تفصيل

  • الصفحات : 294 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-592-8.

بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الهادي بتوفيقه إلى صراط مستقيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أفضل من بلّغ خطاب ربّ العالمين، فكان هدى ورحمة للعالمين، وعلى آله وأزواجه وأصحابه الغرّ الميامين، ومن سار بنهجهم إلى يوم الدّين؛ أما بعد:

يعتبر الصّوت أهم مكون لغوي تتم به العملية التخاطبية، واللّغة بحد ذاتها أصوات وكلمات لها معانيها ودلالاتها، ممّا جعل علماء اللغة – على قدد طرائقهم فيها – يعكفون على دراسة الأصوات، فكان الرّعيل الأول منهم قد أجاد وأفاد في وضع اللّبنات الأولى انطلاقا من الفيزيولوجي والفيزيائي فالتشكيل الصوتي والوظيفي، وهو ما يعرف حديثا بعلمي الفونيتيك، والفونولوجيا، هذا الأخير الذي يعمل على تحديد وظيفة هذه الأصوات في إطارها اللغوي.

ولما كان منشأ الدّراسات الصّوتية متعلّقا بالقرآن الكريم من حيث فهمه وتطبيق أحكامه عملا وتعليما، فقد كان التّحليل الفونولوجي من أهمّ عمليات تحليل الخطاب في القرآن الكريم، وظيفة وشكلا وأسلوبا ودلالة، باعتباره فرعا من فروع اللّسانيات، فيسهم في إثراء المعنى وتعميقه في نفسية المتلقّي، فالصّوت هو جوهر اللغة التي هي لبّ خطاب القرآن، فيتناول ضوابط تحليله وتأويله، وفنون أدائه وتلقيه، ليصبح تحليل الخطاب علما قائما بذاته ينظم استراتيجية القراءة وعملية التأويل، بفهم النّصّ وإنتاج الدلالات، انطلاقا من المستويات اللسانية.

وقد كان من الأسس التي قامت عليها اللسانيات الحديثة في تحليل الخطاب “نظرية الإرسال والتلقّي”، فالخطاب القرآني – بعالميته الإرسالية – أوجب على المتلقي أن يتوفر على ملكة لسانية تتمثل في معرفته الباطنية بجميع قواعد لغته التي ينشأ في محيطها من نحو وصرف ودلالة، بالاعتماد على ما تقدمه صنوف التفسير والتأويل، وهذه المقدرة توضح له صورة تفاعل الخطاب وآليات تحليله، وتحقيق نظرية التّلقي فهما وإدراكا، خاصّة وأنّها تتصل أيّما اتصال بالشّعائر التعبّدية.

فالخطاب القرآني -وإن كان يقوم في نظرية الإرسال على المادة اللغوية المعجزة لفظًا ومعنىً- شبكة من العلاقات التّحليلية المتّسمة بالانسجام والتماسك والعضويّة والتّرابط والدينامية إلى حد كبير جدا، يتلاءم وواقع الحال والسياق، فإن كانت هذه المادةُ اللغوية أساسياتٍ لا يمكن إغفالها في ميدان التّحليل، وبلوغ النتائج، وتحصيل المفاهيم؛ فمن أُولى مسلمات التّدبُّر معرفةُ دلالات الصّوت الذي بُني عليه اللّفظ في العملية التّخاطبية، وكذا الانطلاقُ من دلالة العلامات اللّسانية الصوتية الإفرادية والتركيبية المغلقة على فكر المتلقي، والسعي نحو فتحها بنظرياتٍ وظيفية تطبيقية، تختلف عادة من مدرسة لغوية إلى أخرى، عبر بيّنات التفاسير التي تُبقِي الخطاب مفتوحا على كل الاحتمالات المعرفية المتجددة.

