تفصيل

  • الصفحات : 614 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2021،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-022-0.

لا يشك أحد في قدرة وسائل الإعلام على التأثير سواء على صعيد الاتجاهات والممارسات، أوفي مجال ترتيب الأولويات والاهتمامات، بل إن هذا التأثير وصل إلى حد أن الأفراد لا يصدقون ما يرون أوما يسمعونه، إلا بعد متابعته عبر وسائل الإعلام المختلفة.

وتبرز أهمية ودور وسائل الإعلام خاصة خلال فترة الأزمات من حروب وصراعات ونزاعات، فباعتبارها من المصادر الأساسية والمهمة للتوجيه والتثقيف في أي مجتمع، تحرص كل منها على تواجد صحفييها في موقع الحدث، وتنوع من قوالبها الصحفية وتخصص افتتاحياتها  لها، كما تحاول تحقيق أوسع تغطية ممكنة وبشكل يتناسب مع خطها الافتتاحي.

وتشير عدة دراسات إلى أن التغطية الإعلامية خلال الحروب والصراعات تكون أقرب إلى الفعل الدعائي، وفي نفس الوقت بعيدة كل البعد عن المهنية وأخلاقيات العمل الإعلامي، بحيث تتحول وسائل الإعلام إلى أدوات لتنفيذ سياسات الدولة واستراتيجياتها، ويشمل ذلك الصحفيين أنفسهم، الذين يصبح لديهم ميل خلال الحروب والأزمات إلى تبني وجهة نظر بلادهم، بصرف النظر عن قناعتهم الشخصية بها وبذلك يقدم الصحفي انتماءه الوطني على انتمائه المهني.

وهوما ينطبق على الصحافة المكتوبة أيضا، باعتبارها جزءا من المنظومة الإعلامية ككل، وقد استطاعت هذه الوسيلة أن تحافظ على وجودها رغم المنافسة الشديدة من وسائل الإعلام الأخرى بفضل توفرها على مجموعة من الخصائص التي تميزها، فمثلا يؤدي التكرار لفكرة معينة مقدمة في أكثر من قالب أونوع صحفي إلى بث وترسيخ هذه الفكرة في عقول الأفراد، وتكمن قوة الصحافة في انتشارها بالملايين من النسخ وصدورها دوريا وإمكانية تصفحها عدة مرات.

وفي فرنسا، تظل الصحافة المكتوبة محافظة على وجودها في ظل المنافسة الشديدة من وسائل الإعلام الأخرى، فأرقام السحب تشير إلى أن الصحف الفرنسية اليومية تحتل المرتبة العاشرة عالميا والثالثة أوروبيا بعد كل من ألمانيا والمملكة المتحدة، كما أن أهم عناوينها تصنف ضمن ما أصطلح على تسميته بالصحافة العالمية، وهي بالتالي تهتم بما يحدث في جميع أنحاء العالم وكغيرها من وسائل الإعلام تهتم بتغطية الأزمات والصراعات.

ويحتل الحدث الجزائري موقعا هاما في الصحافة اليومية الفرنسية بحكم موقعها ضمن حوض المتوسط، كما أن التحول الجذري الذي عرفته الجزائر بعد أحداث أكتوبر 1988 بإقرار التعددية السياسية وتكاثف  وتسارع الأحداث، جعل وسائل الإعلام الفرنسية عموما تهتم أكثر بما يجري في الجزائر لاسيما بالنظر إلى العامل التاريخي الذي يجمع البلدين، وأيضا قيمة وأهمية التحولات التي عرفتها الجزائر منذ تلك الفترة خاصة السياسية منها، فقد تم التخلي عن نظام الحزب الواحد وبالتالي إقرار التعددية السياسية باعتماد 18 حزبا عام 1989، ليرتفع العدد إلى 30 في عام 1990.

ومن أجل استكمال السيرورة الديمقراطية، بادر الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد بالإعلان عن تنظيم انتخابات محلية في منتصف سنة 1990 وتحديدا في شهر جوان وأسفرت عن فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بنسبة 55%، وحدد تاريخ 27 جوان 1990 لإجراء الدور الأول من الانتخابات التشريعية لكنها أجلت إلى غاية الـ 26 ديسمبر 1991.

برزت الجبهة الإسلامية للإنقاذ لثاني مرة كأقوى حزب سياسي وتحصلت على أكثر من 44% من عدد المقاعد، وكان من المنتظر أن يجرى الدور الثاني في الأيام الأولى من شهر جانفي 1992، إلا أن استقالة الرئيس الشاذلي من منصبه، أدت إلى إلغاء المسار الانتخابي في ظل الفراغ الدستوري الذي خلفته هذه الاستقالة، وهوالوضع الذي ساهم في انطلاق الصراع بين الجبهة الإسلامية للإنقاذ من جهة والسلطة المتمثلة في المجلس الأعلى للدولة – الذي جرى تأسيسه في 16 جانفي 1992– من جهة أخرى.

وقد لقي الدور الأول من الانتخابات التشريعية المنظمة في 26 ديسمبر 1991 اهتماما كبيرا من الإعلام الفرنسي، لذلك شكل الصراع السياسي الذي دار بين السلطة السياسية والحزب المحل ( الجبهة الإسلامية للإنقاذ سابقا ) بعد إلغاء نتائج هذه الانتخابات في 13 جانفي 1992، الحدث الجزائري الأبرز على صفحات الجرائد الفرنسية ولا سيما اليومية منها.

وانطلاقا من أهمية الصحافة اليومية الفرنسية واهتمامها بالحدث الجزائري، نحاول في هذه الكتاب تسليط الضوء على تغطية الصحافة اليومية الفرنسية للصراع السياسي في الجزائر، خلال الفترة الممتدة من إلغاء المسار الانتخابي في 13 جانفي 1992 إلى غاية 15 أفريل 1999، وهوالتاريخ الذي يصادف تنظيم الانتخابات الرئاسية المسبقة التي فاز بها عبد العزيز بوتفليقة  وهذا بالمقارنة بين يوميتين مختلفتين في توجههما السياسي، وهما يومية “لوفيغارو” (Le Figaro) المعروفة بتوجهها اليميني، ويومية “ليبيراسيون” (Libération) المعروفة بتوجهها اليساري.