تفصيل

  • الصفحات : 138 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-691-65-5.

“تعتبر وسائل الإعلام من صحف، كتب، مسرح، سينما، إذاعة، تلفزيون ووكالات الأنباء من بين أهم أدوات التأثير، الإعلام، التوجيه،التثقيف والتعليم في الوقت الحاضر” بالإضافة إلى الإعلام الرقمي وما استحدثه من أنواع جديدةللممارسة الإعلامية:مواقع التواصل الاجتماعي، المدوّنات، الصحافة الالكترونية، فضاءات الدردشة  وغيرها …..

ونخصّص هنا الحديث عن التلفزيون الذي يعتبر وسيلة إعلامية لها مفعول يتخطى تأثيره الفرد ليصل إلىالمجتمع بأكمله خاصة في ظل التقدم التقني. والتغيرات التي أحدثتها الثورة التكنولوجية في قطاع الاتصالاتالتي ألقت بظلالها على المشهد الإعلامي والمتمثلة خاصة في الأقمار الصناعية. التي جعلت أمر انتقال إشارات البث التلفزيوني أسهل، أسرع وأوسع وجعل التلفزيون بقنواته الفضائية الوسيلة الأكثر انتشاراوتفضيلا”، بالنظر إلى عوامل الجذب التي يتوفر عليها. ما أتاح لأغلبية الجماهير متابعة البرامج عبر شاشات التلفزيون بكل أريحية وسهولة في ظل الازدياد الكبير للمحطات التلفزيونية.

وقد أنهى البث الفضائي احتكار الحكومات على القطاع السمعي البصري من جهة وأتاح إمكانية الخيار والمقارنة بين البث العمومي والبث الوافد من الخارج من جهة أخرى ومكّن الجمهور من الانفتاح على العالم.كما دعّم حرية الاختيار من خلال التنوع في المشهد الإعلامي، ویذكر التقریر السنوي لاتحاد إذاعات الدول العربیة لعام 2012-2013 المتعلق بالبث
الفضائي العربي، أن عدد الفضائیات الإخباریة التي یستقبل بثها المشاهدون العرب، بلغ 66
قناة فضائیة إخباریة.

ففي سنة2011شهد قطاع السمعي البصري في الوطن العربي ميلاد 1069قناة بينها 109 حكومية و960خاصة متعددةاللغات ومتنوعة التخصص، ليصل عدد القنوات سنة 2012 إلى31500قناة تلفزيونية في العالم، “ما يجعل المشاهد الذي يفهم اللغة العربية مهدّدا بتخمة من الفضائيات التي تنبت كل يوم كالفقاقيع”.

ويرجع الانفجار الكبير في المحطات الفضائية إلى فترة انتهاء الحرب العالمية الثانية صيف 1948 حيث بلغ عدد محطات الإرسال التلفزيونية 41 محطة واليوم يتجاوز عدد القنوات الفضائية الخمسة آلافقناة، منها 3212 قناة غير مشفرة،و4900 قناة HD.وفي الوطن العربي برزقمرين للبث الفضائي على غرار “عربسات ” الذي يعد تاسع أكبر مشغّل للأقمار الصناعية في العالم والمزود الأول لخدمة الاتصالات في العالم العربيحيث يصل بثّه إلى أكثر من 100 دولة في الشرق الأوسط، إفريقيا وأوروبا وتبث من خلاله 400 قناة حرة ومشفّرة. يليه القمر الصناعي “نايل سات” الذي أنشأ بموجب اتفاقية بين مصر وشركة فرنسية. ما عزز دور الإعلام الذي عرفه تقرير لليونسكوبأنّه:”جمع وتخزين ومعالجة ونشر الأنباء والبيانات والصور والحقائق والرسائل والآراء والتعليقات المطلوبة، من أجل فهم الظروف الشخصية، البيئية، القومية والدولية، والتصرف تجاهها عن علم ومعرفة، والوصول إلى وضع يمكّن من اتخاذ القرارات السليمة”، والتّي تنقل على نطاق واسع إلى الجمهور المتلقي في صورة حقائق ومواقف، ما عزّز بدوره مفهوم القبيلة الكونية كما أطلق عليها مارشال ماكلوهان القرية العالمية*. وذلك من خلال الأقمار الصناعية التي ساهمت في نقل الأنباء والصور عبر القارات وبطريقة فورية، من خلال الاعتماد على النص الملفوظ أو التخاطب الذي ارتبط منذ البداية بظهور التجمعات البشرية. “كما استخدمت الإشارات كآلية للتفاعل الإنساني وما لبثت أن تطورت إلى استخدام اللغة” من خلال “الإبلاغ بواسطة الجمل التي يشكل مجموعها الخطاب”.

