تفصيل

  • الصفحات : 239 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-280-4.

لقد قطعت المجتمعات البشريّة عديد الأشواط في مجالات الحياة البشريّة، لكن بالرّغم من هذا كلّه فإنّنا لا نكل ولا نمل من العودة للحديث عن بعض ملامح هذه الحياة الاجتماعيّة، وما يمكن أن تخفيه بين جنباتها من ظواهر أثقلت كاهل البشريّة، وأربكت فكر الباحثين المتمرِّسين، لتحتل الصّدارة ضمن إرهاصاتهم العلميّة وهواجسهم البحثيّة، نظرا لما تحمله من مضامين ولّدت وخلقت العديد من التّبعات ومسبِّبات، ليست قائمة بمعزل عن تشابك قوي مع ظواهـر أخرى ليست فقط ذات سحنة اجتماعيّة، بقدر ما يمكن أن تكون ذو منحى يصب عضد المجتمع ككـل.

هـو *الفقر* إذن، المشكلة الاجتماعيّة، الاقتصاديّة، فالسِّياسية المعروفة عالميّا، الشّغل الشّاغل للعديد من المؤتمرات العلميّة، والمحافل الدّوليّة، والمنظّمات العالميّة، والمصطلح الّذي لا يعرف الثّبات في مفهومه، نتيجة لاستخداماته المختلفة، غير منسلخة عن جلدة الانتماءات المذهبية والأيديولوجية، وحقيقة لا مفر منها لم ولن تندثر، والقاسم المشترك الأكبر بين المجتمعات البشريّة قاطبة، متفاوت في حجمه وطبيعته ومعدلاته وفئاته الاجتماعية المتضرِّرة منه، والظاهرة التي لها امتداد وتراكم تاريخي، لتصبح بذلك ظاهرة قديمة حديثة لا تعرف زمكانية محددة، حتى الدِّيانات هي الأخرى كان لها الحظ الوافر في محاولة معالجة هذه المعضلة، ظاهرة لها امتدادية شاسعة جعلت منها ليست مجرد حالة عابرة، بل وضعية لها معايير محدّدة، صنعت منها صورة واضحة بذات المجتمع.

أصبح *الفقر* بذلك يمثل أكبر التّحديات العالميّة التي تواجهها التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة معا، كونه العقبة الواقفة بوجه تطبيق التّنمية بنجاعة تامة؛ إذ أنّ “تصاعد الاهتمام بضرورة القضاء على هذه العقبة كان بعد اختتام القمة العالمية للتّنمية الاجتماعية في *كوبنها* سنة 1995، الّتي دعت إلى التزام عالمي بمكافحة الفقر وإزالة آثاره”[1]، مع العلم بأنّ مع نهاية الثّمانينيات وبداية التّسعينيات “أصبحت الدّول النّامية تعاني من انخفاض مستوى الدّخل نتاج لأسباب متداخلة سواء داخليّة منها أو خارجيّة، الأمر الّذي أدى بها إلى الاقتراض الخارجي فعجزها عن سداد التزامها الخارجي”[2]، وبالتّالي وقعت العديد من الدّول النّامية بمصيدة الفقر الشّائكة، لتصبح هذه الظاهرة أكبر تحديات هذا القرن، وهاجسه المؤرق الذي عكّر ويعكِّر صفو الشعوب، لذلك “فقد صدر عام 2000 أوّل تقرير مشترك بين هيئة الأمم المتحدة والبنك الدّولي وصندوق النّقد الدّولي ومنظمة التّعاون والتّنمية الدّولية تحت عنوان: “عالم أفضل للجميع“، والّذي يسلِّط الضّوء على موضوع الفقر على اعتباره أكبر تَحَدٍّ يواجه العالم”[3].

نفس الحال بالنِّسبة للوطن العربي، الذي لم يسلم هو الآخر من قهرية هذه الظاهرة التي عرفت انتشارا واسعا، خاصة بعد موجة الثورات الدّاخلية التي زحفت لعمق أنظمة هذه الدّول، مشكِّلة هوة على مستوى مجالات التّنمية بكل أنواعها بذاتها، ولما استفحلت هذه الثورات جسد هذه الدّول فإنّها قد تركت موضع أثر قد صاحبه العديد من المظاهر من مثل: التّهميش، البطالة، الفقر…، من دون أن نغفل مسألة الاختلالات التطبيقية لبعض السِّياسات التنموية الاقتصادية وطبيعة أبينة النّظم الاجتماعية لبعض الدّول، كلّها كان لها الدّور الرِّيادي في بزوغ واستفحال الفقر بهذه المجتمعات.

