تفصيل

  • الصفحات : 300 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2021،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-016-9.

مقدمة

يعتبر الدستور قانونا وضعيا جاء ليبين الحقوق والواجبات بسن قوانين تضبط الوضع العام للدولة المحلي والخارجي، وهو يتماشى مع المستجدات الدولية والداخلية، بمعنى أنه قابل للتغيير بما يتوافق و المتغيرات الحاصلة.

و معظم دساتير الدول إن لم نقل الكل، قد شهدت تعديلات في نصوصها و لو عدنا لبعض الدساتير المنصوصة قديما مثل دستور الولايات المتحدة الأمريكية لوجدنا أنه تعدل أكثر من 27 مرة كان آخرها سنة 1992 وهو الدستور الذي صيغ سنة 1787، وهذه التعديلات تتم عن طريق البرلمان أو الاستفتاء الشعبي، هذا الأخير الذي يتوافق والنظام السياسي الديمقراطي.

و شهد الدستور الجزائري عدة تحولات في مختلف المراحل التي استدعت القيام بتعديلات بغرض مسايرة الأوضاع الداخلية والخارجية، حيث سيتم هنا الوقوف عند أهم المحطات التي مر بها الدستور الجزائري منذ 1963 إلى غاية الساعة. ويقول فقهاء القانون إن قوة الدساتير تقاس بطول الفترة التي مرت عليها دون تعديل، لأن استمراريتها تعني عدم الاعتراض عليها، وكلما زاد عدد التعديلات على دستور فقد قيمته وقوته كأعلى مرجعية يحتكم إليها.

وحرصا على ضمان علويته الدائمة وسموه القانوني والمعنوي يعمل المشرعون من صائغي الدساتير عادة على وضع قواعد وشروط صارمة لأي تعديل في فصول الدستور، حتى لا تطمع أي جهة في تعديله لخدمة مصلحة فرد أو مجموعة على حساب باقي شركاء الوطن.

وفي أغلب الدساتير الغربية تكون التعديلات قليلة ومدروسة ويفرضها عادة واقع جديد مثل تغيير شكل الحكم أو التقسيمات الإدارية والجغرافية، وهي في كل الأحوال تسعى لمزيد تكريس حقوق الفرد في علاقته بالدولة، وتعزيز مبدأ فصل السلطات والرقابة على الحكومات.

لكن التعديلات الدستورية في العالم العربي تكون في غالبها من أجل تكريس سلطة الفرد والتمديد للرئيس أو توريث أبنائه حتى وإن غلفها فقهاء السلاطين بطابع الضرورة المستجدة، وتكون قد مرت عبر المؤسسات التشريعية المنتخبة.

وكما هو معروف بأن عدد  الدساتير التي عرفتها الجزائر، يساوي تقريبا عدد الرؤساء الذين حكموا هذه البلاد. فكل رئيس وصل إلى الحكم إلا وقام بتغيير الدستور، فما هي المقاييس التي يعتمدها حكامنا لإجراء تعديل دستوري جديد؟ ولماذا كل هذه التعديلات التي تمس أعلى وثيقة بالبلاد؟.

إن السمة المشتركة التي تميزت بها الدساتير الجزائرية الأربع التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال، أنها كانت توضع لمعالجة الأزمات السياسية التي واجهتها البلاد في فترات.

فدستور 1963 تمت صياغته في ظل الخلافات بين قادة الثورة، بل حتى مشروعه أعد خارج المجلس الوطني التأسيسي الذي كان مختصا بإعداده، ليقتصر دوره في الأخير على المصادقة عليه، قبل عرضه على استفتاء الشعب الذي وافق عليه، ورغم ذلك لم يعمر هذا الدستور سوى أسابيع معدودة.

أما دستور 1976 فقد جاء هو الآخر ليعالج مرحلة الفراغ الدستوري الذي عاشته البلاد فترة دامت إحدى عشرة سنة، وذلك من جوان 1965 إلى نوفمبر 1976؛ ليخضع هو الآخر لتعديل جوهري سنتي 1988 و1989 عقب حوادث 05 أكتوبر 1988، حيث حاولت أحكامه التأقلم مع الوضع الدولي والداخلي السائد آنذاك، والذي ميزته المطالب الديمقراطية.

غير أن هذا الدستور الجديد لم يصمد هو الآخر أكثر من ثلاث سنوات، حيث غاب عن محرريه وضع حكم يعالج حالة شغور رئاسة الجمهورية عن طريق الاستقالة وتزامنها مع شغور المجلس الشعبي الوطني عن طريق الحل، لتدخل البلاد على إثر ذلك في أزمة سياسية ودستورية أخذت طابعا داميا بعد ذلك، الأمر الذي عجل بوضع دستور جديد، محاولة من السلطة القائمة آنذاك، معالجة الوضع، وحل الأزمة والقضاء على أسبابها؛ فكان دستور 1996مستعجلا هو الآخر، الأمر الذي تطلب المبادرة بتعديله من طرف رئيس الجمهورية  أولا بإدراج تمازيغت كلغة وطنية سنة 2002؛ ثم ثانيا قصد”إدخال تصحيحات مستعجلة على بعض أحكام الدستور، لضمان المزيد من التحكم في تسيير شؤون الدولة”، كما جاء في خطاب رئيس الجمهورية عند افتتاحه للسنة القضائية 2008/2009. كما تجدر الإشارة إلى أن الدساتير الجزائرية خضعت في وضعها وتعديل أحكامها لإجراءات مختلفة، ففي الوقت الذي انتهجت فيه طريقة الجمعية التأسيسية والاستفتاء الشعبي في وضع دستور 1963، كان الاستفتاء الأسلوب الرئيسي في وضع دساتير 1976 و 1989 و 1996، في حين كانت مصادقة البرلمان وتدخل المجلس الدستوري عن طريق إبداء رأي معلل في تعديلي 2002 و 2008 و2016.