وسرعان ما تحولت المعرفة التي كانت مرتكزة على السمع وثقافة الأذن بفضل التكنولوجيات التي أضافت على العنصرين السابقين ما يكملهما ويزيد من غناهما ألا وهي الصورة وثقافة العين، وذلك قصد تحقيق أهداف وغايات مختلفة سياسية، اقتصادية وغيرها. بل تعدّت ذلك لتصبح “سلاحا استراتيجيا يتحكمفي مصير وموازين العالم في عصر العولمة التي “جعلتمن الإنسان كائنا تقنياتواصليا إعلامي”حاجتهإلى الإعلام أمر ملح للتعبير عن مكنوناته والتواصل مع المحيطين به وفهم خطاباتهم.

وقد عرف الخطاب الإعلامي تطورا نوعيا، حيث وفّرت الطباعة، التصوير والنسخ الأسباب لانتشار الخطاب المطبوع، والمصور بظهور الصحون اللاقطة أو الساتل حيث ساهمت كلّها في توفر عدة خيارات للمتلقي وجعلته أكثر انفتاحا واختيارا لمصدر معلوماته فيما تعلق بالأحداث الداخلية والخارجية. “فوسائل الإعلاموالفضائيات تميل إلىتركيز اهتمامها حول قضايا أو أحداث معينة عبر برامجها لتصبح صانعة للأفكار وموجهة للآراء”إذ تبحث عن إرضاء جماهيرها من خلال مراعاة أولويات هذه الجماهير، وأصبح بذلك “الخطاب الإعلامي والإخباري صناعة ثقافية”.

كما وفّرت القنوات الفضائية فرصة التعرف على الأخبار‏ والأحداث العالمية لحظة وقوعها، ‏والتعايش مع الحدث والخبرمباشرة بالصوت والحركة والصورة، والتعرف على ثقافات المجتمعات ‏والتفاعل الثقافي معها. حيث عبرّ عن هذا “نيكولاس تيسلا”Nicolas Tesla في مقابلة مع مجلةCollierفي عام 1926: “عندما تعم تطبيقات الاتصالات اللاسلكية سيتحول العالم إلى عقل ضخم، والذي هو كذلك في الواقع، حيث تنتظم الأجزاء الصغيرة في كل متناغم. فسنتمكن من التواصل الفوري مع بعضنا البعض، بغض النظر عن المسافات الجغرافية التي تفصل بيننا. وليس هذا فقط حيث سنشاهد ونستمع لبعضنا البعض من خلال التلفاز والهاتف تمامًا كما لو كنا وجهًا لوجه، بغض النظر عن المسافات التي تفصل بيننا والتي قد تصل إلى آلاف الأميال، وستكون الآلات التي نستخدمها لهذا الغرض بسيطة جدًا مقارنة بأجهزة الهاتف الموجود في الوقت الراهن. فسيكون الرجل قادرًا على حمل جهاز في جيبه”.

