي استدعى التنصيص عليهما معا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. حيث أنّ التنمية المستدامة مكملة للحقوق الاقتصادية، وهي شرطا ضروريا لاستمرارية وتعزيز توفيرها للأفراد؛ فبدون تنمية مستدامة قد لا تتمكن الدول من تأمين التعليم والعمل والأجر والضمان الاجتماعي التي تعتبر خدمات أساسية تتطلب تدخلا إيجابيا من طرفها لتـأمينها، وهو ما لا يمكن أن يتحقق بشكل مستمر إلا في ظل تنمية مستدامة تراعي الاستخدام الأمثل للموارد.

انطلاقا من كون الحقوق الاقتصادية من الحقوق الإنسانية، التي يتوجب على الدول كفالتها للأفراد بصورة مستمرة ومعززة في ظل المساواة واحترام البيئة واستغلال مواردها على نحو مستديم، وهو ما لا يمكن تصوره إلا في ظل التنمية المستدامة؛ جاء هذا المصنف الجماعي الموسوم ب:” الحقوق الاقتصادية في إطار تحقيق التنمية المستدامة” للتعريف بهذه الحقوق وتوضيح الآليات القانونية المقررة لحمايتها والمحافظة على استمراريتها في إطار مبادئ التنمية المستدامة؛ لدفع عجلة الاقتصاد وتحقيق الرفاهية والازدهار.

 

الدكتورة أيت تفاتي حفيظة

كلية الحقوق والعلوم السياسية

جامعة مولود معمري، تيزي وزو