وبالنّظر إلى السّمات اللّغوية الوظيفية والجمالية لمكوّنات الصّوت، أضحى الخطاب في القرآن الكريم قطب الرحى الذي سعى البحث إلى دراسة مادّته الصّوتية والوظيفية، في ظلّ تطوّر اللسانيات ومناهج البحث اللغوي، وقدرتهما على إجلاء مختلف الظّواهر اللغوية المكنونة في القرآن الكريم، وتعاضد ما توصّل إليه الأوّلون من باعٍ جزيلٍ مع فيض المحدثين في إبراز التّجليات اللّسانية، وما تحققه في مختلف السياقات من استنطاقٍ لأصوات الخطاب، وكشفٍ لنظام البنية فيه على مستويَي الإفراد والتركيب، وما تفرزه من سمات إبلاغية بلاغية من جهة النّظم، وأخرى متعلقة بالنّظريات الأسلوبية، ودورهما في الكشف عن بعض المسائل المتعلقة بفهم الخطاب القرآني، وجمالياته الصّوتية الإعجازية والوظيفية على حد السّواء، ولا شكّ أنها مفاهيم وُلدت من رحم هذا التطور اللّغوي واللّساني، كنظرية الانزياح الدلالي، والسياق الأسلوبي، وكذا مفهوم النّصّ، ودلالات الخطاب، وموضوع العلامات والسيميائية، وغيرها.

وأمام تشعّب هذه الميادين ووفرتها وتداخلها في العملية التحليلية على مستوى الخطاب القرآني في آن واحد، وكذا صعوبة إدراجها على هذا (المثل الأعلى) من أنواع الخطاب، بات من الواضح صعوبة التّعامل مع هذه المعطيات اللّغوية واللّسانية المطروحة في نسق متكامل؛ لذا اكتفى البحث بدراسة عناصر أساسٍ هي بمثابة القاسم المشترك الذي يجمع بينها في بؤرة المعنى ودلالاته وإيحاءاته، ألا وهي الصوت اللغوي، بالتأصيل للنّظرية العربية “الفونيتيك” المتطورة عنها وظيفيا “الفنولوجيا”، كتطبيق إجرائي لمعرفة كُنه الخطاب وطاقاته الإفصاحية الممكنة، واستقراء معطيات الفريقين من المتقدمين والمتأخرين لرصد مختلف الظّواهر اللّغوية واستنتاج وظائفها الصّوتية، في رحاب خطاب القرآن الكريم، مستعينا بكتب التفاسير وعلوم التجويد قبل كلّ شيء، نظرا لحساسية التعامل مع هذا الخطاب المقدّس، ومن ثم تعضيده بما جادت به الحصيلة اللغوية قديما وحديثا، وما تدلّ عليه من كلٍّ متكامل يجسد نظرياته على البُنى الصّوتية والصّرفية والترّكيبية والأسلوبية، وما لها من وظائف دلالية وإيحائية، تُجْلي الخطاب في صورة مبهرة من جمال الإبداع وكذا فنون الإقناع كما الإمتاع، تجعل من المتلقي – قارئًا كان أو سامعًا – يهتدي بأنوارها، ويتظلّل بمُغدِقاتها، شاهدًا على مكامن الإعجاز القرآني، وجماليات نظمه الفريد.

ويرجع سبب اختيار هذا الموضوع  إلى هذه المقاصد الجليلة والأغراض الحميدة كونها متعلقة بفهم كتاب الله عزّ وجلّ، ولمآرب موضوعية أخرى؛ فبقدر ما هو مفيد للتعرف على أهمية المستويات اللّسانية في منظومة اللغة العربية؛ إلا أنّه من الأهمية بمكان أن تستثمر في خضم مناهج البحث اللغوي في العملية التحليلية لخطاب القرآن الكريم، كعملية تجديدية خاضعة في تحكيمها لبطون التفسير والتأويل، مع إنصاف القوم الذّين عبّدوا طريق الوصول إلى معاني القرآن الكريم تفسيرًا ودراسة، وأمر آخر هو أنّ القرآن الكريم في عمليته الإبلاغية حافل بالقضايا اللّغوية الصّوتية والتركيبية والدّلالية والإعجازية وغيرها، بالإضافة إلى تعدد قراءاته؛ الأمر الذي يجعل منها دعامات تفسيرية من منطلق تقنيات الانزياح وأثرها في تكوين ضروب شتى من الدّلالات المتعدّدة، بتعدّد المقاصد والسّياقات والمواقف الخطابية، وكذا تحقيق التّفاعل والتّجاوب بينها وبين السّياق والأداء والإلقاء، وهو ما يتناسب والعملية التخاطبية الفعّالة، من أجل النّهوض بالمحتوى والمضمون، وهو مدعاة للتّحفيز والتّشجيع، وكذا الاجتهاد.

