تفصيل

  • الصفحات : 332 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-664-2.

مقدمة

مما لا شك فيه أن الإرهاب كظاهرة وكفكر وكممارسة تمتد جذوره تاريخية إلى وجود البشر على سطح الأرض، أما الإرهاب الموجود حاليا ما هو إلى استمرارية وامتداد للفكر الإرهابي القديم وتأقلمه مع الظروف التي رافقته عبر الأزمنة والعصور، وذلك بداية من قيام الدولة، وصولا إلى التطور تكنولوجي وانتشار للأسلحة ووسائل الإعلام والعولمة.

في يوم 20 سبتمبر 2001، صرح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جورج بوش الابن، من مقر الكونغرس الأمريكي، أن “كل أمة تستمر في إيواء ودعم الإرهاب، ستعتبر نظاما عدوا، وأن الحرب على الإرهاب، لن تنتهي حتى تُكتشف كل جماعة، تُوّقف وتُهزم”[1]. جاء هذا الخطاب للرئيس الأمريكي، مباشرة بعد ما عرف بهجمات 11 سبتمبر 2001، التي ضربت اثنين من أكبر رموز القوة الأمريكية، العسكرية والاقتصادية، الأولى ممثلة في مبنى “البنتاغون” (مقر وزارة الدفاع) بواشنطن، والثانية ممثلة في برجي التجارة العالمية (وول ستريت سانتر) بنيويورك، وتشاء الصدف أن يحدث نفس الشيء قبل مئة عام من أحداث 11/09، أي في سبتمبر 1901 عندما قام أحد المتطرفين باغتيال الرئيس الأمريكي آنذاك، “ويليام ماكينلي” (William McKinley)، ليدعو خلفه تيودور روزفلت (Théodore Roosevelt) إلى “حملة عالمية للقضاء على الإرهاب”.[2]

 

على غرار نهاية الحرب الباردة، وانهيار جدار برلين عام 1989، ونهاية القطبية الثنائية، يمكن اعتبار أحداث 11 سبتمبر 2001 نقطة تحول راديكالية وجذرية في العلاقات الدولية، حيث تمكنت هجمات ما يعرف بالثلاثاء الأسود، من جعل هذا اليوم التاريخي، الأكثر دموية في تاريخ العمليات الإرهابية، على كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، وكذا على كل الأصعدة المحلية، الإقليمية والدولية.

تداعيات ما وقع في الحادي عشر (11) من سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة، كانت أيضاً على الإرهاب في حدّ ذاته، حيث تحوّل من ظاهرة محلية أو وطنية إلى ظاهرة عالمية أو عابرة للحدود والأوطان والقارات، خاصة بعد تغيّر نظرة الدول الغربية لهذه الظاهرة، حيث كانت مجرد ظاهرة مرتبطة بمتغيرات محلية، خاصة بالدول المعنية، قبل أن تتحول إلى مصدر تهديد حقيقي على الأمن والسلم الدوليين، سواء كان هذا الأمن فردي أو جماعي أو الإنساني. هذه الظاهرة التي أصبحت تندرج من جهة، في ظل التغيرات الدولية الناتجة عن العولمة وانهيار المعسكر الشرقي، والناتجة كذلك، عن التغيرات السوسيوسياسية من جهة أخرى[3].

من ناحية أخرى، يعتبر الإرهاب اليوم، أحد أهم الفواعل الأساسية، التي لا يمكن تجاهلها في حقل العلاقات الدولية، لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، فالإرهاب كظاهرة أو كفاعل، يبقى قابل للدراسة من عدّة جوانب وزوايا، وعلى عدد من المستويات والأصعدة، لكن ما يمكن ملاحظته هو، أن هناك تقصيرا إلى حد ما، من ناحية التحليل الجيوسياسي للإرهاب، مما دفعنا إلى محاولة الخوض في هذا المجال بطريقة علمية وأكاديمية.

إن ظاهرة الإرهاب، في إفريقيا عامة ومنطقة الساحل الإفريقي، على وجه الخصوص، ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، بل ما تعرفه المنطقة اليوم، ما هو إلا تراكم لإرث تاريخي لعدد من الأحداث والأزمات والعوامل المغذية والمساعدة لظهور وتفاقم هذه الظاهرة، والتي عرفتها المنطقة الإفريقية ككل، بمستويات متفاوتة، من حيث المكان والزمان.

من المعروف أن الإرهاب مورس في القارة الإفريقية عموما، من خلال أشكال العنف السياسي في عدد كبير من دول القارة، في شكل نزاعات مسلحة بين تنظيمات مختلفة، والتي مارست الإرهاب بمفهومه العام بشكل أو بآخر، من خلال استعمال مختلف أشكال العنف والترهيب في وقت السلم ضد مدنيين وعسكريين، للوصول إلى أهداف سياسية متنوعة، كما لا يمكن حصر هذه الظاهرة في منطقة معينة بالقارة الإفريقية، لما عرفته وتعرفه من ديناميكية، عبر سيرورتها التاريخية والجغرافية.

من الناحية العملية، يمكن إرجاع جذور الإرهاب الدولي، في شكله المعاصر، بالقارة الإفريقية، إلى التفجيرات التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية بنيروبي ودار السلام في 1998، أين بدى واضح توجه جديد للإرهاب فإفريقيا، وهو الانتقال من العدو القريب نحو “العدو” البعيد، كما يمكن قول أن تفجيرات ميترو باريس عام 1995، التي تبناها تنظيم “الجماعة الإسلامية المسلحة” (الجيا)، هي من أولى العمليات ذات الصدى الدولي، والتي نفذت من طرف تنظيم إفريقي (جزائري).

من خلال هذا الكتاب، سنقوم بدراسة الظاهرة الإرهابية كأحد التهديدات الجديدة والعابرة للحدود، في دول منطقة الساحل الإفريقي، قبل الخروج بأهم ملامح هذه الخريطة الجيوسياسية للظاهرة ككل، عبر كل التحولات التي عرفتها، تعرفها، وقد تعرفها لاحقا.

 

من الضروري تجزئة الظاهرة الإرهابية، من خلال العودة إلى أصلها الجينيالوجي بالمنطقة، عبر مراحلها المختلفة، وصولا إلى أهم التنظيمات الإرهابية التي تشكل المشهد اليوم في الساحل الإفريقي، وتطورها التنظيمي والهيكلي والاستراتيجي، قبل التعرض إلى أهم التحولات الجيوسياسية التي شهدتها الجماعات المتمركزة في المنطقة، لاسيما بعد 2001، من خلال الجغرافيا والموارد والتحالفات والصراعات، الداخلية منها الخارجية، قبل الوصول إلى عرض جيوسياسي لأهم العمليات التي شهدتها المنطقة والتي قامت بتنفيذها أهم الجماعات الإرهابية بالساحل الإفريقي.

 

 

[1] David C. RAPPORT, “The fourth Wave: September 11 in History of the Terrorism”, Current History, (December. 2001), p 419

[2] Richard B. JENSEN, “The United States, International Policing, and the War against Anarchist Terrorism”, Terrorism and Political Violence, (printemps 2001) pp 5-46

[3] Morris JANOWITZ, ” Terrorisme et mondialisation : la coopération, réponse à la menace transnationale “, (Toulouse : presse de l’IEP, 2003) : pp. 229-230.