تفصيل

  • الصفحات : 143 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2021،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-028-2.

إن العصبية ليست وليدة العصر الراهن، بل هي قديمة قدم الإنسان، فإبليس حسد سيدنا آدم عندما تخيل بأن الله تعالى قام بتمييزه وتفضيله عليه وهو أسمى منه لأنه خلق من نار وهذه الأخيرة أرقى من الطين ومن هنا بدأت لبنات العصبية تتشكل فعليا من  طرف إبليس لأنه تعصب لعنصره، كما ظهرت بوادر العصبية لدى الأمم القديمة، كاليهود من خلال احتقارهم للشعوب الأخرى وإصرارهم على ضرورة امتلاك كيان خاص بهم وضنهم بأنهم أحسن السلالات، وقد برزت النزعة العصبية لدى اليونان حيث تدعمت مختلف مجالات العصبية عندهم بأساس الانتماء للأرض، يعتز ويتفاخر كل فرد منهم بدولته، فالعصبية تبرز في المجتمعات التي تنمو فيها مفارقات اجتماعية كبيرة، ولاسيما التعدد على مستوى الطبقات الاجتماعية، الأديان والمذاهب، وتساهم الاتجاهات والمعتقدات التعصبية في ذلك بشكل واضح، ويعزز ذلك وجود العديد من العوامل المؤثرة.

يمكن إرجاع أسباب العصبية القبلية في المقام الأول إلى التنشئة الاجتماعية للفرد، فالإنسان يتعلم من بيئته، ويتأثر بالوسط الأسري الذي يعيش فيه، ويكتسب عاداتها وتقاليدها المختلفة، كما أن اتجاه الشخص نحو قبيلة أو جماعة معينة هو أمر مكتسب، ويمثل ميل للمعايير والقيم الاجتماعية التي يتعلمها الأفراد من الوالدين والمعلمين، ومن وسائل الإعلام ومختلف المؤسسات المجتمعية، والعصبية القبلية تنمو مع الفرد بشكل تدريجي، لأنه يلاحظ في مجتمعه مظاهر تباعد جماعته عن الجماعة التي هم بصدد التعصب ضدها، ويرمونها بصفات النقص والدونية، ومن ثم يصبح معدا لكي يلاحظ الفروق ويدرك تهديدها واستهدافها لأمنه ومكانته داخل مجتمعه.

من المعلوم أنه من أهم مقدمات نشوء الأمة نجد القبيلة، ورغم تأكيدنا لذلك إلا أننا لا يجب أن نقع في استنتاج مضلل أو خاطئ وهو أن النفوذ القبلي طبيعي وصحيح، ولابد من إدامته أو تغذيته، فحينما تستقوي القبيلة برابطتها القوية المتماسكة على الوطن ومركزية الدولة قد تحدث خللا وتفككا في بنية تلك الدولة، لذلك يصبح من الضروري أن تخضع لصيرورة تاريخية طبيعية، تكون قائمة على حقيقة مفادها أن التحول من المجتمع القبائلي أو العشائري إلى مجتمع الدولة الوطنية ينقل السلطات الرئيسية من مجتمع القبيلة إلى مجتمع الدولة، وتشمل قوانين الدولة ودستورها تلك المجتمعات.

وتتميز الجزائر بصفة عامة بانتشار العديد من الكتل القبلية وكثرة مظاهر العصبية لهذه القبائل، فأغلبيتهم يعتبرون أنفسهم يملكون أرقى المقامات، فهم يضنون بأن لهم خصوصية ثقافية وتاريخية تختلف عن القبائل الأخرى، ولذلك لجأ بعضهم إلى احتكار المهن والوظائف الرفيعة، وتركوا الوظائف الوضيعة في أعين الناس للبسطاء، وأصحاب العرقيات المحتقرة.