وغاية هذا الموضوع هي محاولة الكشف عن العلاقة بين المستويات اللسانية في تجلية مقاصد التنزيل ووجوه التأويل في القرآن الكريم، ومدى قدرتها على تذليل العمليات التحليلية والفنيّات اللغوية والجمالية التي يزخر بها المتن القرآني، غير أن المقام يحاول الربط بين علم اللسانيات بشقها الفنولوجي وتحليل الخطاب، في إجراء تطبيقي لشواهد مختلفة، وكذا تثمين الجهود الصّوتية العربية، ودورها مع إسهامات اللسانيات بشتى أنواعها في إثراء العملية التّحليلية، والخزانة الصّوتية العربية، واعتبارها محاولات تجديدية في اتجاهاﺗﻬا التّراثية والألسُنية والتّعليمية، بما يسمى بالمنهج التّكاملي، كوسيلة قرائية قديمة جديدة.

وأمام طبيعة هذه المعالجة اللّغوية التي تجمع بين صرحين علميين هما “الفنولوجيا” و”تحليل الخطاب”، وأمام عالمية رسالة الخطاب القرآني، وفي ظل الثّورة الفكرية والحقول المعرفية، طرح البحث إشكالية جوهرية مؤداها: ما معايير انتقال رسالة الخطاب القرآني واستقبالها لدى المتلقي؟ وهل الطّرح الموضوعي لمناهج التفسير والتأويل كافٍ لتحليل الخطاب القرآني؟ وما مدى أهمية الأبعاد المعرفية الأخرى كالصوتيات الوظيفية وترابطها في تفاعل الخطاب القرآني وتقدير حصيلة الاستقبال والتّلقي؟ وهل للأنظمة اللّغوية والنّظريات اللّسانية الحديثة قدرة على تأطير آليات القراءة في مكوّنات الخطاب القرآني؟.

ومن أجل الوصول إلى إجابة لهذه الإشكاليات؛ اتّبعت خطة بحث فرضتها منهجية الدراسة، تكمن في تقدِمةٍ، وثلاثةِ أبواب، لكل بابٍ مدخلٌ وفصول ثلاثٌ، لكلّ فصلِ تمهيدٌ ومباحثُ، ثمّ خاتمةٌ، ثمّ قائمةُ مصادرَ ومراجعَ، ففِهرسٌ عامّ.

المقدمة: تعرض نبذة عن الموضوع والتطرقّ إلى مدى أهميته العلمية واللغوية، وكذا منهج البحث فيه، متبوعاً بطرح الإشكالية، مع رسم خطة في الإجابة عنها، ثم ذكر عقبات البحث.

الباب الأول: بين علم الصّوت والفونولوجيا. وقد عني بدراسة المادة الصوتية مشتركة بين الفونيتيكية والفونولوجية، رغم الاختلاف المنهجي لكل منها، وقد شمل الفصول التالية:

الفصل الأول: الصوت اللغوي، ويشمل تمهيدا وثلاثة مباحث:

المبحث الأول: النظام الفونولوجي.

المبحث الثاني: الصّوت والكلام.

المبحث الثالث: أهمية البحث في دلالة الصّوت ووظيفته اللّغوية.

الفصل الثاني: الوحدات الصوتية والتقاطع المعرفي، ويشمل تمهيدا ومبحثين:

المبحث الأول: الوحدات الصوّتية عند العرب.

المبحث الثاني: الوحدات الصّوتية عند الغرب.

الفصل الثالث: المقاطع اللغوية، ويشمل تمهيدا وثلاثة مباحث:

المبحث الأول: نظام المقاطع العربية.

المبحث الثاني: المفردة.

المبحث الثالث: التركيب.

وتكمن أهمية هذا الباب في تشكيل بوادر الدراسة الصوتية ومكوناتها الأساس، التي تخضع لها عملية التّحليل الصوتي (فونيتك) والوظيفي(فونولوجي)، كما يعتبر تقديما للنّظام الصوتي في اللغة وتهيئة لما بعده.

