تفصيل

  • الصفحات : 284 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-282-8.

الحمد لله سبحانه بما له من المحامد على ما أسبغ من نعمه البوادي والعوائد، حمدًا كثيرًا طيّبًا مبارَكًا فيه، هو خير ما ابتُدِئَ به كتاب، وافتُتِحَ به خطاب، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد، النبيّ المكرّم، الشّافع المقرَّب، المبعوث آخرًا والمصطفى أوّلًا، المرسَل رحمةً للعالمين وقدوةً للعارفين، وعلى آله وأصحابه الطّاهرين، وعلى سائر عباد الله الصّالحين، أمّا بعد:

فإنّ أهل كلّ لسان، وباحثي كلّ أمّة، قد تكلّموا في النّقد وفي نقد النّقد، فتفلسفوا فيهما مع كلّ زمان، وفي كلّ مكان، وإنّ كلّ متكلِّم منهم قد استفرغ طاقته وبذل مجهوده في جمع المُجَمَّع والمُشتَّت، أو تفصيل المُفَصَّل والمُجْمَل، أو إبداع المنعدِم، أو إعدام المُبْدَع، وقد أكثروا في ذلك وأخذوا فيه كلّ مأخذ حتّى احتاجت الدّراسات إلى دراسات!.

وإنّ في النّقد أَوْلَى ما عُنِيَ به الطّالبُ، ورَغِبَ فيه الرّاغبُ، وصَرَفَ إليه الباحثُ همَّه، وأكّد فيه عزمه، مُكَاشَفَةُ المنهج والمصطلح النّقديّين، وما اشتملا عليه من وجوه الصّواب، في الإجراءات والصّياغات والمفاهيم التي تُعِين على فهم الآداب، وتقريبها من الألباب، لشَحْذِ الأذهان، وإمتاع الوجدان، فكان منها ما كان.

ولأنّ عقولَ النّاس بادية في حبر أقلامهم، وبارزة في حسن اختيارهم، ولأنّ العِلْمَ أكثر من أن يُحاط به، وجب الأخذ من كلّ شيء أحسنه، امتثالًا لقوله عزّ وجلّ: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمُ أُولُو الاَلْبَابِ﴾ {الزّمر، 17}، وقد اخترت ممّا كان من الاجتهادات النّقديّة إسهامات النّاقد الجزائريّ عبد الملك مرتاض في المنهج والمصطلح، وجعلتُها موضوعًا لهذا الكتاب، الذي وَسَمْتُه بـ: “المرجَع الموضَّح في المنهجِ والمصطلَح عند عبد الملك مرتاض”، ذاك أنّ كتابات عبد الملك مرتاض في العصر المعاصر من أكثر الكتابات النّقديّة ثراءً وجِدِّيَّةً، وأشدّها إيغالًا وعمقًا ودقّةً، وأوسعها مصدرًا، وأكبرها جرأةً، وأثراها استدراكًا وإبداعًا، وأجزلها لفظًا، وألطفها معنى، وأحسنها أسلوبًا، وأغناها تطبيقًا، وأقدرها مزاوجةً بين التّراث العربيّ والحداثة الغربيّة، وأوضحها غايةً، بعيدًا عن التّجريد المؤدّي إلى الغموض والتّعمية، وصاحبُها ليس إِمَّعَةً، ولا مخالِفٌ من أجل المخالفة، وإنّما هو عالِمٌ متعلِّمٌ معلِّمٌ، في النّقد مجدِّدٌ مطوِّرٌ، ومستنِدٌ إلى أدلّة وإثباتات، وبراهين وتعليلات، موضوعيٌّ، بعيدٌ عن العنصريّة المفرّقة بين العرب والعجم في الأمور العلميّة، غير متعصّب لسلف، ولا ميّالٍ لخلف.