إن الدولة في بعض الأحيان تقوم بممارسات مبنية على التوازنات والولاءات لا على الكفاءات، فتعيد وبشكل ضمني تأكيد ممارسات العصبية القبلية داخل النسق الوظيفي، عبر توزيع الوظائف الحساسة أو الوظائف السياسية، وليس من الضروري أن يكون تعصبا معلنا، أو تفرقة معلنة، وإنما تلاحظ الجماعات أدق التفاصيل، فمثلا حينما يعين أفراد في مناصب معينة حساسة فهي تستشعرنا إذا كان في هذا التعيين تكافؤ الفرص أو تحيز، وهذه مسألة قد لا يتحدث عنها الناس علانية أو على صفحات الجرائد، ومن الممكن أن تحمل العصبية القبلية بعض التأثيرات الايجابية على النسق الوظيفي، غير أنه من المهم ألا يتحول الاعتزاز بالانتماء للقبيلة إلى عصبية قبلية.

ومن خلال حرصنا على انجاز هذا الكتاب بأحسن وجه، وإخراج هذا العمل بأبهى حلة، وتجسيدا لأهدافنا قمنا بتسطير خطة، ووضع الخطوط العريضة التي استرشدنا بها، فهي تشبه البوصلة التي يدرك بها الباحث إلى أين يتجه في مسيرته البحثية، وانطلاقا من هذه المرتكزات تم تقسيم الخطة إلى مدخل للموضوع وفصلين، احتوى كل فصل على مجموعة من العناصر المترابطة فيما بينها، وسنوضح فيما يلي ما ورد في كل فصل.

بالنسبة للمدخل فهو عبارة عن إطار مفاهيمي وتصوري للموضوع، وقد اشتمل على تحديد وضبط الإشكالية التي تعتبر المحور الرئيسي، بالإضافة إلى توضيح الأسباب التي دفعتنا لاختيار هذا الموضوع دون غيره، ثم تطرقنا للأهمية التي يحظى بها هذا الموضوع، والأهداف المرجى تحقيقها من خلاله، وكذا تحديد المفاهيم الأساسية وكشف الغموض الذي يشوبها، باعتبارها كلمات مفتاحية لاستيعاب مضمون الكتاب.

الفصل الأول من خلاله قمنا بمعالجة نظرية للعصبية القبلية عبر ثلاث مباحث، فالأول خصصناه للعصبية ومختلف أنواعها وتصنيفاتها، وكذلك الدورة العصبية كما وضحها ابن خلدون بالإضافة إلى أهم النظريات المفسرة للاتجاهات العصبية، ثم عرضنا وجهات نظر مؤيدة وأخرى معارضة للعصبية، أما الثاني فقد تضمن القبلية، ومختلف قبائل الأوراس من منظور بنائي وظيفي ثقافي، وإطلالة على ثقافة القبيلة في ظل المجتمع المدني، ثم العرف والنزاع القبليين وكذا الولاء القبلي والتغير من القبيلة إلى المدينة، والمبحث الثالث جمعنا فيه بين المتغيرين السابقين ليكون عنوانه العصبية القبلية، حيث تضمن الأسس التي تقوم عليها، وعلاقتها بالعديد من المتغيرات كالملك، الوطنية، الحمية، والتماسك الاجتماعي.

أما الفصل الثاني فقد قمنا فيه بتحليل سوسيولوجي للنسق الوظيفي وعلاقته بالعصبية القبلية، وقد احتوى بدوره على ثلاث مباحث، فارتأينا أن نخصص الأول لتوضيح معنى النسق والتطرق لأنواعه كالنسق الثقافي، القرابي، الاقتصادي، والإيديولوجي البراغماتي، والثاني اشتمل على النسق الوظيفي حيث عرضنا من خلاله النسق والعلاقة الوظيفية بين العائلة والمجتمع، بالإضافة إلى النظرية البنائية الوظيفية، وبعض العناصر ذات الصلة كالأداء، الرضا، والإحباط الوظيفي، وآخر مبحث قمنا فيه بالجمع بين المبحثين السابقين أي النسق الوظيفي والعصبية القبلية، عن طريق تحليل وظيفي للنظام القبلي، والتعرض للوظائف بين الكفاءات والولاءات، ثم علاقة العصبية القبلية بالنسق الوظيفي، وواقعها في التنظيم الجزائري.