تفصيل

  • الصفحات : 200 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-691-00-6.

اكتسحت الرواية الجزائرية المعاصرة الساحة الفنية بصورة لافتة للنظر في السنوات الأخيرة، إذ أقبل عليها الأدباء والقراء واهتموا بها على مستوى العالم العربي، السبب الذي يجعل بالنص الروائي الجزائري يأخذ طريقه نحو التطور كمحاولة للتفرد والتميز من حيث الشكل والمضمون.

تمثل الرواية عالما رحبا لا متناهيا، أبوابه مفتوحة على استقطاب كل جوانب الحياة المختلفة والمعقدة، فهي أكثر الفنون والأجناس الأدبية قدرة على وصف واقع الذات الإنسانية، وعلاقتها بالمجتمع وتحولاتها المتجددة دوما.

إنها تعبر عن تعددية التجارب باختلاف الأجيال وتعاقبهم حاملة في ثناياها رؤى وتطورات، أفرزتها التيارات الفكرية والأدبية، والمذاهب الفنية على اختلافها.

فتنوعت بذلك لغة الخطاب السردي بين البساطة والتعقيد، وبين الشعرية والتشويق.

ولا شك أن وراء كل دراسة غاية مرجوة بعثت بها إلى الوجود، وهيأت إلى ذلك الأسباب، وفتحت أمام صاحبها الأبواب، مرتكزة على سبر بعض النقائص في النقد الروائي، وإبداع الجديد في نوعية الدراسة والخطاب المدروس.

وإذا كان النقد الروائي يعرف إقبالا وحركة نشطة وملفتة للانتباه في أيامنا هذه، على المستويين، التطبيقي والنظري في تناوله للرواية العربية موضوعا للدراسة والتشريح على يد مجموعة من النقاد والدارسين الأكادميين. فلقد حظيت الرواية الجزائرية بنصيب نعده وافرا من الدراسة والنقد، في البحوث والأطروحات والرسائل الجامعية. إلا أنه لمسنا فراغا في تناول موضوع الذات في الخطاب الروائي، وبالتحديد البحث في جمالياته. وهو العنصر النادر الذي لم نعثر عليه في حدود اطلاعنا على الدراسات، وإن وجدت فهي في ثناياها. فالذات كمضمون إنساني، واجتماعي، وثقافي، وأديولوجي، وفني. وفي مجملها هي أوجه وملامح وسمت الخطاب الروائي الجزائري المعاصر، فوجدت شكلها ولونها فيه. كما وجدته في الملحمة، والدراما، والرواية عند الغرب من قبل. ومن هنا تأتي جهود الروائيين الجزائريين على غرار الغرب الذين حاولوا الأخذ على عاتقهم ثقل ومغامرة التجديد والتميز بكتابة نص روائي مغاير للسابق، فاتحين المجال لمثل هذه النصوص، للتعدد والتنوع والاختلاف. وعليه أصبحت الرواية الجزائرية المعاصرة الأقرب إلى نفسية القارئ الجزائري، وجدها مرآة تعكس ذاته، يحقق من خلالها توازنه النفسي، يبحث فيها عن راحته التي  طالما افتقدها، وجد فيها تطلعات  الذات، أحلامها وآمالها، ذات طال أمد ضياعها وهي تبحث عن مستقر لها. وحققت الرواية الجزائرية شيئا فشيئا وثبة نوعية، لمحاولة تجاوز مرحلة التقليد في طريقها إلى التجديد، متخلصة من القواعد الصارمة التي ظلت تحكمها مدة من الزمن. وتعد الرواية الجنس الأدبي الذي قد يتسع متنها لأكبر عدد من القضايا والطروحات، والمواضيع المتنوعة التي تمس الذات في مجتمعها وطموحاتها وأهدافها، تواقة للتحرر، عازمة على إثبات هويتها.

تضع الرواية الجزائرية المعاصرة اليوم أقدامها على عتبة التميز، والتفرد على الصعيد الجمالي والمعرفي، تهدف من خلال بنياتها ولغتها المكثفة، وأساليب الإيحاء والرمز، مسخرة كل الفنيات السردية، والصور الفنية المتنوعة والمختلفة لتعبر عن وعي الذات ورمزها وعلاقتها بالأسطورة وصراعها الدائم مع هاجس الأحلام، وارتدادها إلى ذاكرة التاريخ. فما هي الحدود الجمالية لتعدد صور وتشكلات الذات في الرواية الجزائرية المعاصرة؟ سؤال طرحناه ليكون محل الدراسة والبحث، ومقدمة لإعادة تأمل جديد في تجارب روائية ظلت تشق طريقها اختلافا وتعددا متطلبة بدورها قراءات مختلفة ومتعددة أيضا، في مستوى تطلعات النص. هناك مساهمات قدمها الروائي الطاهر وطار، وعبد الحميد بن هدوقة في مرحلة معينة، وهناك أجيال من الروائيين الجزائريين مارسوا مغامرة التجريب في سبيل تحقيق لحظة الاستمرار والتميز أمثال: وسيني لعرج، وأمين الزاوي، وجيلالي خلاص، ومرزاق بقطاش، والسايح الحبيب، ورشيد بوجدرة، وأحلام مستغانمي، وغيرهم من الأسماء التي راحت تتقدم في مجال الإبداع الروائي بشكل ملفت للنظر، وبدأ هذا الجنس الأدبي يترسم ويأخذ مكانه في سياق الإبداع العربي، ونقلت الرواية الجزائرية المعاصرة لحظة التأمل وطرح أسئلة على أكثر من مستوى، رغبة منها في تحقيق نقلة نوعية شكلا ومضمونا، تنتظر تأويلات القراء ومحاورتها.