أمّا عن تزايد نسب انتشار الفقر في المجتمع الجزائري، هذا الأخير الّذي عرف مراحل انتقاليّة، فقد بـدأ خلال عشرية الثّمانينيات، نتيجة لاعتبارات منها: انخفاض أسعار الذّهب الأسود، ارتفاع المديونية، عدم الاهتمام الأوسع بالقطاع الفلاحي، بعض الظّواهر الطبيعيّة غير المساعدة على تحقيق مشروع التّنمية الاقتصادية من مثل: التّصحر، الجفاف…، وفيما يخص توزيع انتشار ظاهرة الفقر بالمجتمع الجزائري، فقد اختلف توزيعه وفقا لجغرافية المناطق وخصوصيتها، الأمر الذي جعل من فئة الفقراء تصبح جد عريضة، فقد “أكّدت الإحصائيات الرّسمية أنّ أكثر من أربعة عشر مليون جزائري في حاجة إلى مساعدة اجتماعيّة بعد عملية رفع الدّعم عن المواد الأساسيّة”[4]، ليصبح بذلك الفقر الواقع المرير الذي تعشه فئة معيّنة نتيجة لأسباب وعوامل وظروف أكّدت وجوده بالمجتمع، ومع فكرة المعايشة سيتولّد لا محالة تمثلا يختلف باختلاف الفاعلين الاجتماعيين وخصائصهم السوسيو ديمغرافية، وحتى الاقتصادية، هنا مكمن هاجسنا العلمي، وهو محاولة التّعرف على التّمثلات التي يحملها الأفراد عن هذه الظاهرة من ماهيتها، أسبابها، وأنماطها، والمفاهيم الدالة عليها، من دون أن ننسى الفئة المتضرِّرة بطريقة مباشرة ألا وهي فئة الفقراء، التي لها تَمَثُل هي الأخرى يختلف باختلاف العوامل المؤثِّرة في بلورة بنية نظام التمثل الخاص بمفهوم الفقير عند كل فرد، هو في حقيقته فاعل معبِّر عن عائلة معيّنة تختلف في نظام تفكيرها، وحتّى طريقة عيشها عن العوائل الأخرى.

إنّ الهدف الأساسي من كتابة هدا الكتاب بالدرجة الأولى هو تقديم نظرة نظرية عن الفقر بصفة عامة، ومحاولة تشخيص التّصورات الّتي يقدمها أفراد العائلة الجزائريّة لمفهوم الفقر على وجه الخصوص، الأمر الذي من شأنه تحديد الجهاز التصوري المفاهيمي لهذه الظاهرة.

في هذه الدِّراسة المقدمة لقرائنا الكرام حاولنا عن طريقها معرفة طبيعة التمثلات التي تحملها الأسر الجزائرية عن ظاهرة الفقـر، معتمدين بكتابنا هذا على الخطاطة الآتية في تقسيم موضوع دراستنا، فقد احتوى الكتاب على * ستة فصول*، بالنِّسبة للفصل الأوّل تناولنا فيه  “ماهية الفقر، في حين خصصنا  *الفصل الثاني” لـــــلفقر بين الأسباب والمظاهر”، أمّا الفصل الثالث فقد دار مضمونه حول ” النظريات المفسرة للفقر”، في حين كان محتوى  *الفصل الرابع*من الكتاب حول” كرونولوجية الفقر“. أمّا الفصل الخامس فقد خصصناه “لتاريخية ظاهرة الفقر في الجزائر“، في حين عُني الفصل السادس والسابع بــ “تمثلات الفقر والفقير لدى أفراد العائلة الجزائرية“، كخلاصة للبحث تم تقديم الخاتمة العامة.

[1] – نادر عزت سعيد وآخرون، الفقر في فلسطين: دراسة حالات، دون طبعة، برنامج دراسات التنمية: فلسطين، 1998، ص 05.

[2] -نادية جبر عبد الله، الفقر وطرق قياسه:اتجاهات نظرية ومنهجية حديثة، ط01، دار فرحة للنشر والتوزيع: مصر، 2004، ص ص 03-04.

[3] -عدنان داود العذاري، هدى زوير الدعمي، قياس مؤشرات ظاهرة الفقر  في الوطن العربي، ط 01، دار جرير للنشر والتوزيع: الأردن، 2010، ص 91.

[4]– الطيب العماري، التحولات السوسيو ثقافية في المجتمع الجزائري وإشكالية الهوية، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، عدد خاص بالملتقى الدولي الأوّل حول الهوية والمجالات الاجتماعية في ظل التّحولات السوسيو ثقافية في المجتمع الجزائري، ص 437.