وبالتالي أصبحت العديد من القنوات _من بينها نجد قناة فرانس24_تتنافس فيما بينها لتقديم المعلومة لجمهورها، خلق الحميميةوالوفاء والبحث عن إرضاء جماهيرها. “ولقد استطاعت القناة الناطقة بالفرنسية في وقت وجيز “7سنوات” إثبات حضورها بين الشبكات الإخبارية سواء على الهواء أوعلى الانترنت”.لتصبح من بين القنوات الإخبارية الأولى في العديد من بلدان إفريقيا الفرانكفونية.وما فتئت فرانس 24 الإنجليزية أن انطلقت حتى أصبح ربع المنازل الهندية يستقبل بثها،”أما فرانس 24 الناطقة بالعربية أخذت تثبت حضورها أكثر فأكثر أمام غيرها من القنوات الناطقة بالعربية ولاسيما في البلدان المغاربية”.

وتتخذ هذه القناة شعارLIBERTE, EGALITE ET ACTUALITE  “حرية، مساواة وأخبار”، ولتأكيده وفق إيديولوجيتها تحرص على الاهتمام بسياق مجريات الأحداث وعلى إطالة فترات بث فقراتهاوبرامجها لتسليط الضوء أكثر على الحدث وتسعى لتكون مرجعا وتنال أكبر قدر من الشهرة والتقدير في عصر تسود فيه “تخمة الأخبار”.

وتعدعملية البحث عن مواصفات الخطاب الإعلامي والكشف عن خلفياته أمر يكشف عن الأداء والإيديولوجية الخاصة بالقناة والإعلامي على حد سواء، فضلا عن إمكانية تحديد القيّم والإيديولوجيات التي تسعى لنشرها أو خدمتها. حيث يتأثّر الخطاب الإعلامي  بالمجتمع الذي ينتمي إليه وبما يحمله من قيّم، أفكار واتجاهات تساهم جميعها في تحديد شكله ومضمونه حتّى وصوله للجماهير وذلك حسب نظرية مارشال ماكلوهانوهارولد لاسويل.وهو ما يجعلنا نستنتج أن وظيفة وسائل الإعلام تتجاوز مجرد نشر الثقافة السائدة في المجتمع إلى إعادة إنتاجها وتوليدها مرة أخرى من خلال عملية انتقاء المواضيع والمصطلحات المعبّرة وطبيعة المعالجة واختيار الضيوف حيث تسهم كلها في تحديد درجة الاهتمام الذي توليه القناة للحدث أو الموضوع المثار وإلى الجمهور الموجه له الخطاب.حيث تسهم إما في تأكيد ما هو سائد أو استبقاء الاتجاه والقوى المسيطرة أو تغيير فكرة ما أو تحويرها، “وهوما يجعل المشاهدفي ظل التقدم الهائل في وسائل الإعلام خاصة المرئية منها يضع المحطات التلفزيونية في مقدمة المصادر التي يتلقى منها معلوماته”.

في المقابل هناك اختلافات في تحديد مفهوم الخطاب الإعلامي ويتّفق على أنّه “مظهر من مظاهر عصر ما بعد البنيوية أو ما بعد الحداثة”، ويرتبط الخطاب الإعلامي بلحظة إنتاجه وينتج من طرف اللغة الشفوية عكس النص، ويبحث في بناء ووظيفة اللغة ويركز على العلاقة الارتباطية بين اللغة والمجتمع من خلال البنيتين: “الأولى تركيبية ملفوظة والتي تتشكل من دال ومدلول، وبنية إخبارية بلاغية تمثل محتوى الرسالة وهما عنصران متداخلان”

والأكيد أنّ لغة الإذاعة والتلفزيون تتفاوت فيما بينها من حيث المستوى اللغوي والمستوى الثقافي، عن لغة الصحافة المكتوبة، فلغة التلفزيون تنتمي إلى اللغة المنطوقة التي تدعمها الصورة التلفزيونية، التي تطغى أحيانا على الكلمة، سيّما وأن المشاهد يميل إلى تصديق الصورة أكثر مما يثق في الكلمة. حيث عبّر عن ذلك “مارشال ماكلوهان” في حديثه عن الأهمية التي تكتسبها وسائل الإعلام كامتداد لحواس الإنسان وأكّد على أنّ المهم يكمن في كيف نرى، نسمع أو نلمس؟ “فالوسيلة هي الرسالة من منطلقه” وتقوم لغة التلفزيون على غرار الإذاعة على “استخدام الجمل القصيرة التي تؤدي رسالتها مباشرة، مع تجنب التكرار والمعاني المتشعبة التي تشتت ذهن المستمع”.