بات النص اليوم يعيش حالة من الانتعاش، بإصدارات جديدة متعددة ومختلفة، تتقاطع عند مفترق طرق الرغبة الملحة في التفوق والتميز، والبحث في رهانات الواقع، والمستقبل. ودون أن نكون مبالغين، يمكن القول بأن الرواية الجزائرية على الرغم من الصعوبات التي اعترضت رحلتها التأسيسية تمكنت من أن تصل إلى مرحلة النضج، وتبوأ مكانة متميزة في وجه الأجناس الأدبية الأخرى، خلال السنوات الماضية بشكل ملموس وملفت للانتباه، شكلت من خلاله هذه الجهود أرضية لمخبر تجريبي مترامي الأرجاء، متنوعة مضامينه، متميزة أساليبه، يعود الفضل فيها إلى أبناء الجيل الأول المؤسس “الطاهر وطار” و”عبد الحميد بن هدوقة” حيث بذلا جهدا معتبرا بتحويل الرواية نحو طريق التجديد والمغامرة في أفق رحب، مصورة الذات البشرية بمختلف أشكالها ونزواتها، إيمانا منهما بأن الرواية اليوم أصبحت ديوان العصر باستيعابها لبقية الأنواع الأدبية، والفنون الجميلة واستقطابها لمجمل الكتاب ستكون حتما مطلوبة والأكثر رغبة فيها من لدن الفئة المثقفة.

ويحتل الطاهر وطار موقعا متميزا في مجال تطوير الرواية الذي نما نموا جليا في عهده، حيث أفاد النص الروائي بتقنيات سردية مختلفة في كيفية التعامل مع مضامينها وشخصياتها وأحداثها في زمانها ومكانها، خاض تجربة إتقان الكتابة الروائية بكل ما تحمله من أدوات تقنية فتحت باب المغامرة على مصراعيه، متيحا المجال اكتشاف هاجس التجريب وحساسية الكتابة الجديدة.

تضمنت كتابات الطاهر وطار تصويرا لعالم الذات بمختلف تناقضاتها وصراعاتها مع المجتمع في ظل البحث عن هويتها وتأكيد وجودها، حيث يقطع التجريب معها وسؤال الحداثة مسافات أبعد وأكثر دلالة وإيحاء، هذا ما جعلني اختار عنوان :

الذات بين الرؤيا والتشكل -تطبيقات في الرواية الجزائرية

 

ولهذا فالمنهج المتبع ينزع أكثر إلى أن يكون سيميائيا تحليليا يبحث في الشكل والمضمون، ويعتمد على بعض النظريات والمفاهيم السيميائية التي نراها تخدم دراستنا المتواضعة. ومن ثمة فإن المنطلق سيكون من العلامات والمضامين التي ستحدد لنا شكل وصورالذات بين  الرؤيا والتشكل  في الرواية الجزائرية المعاصرة عموما وعند الطاهر وطارتحديدا الذي اخترناه أنموذجا للدراسة والتطبيق. وبالتالي جاء البحث في مقدمة و أربعة فصول ، جاء الأول منها معنونا ب:” الذات الاشكالية والدلالة” تطرقنا فيه إلى مفهوم الذات في التراث العربي وقدمنا مجموعة من المفاهيم المختلف من منظور: اجتماعي ,و فكري بنيوي ووجودي وتحليلي نفسي ونقدي جمالي. كما حمل الفصل الثاني عنون: “تطور الفن الروائي.” رصدنا فيه مفهوم الرواية لغة واصطلاحا والوقوف على الارهاصات الأولى لظهور الرواية بدءا من القرن التاسع عشر, وخصصنا محورا يهتم بالحديث عن الذات في الرواية العربية من خلال نماذج روائية لمجموعة من كتاب تلك الفترة الزمنية وافردنا مبحثا تطرقنا فيه إلى الذات في الرواية الجزائرية قبل الثورة بما فيها المكتوبة باللغة الفرنسية والتطرق إلى بواكير الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية بعد الاستقلال والوقوف على أهم الاسباب التي ساهمت في ظهورها مع ذكر اهم اتجاهاتها منها الاصلاحي والواقعي والاجتماعي .وجاء الفصل الثالث موسوما ب:” الذات في الرواية الجزائرية المعاصرة .” اهتم بالتطرق إلى الذات في الرواية من منظور اجتماعي وسياسي وواقعي وعلاقتها بالهوية والوجود.

أما الفصل الرابع :” تجليات الذات وتشكلاتهافي روايات الطاهر وطار.” قدمنا فيه ترجمة مختصرة لحياة المبدع ثم وقفنا على أبرز الدلالات للذات في رواياته, وذكر أهم الأبعاد التي عكستها ومنها الاجتماعية والنفسية, كما خصصنا محورا يبحث في علاقة التسمية بالبعد الاجتماعي والنفسي والصوفي والميثولوجي للذات . اهتم محور آخر بأنواع الحدث وعلاقته بالذات ,و عرجنا أخيرا على تجليات الذات في المكان على اختلاف أنواعه.

أما الخاتمة فجاءت تحوي مجموعة من النتائج التي توصلنا إليها في دراستنا المتواضعة.