الباب الثاني: فونولوجيا الخطاب القرآني، وقد تعرَّض هذا الباب إلى العناصر اللّغوية الوظيفية في الخطاب القرآني، فشمل مدخلا وثلاثة فصول:

الفصل الأول: فونولوجية الصوت القرآني، وفيه تمهيد وثلاثة مباحث:

المبحث الأول: النظام الصوتي وإيقاعاته في القرآن الكريم.

المبحث الثاني: التركيب الصوتي في الخطاب القرآني.

المبحث الثالث: الخطاب القرآني والقراءات.

الفصل الثاني: في الأصوات والصفات، وفيه تمهيد وثلاثة مباحث:

المبحث الأول:  اجتماع الأصوات.

المبحث الثاني:  اتحاد الصفات.

المبحث  الثالث:  الحروف اللينة.

الفصل الثالث: الوظائف الصوتية ورسالات الخطاب، وفيه تمهيد وثلاثة مباحث:

المبحث الأول: وظيفة التنغيم.

المبحث الثاني: وظيفة النّبر.

  المبحث الثالث: وظيفة الفواصل القرآنية.

أما أهمية هذا الباب فتكمن في معرفة نظام الخطاب القرآني ووظيفة مكوّناته اللّغوية، التي أفضت إلى تحديد أهمّ ظواهر الخطاب الصّوتية النّاجمة عن تظافر البنية والخطاب.

الباب الثالث: الظّواهر الصّوتية ووظيفتها الدّلالية في بنية الخطاب القرآني، ويشمل مدخلا وفصلين.

الفصل الأول: القوانين المورفوفونيمية، وفيه تمهيد وعناصر تطريزية مختلفة (الاختلاس، الإظهار، الإخفاء، التّخفيف، الاستعلاء، التّفخيم، الاستفال، التّشديد، الرَّوم، الوقف، الإشمام، والإمالة).

الفصل الثاني: القوانين الفونوتركيبية، وفيه تمهيد ومبحثان:

المبحث الأول: الإدغــــــــــام.

المبحث الثاني: الإبــــــــــدال.

وتُغلق أبواب هذا البحث وفصوله ومباحثه بكشف الآليات القرائية للمكونات الصّوتية ووظيفتها في خضمّ اللسانيات التطبيقية وتحليل الخطاب.

الخــــــــــــاتمة:  وفيها موجز لمعالم الدراسة وقد اشتملت على أهمّ النتائج التي توصّل إليها البحث، مذيلة بالمصادر والمراجع المعوّل عليها في تخريج هذه المادة العلمية.

وأمام هذا النّوع من البحث الموضوعي في القرآن الكريم؛ فقد اعتورتني صعوبات جمّة، منها مغبّةُ التعامل مع هذا المجال الفسيح، واللهَ أسأل التّوفيق والـمَهَل، والعفو عن الزّلل، وكذا صعوبة التعامل مع أمهات الكتب واستخلاص المادة المعرفية من بطونها، في ظل تداخلها واختلاف الآراء فيها، مع سعي حثيث في استخلاص الوظائف الصّوتية واللغوية إفرادا وتركيبا وتطبيقها على مستوى الخطاب القرآني، وتوجيه مسار البحث نحو أفضل صورة ممكنة.

وفي الأخير؛ تبقى هذه الدّراسة جهدا متواضعا في حدود الإمكانات العلمية والمرجعية، ويكفي أنّها بداية على استحيائها أكثر تحفيزا ودعوة إلى التّعامل مع هذه المواضيع التي تستمد قيمتها من نبع القرآن وفيضه، ولا شك أنّها جهد يسير، واجتهاد بسيط، فما كان من صواب -وذاك مبتغاي- فمن الله وحده، وأسأله التّوفيق، وما كان من زلل فذاك شأن البشر، فأستغفر الله عمّا ندّ به القلم، أو زاغ عنه الفكر، أو حاد عن الصّواب، واللهَ أسأل أن يوفقنا جميعا في طلب العلياء، وأن يلهمنا الصّواب، ويلقّننا الجواب، إنّه نعم المولى ونعم النّصير.

حيمور إسماعيل:

غليزان في: 22/04/2018