وللخطاب الإعلامي “جمهور محدد يوجه إليه وهدف معين من ورائه، ولا يقتصر على اللغة الشفوية فقط بل إلى جانبها يشمل على الصور المرئية، الفوتوغرافية، الأفلام، الفيديو، الرسوم البيانية والاتصال غير اللفظي”حيث يصف الخطاب الإعلامي ويفسر الواقعة أو الحدث من خلال تبيان أسباب ونتائج الحدث بل ويصل إلى الوظيفة النقدية من خلال عرض الخطيب لوجهة نظره عن الواقعة.حيث يرى الباحثون في المجال أنّ التلفزيون يتميّز بخاصية “الإيجاز”، ويدعم فن الإلقاء مدلولات اللغة المنطوقة إلى جانب الصورة، التي تعمل على تدعيم الرسالة الإعلامية. ولهذا “تتطلب الكتابة للتلفزيون البساطة، الوضوح، الصدق والألفة لاتجاهه لفئات متباينة الطباع والمستويات والاتجاهات”.

ويبحث الخطاب في العلاقة بين المعنى والبنية الاجتماعية، حيث اعتمد بعض الباحثين على ما يسمى بنظرية السيّاق الاتصالي التي تحدد النص من خلال وظيفة معينة، إذ ينظر إليه “كمجموعة من الرموز اللغوية المعبّرة، وإنّ وظيفتها إنّما هي الاتّصال الاجتماعي”. فالخطاب ليس اللغة وليس النص، هذا الأخير الذي يشبهه في البحث عن بناء ووظيفة وحدات اللغة الكبرى، في المقابل توجداختلافات عميقة بينه وبين الخطابعلى مستوى المفاهيم، المناهج والوظائف إضافةإلى أنّ الخطاب “متحركومتغيّر وله جمهور وهدف معين ويتشكّل منمجموعة منالنصوص والممارساتالاجتماعية”. ويتّجه الخطاب الإعلامي نحو المألوف من اللغة، دون الجنوح إلى الإبداع في الممارسة اللغوية، التي قد تخلق إشكالات في الفهم لدى المتلقي، كونه يسعى إلى تقديم المعلومات بعيدا عن التحريف أو التشويه الذي يطال مضمون الرسالة الإعلامية،عكس الخطاب الأدبي الذي يقوم على لغة فنية إيحائية. ويبرز الفرق بين الخطابين في اختلاف مجال الخبرة المشتركة، حيث أنّ لكل “مستقبل أدواته الخاصة لتفكيك، تحليل، إعادة تركيب إشارات ورموز المادة الإعلامية”.

ويختلف تحديد معاني الخطاب الإعلامي تباعا للمجالات المختلفة حيث يعتمد الباحث السيميولوجي “يوري لوتمان” في تحديده للنص والخطاب على ثلاث مكونات هي: التعبير، التحديد والخاصة البنيوية، بينما يتجه “كالماير” إلى كون النص “مجموعة من الإشارات الاتصالية التي ترد في تفاعل تواصلي يمكن أن يحدّد بوضع نقطة أو علامة استفهام أو تعجب”. والبحث في خطاب برنامج قناة، يستدعي “آليات تكشف عن التعقيدات الكائنة بين مختلف العناصر، وتعدّد زوايا الولوج إلى المعاني، للكشف عن النتائج المترتبة عن كل خطاب”.ويترجم هذا الخطاب في صياغة الجمل وانتقاء المفردات والمصطلحات اللغوية المستخدمة لوصف الواقعة أو الحدث إضافة إلى نبرة الصوت وطريقة إخراجها أو التلفظ بها أو حالة الجسم والحركات المصاحبة أثناء إلقاء الخطاب.