ولعلّ لبعض ذلك أصبحت اجتهاداتُ عبد الملك مرتاض مؤخَّرًا مادّة علميّة دَسِمَةً تُسِيلُ حِبْرَ أقلام العديد من الباحثين، أو قُلْ تُسِيلُ لُعَابَهُم، خاصّة المهتمّين منهم بالنّقد الجزائريّ، ومع سعي الجامعات الجزائريّة إلى إعطاء أهمّيّة أكبر للنّقد الأدبيّ المحلّي صارت بحوث التّخرّج في جميع مراحل التّعليم الجامعيّ، ليسانس وماستر ودكتوراه، تتناول مواضيع لغويّة وأدبيّة ونقديّة جزائريّة، ونجد ضمن تلك المواضيع أبحاثا كثيرة تخصَّص لدراسة إسهامات النّاقد الجزائريّ عبد الملك مرتاض، من هنا يأتي هذا الكتاب ليكون عونًا وسندًا للطّلبة والأساتذة الباحثين في إنجاز بحوثهم، وليكون مرجعًا واضحًا ثريًّا لأيّ دراسة تتعلّق بهذا النّاقد الفذّ الخِرِّيت.

أسعى من خلال هذا الكتاب إلى إثبات خصوصيّة الممارسة النّقديّة لدى عبد الملك مرتاض، وحضوره المعرفيّ في النّقدين الأدبيّ واللّغويّ على حدّ سواء، وتكييفه لبعض منجزات الحداثة الغربيّة مع الطّرح العربيّ الخالص، وكذا أردتُ من خلاله دراسة محاولة هذا النّاقد الجزائريّ إرساء معالم منهج نقديّ جديد إسهامًا منه في حلّ إشكاليّة المنهج العويصة، ومحاولته ضبط العديد من المصطلحات النّقديّة من خلال اعتماده قواعد خاصّة ابتغاء الحدّ نسبيًّا من فوضى المصطلح وتخليص هذا الأخير من الأخطاء التي شَابَتْه، وبالتّالي أسعى في هذا الكتاب إلى الإجابة عن إشكاليّة مُفادها: كيف يتحدّد التّجديد المنهجيّ تقويمًا وتطويرًا في إسهامات عبد الملك مرتاض النّقديّة؟ وما هي آليّاتُه الإجرائيّة؟ وما مدى نجاعتها ومساهمتها في بلورة منهج نقديّ شموليّ مُقتدِرٍ على استجلاء خفايا وجماليّات النّصّ الأدبيّ؟ وما المصطلحات التي تناولها عبد الملك مرتاض بالدّراسة والضّبط؟ وما القواعد التي اعتمدها في ذلك؟ كلّ هذه المسائل العريضة ومسائل أخرى تدخل ضمنها يحاول هذا الكتاب حلّها والإجابة عنها.

ولتحقيق المبتغى المنشود يسير هذا الكتاب وِفْقَ طريق ناهجة واضحة المعالم تبدأ بمقدّمة يليها مدخل حول عبد الملك مرتاض والنّقد بين الاتّباع والإبداع، ثمّ تنتقل إلى بعض موضوعات التّنظير لدى عبد الملك مرتاض، منهجه فيها وإشكاليّاتها التي عرض لها، كفصل أوّل يحتوي على مباحث، أوّلها الكتابة موقفه منها وإثراءه لماهيّتها وكيفيتها، وثانيها اللّغة الشّعريّة ماهيّتها وخصائصها من منظوره، وثالثها الأسلوبيّات مفهومها وإشكالاتها، ورابع المباحث السّيمائيّات أبعادها التّداوليّة وإجراءاتها، وأدرجتُ في هذا المبحث عنصرًا مهمًّا هو منهجيّة عبد الملك مرتاض في دراسة النّصوص الأدبيّة اعتقادًا وعملًا؛ أي تنظيرًا وتطبيقًا، نظرًا لأخذ منهجه من السّيمائيّة بحظّ كثير، واختتمتُ الفصل الأوّل بمبحث خامس هو منهج عبد الملك مرتاض المستوياتيّ خطواته وإجراءاته.

أمّا الفصل الثّاني من هذا الكتاب فخصَّصتُه للوقوف على إثراء المصطلح وضبطه في منهج عبد الملك مرتاض النقديّ، من خلال عَرْضِ رؤية عبد الملك مرتاض إلى الفوضى المصطلحيّة، وموقفه منها، وحلولها من منظوره، وعرْض ما وقع عليه نظري من مصطلحات سُقْتُها في شكل معجم مصطلحيّ مرتّبة حسب الأحرف الهجائيّة، مرفوقة بترجماتها غالبًا، ومشروحة من عدّة زوايا حسب ما يقتضيه كلّ مصطلح، كعرض صورته الشّائعة وصورته المعدّلة وعلّة التّعديل وأوجه مفاهيمه اللّغويّة والاصطلاحيّة، مع إجراء بعض المقارنات بين الآراء النّقديّة الخاصّة به لدى عبد الملك مرتاض ونقّاد آخرين، إضافة إلى إدراج تعليقات وتعقيبات من قِبَلِي على كلّ ذلك، وهذا الجمع من شأنه أن يختصر على القارئ الوقت والجهد في البحث عن المصطلحات التي تناولها مرتاض بالدّراسة والتّعديل في كتبه الكثيرة.

وأمّا الفصل الثّالث من الكتاب فهو فصل تطبيقيّ خالص، فالتّنظير لا يُغني عن التّطبيق، بل إنّ التّطبيق أنفع للقارئ من التّنظير، ولا خير في التّنظير إنْ لَمْ يَكُنْ قابلًا للتّطبيق، وأنا أنصح القارئ هنا دون حَرَجٍ حتّى تكون الفائدة له في كتابي من أوّله إلى آخره، أنصحُه إن كان يُرِيدُ أن يَفْقَهَ منهجًا نقديًّا ما ويتعلّم اعتمادَه والعمل به في تحليل النّصوص الأدبيّة، بأن لا يقتصر على مراجعة تنظيرات ذلك المنهج، بل يجب عليه الاطّلاع على تطبيقاته لدى سابقيه من الدّارسين ثمّ يوظّفُه على منوالهم في تحليل النّصوص التي يريد تحليلَها، ثمّ بعد ذلك إن أراد أن يأتي بجديد أو إضافة فلا بأس بأن يُدْخِلَ بعض التّعديلات على ذلك المنهج ليكون على الصّورة التي يريدُها وبالنّجاعة التي يَنْشُدُها، وهذا بطبيعة الحال سيُحْسَبُ له إن وُفِّقَ فيه، وسيُحْسَبُ عليه إن لم يوفَّق.

طبّقْتُ في الفصل الثّالث منهج عبد الملك مرتاض المستوياتيّ على آخر رواية صدرت له إلى حدّ ساعة تدوين هذا الكتاب، وهي رواية “عين التّينة”، ورجائي أن أكون أوّل الدّارسين لهذه الرّواية حتّى أحقّق مبدأ الأسبقيّة، وهو مبدأ محمود في البحث العلميّ، وقد وَسَمْتُ الفصل الثّالث بعنوان “معالجة مجهريّة مستوياتيّة تداوليّة لرواية عين التّينة لعبد الملك مرتاض”، صفة المجهريّة لدقّة المنهج، والمستوياتيّة نسبة إلى اسمه، والتّداوليّة لأنّ للتّداوليّة حظٌّ كبير من هذا المنهج كما سيأتي الشّرح لاحقًا، وقسّمْتُ هذا الفصل إلى خمسة مباحث، كلّ مبحث يتناول مستوى من مستويات التّحليل، هي على التّوالي: السّرددة، الشّخصنة، الأزمنة، الحيززة، وسيمائيّة الألوان والأصوات.

هذا وقد بذلتُ جهدي من أجل أن يكون هذا الكتاب حاملًا لدراسة عميقة دقيقة واضحة، فإذا ما أَحَسَّ القارئُ قراءةً متأنّية أنّ هذا البحث يشكّل لديه فهمًا عميقًا حول الموضوع المدروس فذلك أقصى ما أرجوه من أهداف أَعظمُها خدمة لغتنا العربيّة.

د. عبد الله مخطاري

15-03-2021

الشلف – الجزائر