تفصيل

  • الصفحات : 174 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2021،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • ردمك : 978-9931-08-143-2.

إن المشكلة الأخلاقية تمثل في الحقيقة جوهر التساؤل  الفلسفي وليس السبب في ذلك هو أن الأخلاق ملتقي النظر والعمل فحسب، أو أنها نقطة تلاقي كل من الفكر والإرادة فحسب  بل لأن الحقيقة الأخلاقية هي بمثابة همزة وصل بين العالم والإنسان أو الواقع والقيمة. لذا نجد أن الفلاسفة حاولوا إقحام أنفسهم في هذه المشكلة التي تعبر عن روح الإنسانية المتعالية عن عالم الدنايا، والبحث عن ما يُكدر صفوة الحياة الإنسانية، ومعالجتها وكذلك التطرق إلى الطبيعة البشرية أي النظر إلى ماهيتها.

إن غاية المشكلة الأخلاقية هي غاية الفلسفة برمتها، فلقد شبه “ديكارت” الفلسفة بالشجرة جذورها الميتافيزيقا وجذعها العلم الطبيعي وأغصانها بقية العلوم، وهذه ترجع إلى ثلاثة كبرى هي: الطب والميكانيكا والأخلاق، وهذا المبحث الأخير أي الأخلاق يفترض معرفة تامة بالعلوم الأخرى، والتي هي آخر مرتبة من مراتب الحكمة. لكن ما بحثه ديكارت لم ينته به إلى تأسيس أخلاق دائمة وإنما أخلاق مؤقتة فقط لم ترق إلى التأسيس المعرفي الضخم، ومن هذه النقطة التي إنتهى إليها ديكارت، إنطلق فيلسوفنا باروخ إسبينوزا لرسم معالم المشكلة الأخلاقية عنده، والتي تجسدت في كتابه الرئيسي علم الأخلاق، والذي إستعمل فيه المنهج الهندسي، وأراد من هذا الكتاب أن يكون نظيراً لمؤلف “إقليدس” الهندسي في عالم الفلسفة، مؤكداً أنه أراد أن يعالج الإنفعالات والمشاعر البشرية مثلما يعالج عالم الهندسة الدوائر والمثلثات والخطوط وأن ينظر إليها نظرة موضوعية مجردة من كل عناصر التفسير الذاتي، وقد ساعده هذا المنهج على بناء نسق فلسفي شامل تحكمه الضرورة المطلقة، لاشيء في الكون عرضي، بل كل شيء يتحدد وجوده، ويسلك على نحو معين وفق لضرورة الطبيعة الإلهية، هكذا يصرح إسبينوزا وحتى الله في وجوده يعتمد على الضرورة الوحيدة لطبيعته ويتصرف وفقها، ومن ثم لا مجال للحديث عن الحرية، وخاصةً حرية الإنسان، لكن على الرغم من هذا هنالك إقرار بالحرية الأخلاقية وهنا تكمن المشكلة الأخلاقية عند إسبينوزا وهذا ما يدفعنا إلى طرح الإشكال الآتي: كيف يمكن إثبات الحرية في مستواها الأخلاقي داخل نسق تحكمه الضرورة؟ وكيف يمكننا فهم أن حرية الإنسان وهم من جانب ومن جانب آخر نثبت حرية أخلاقية تقوده إلى السعادة؟.

ولحل هذه الإشكالية ونظراً لسعة حجم الدراسة التي نحن بصددها فرضت علينا خطة تجمع بين الطرح المركز من جهة، والشمول من جهة أخرى، والذي يؤمن لنا ضغط الفكرة في محتواها من أجل تحقيق هدف هذه الدراسة التي هي في الأصل دراسة تحليلية للمشكلة الأخلاقية، فجاءت وفق الهيكلة الآتية:

ففي الفصل الأول :(إسبينوزا والمؤثرات الفكرية والفلسفية) كان بمثابة مدخل لفكر إسبينوزا، حيث تطرقنا فيه لحياته وتحليل لأعماله الفلسفية(كتبه)، وكذلك الروافد الفلسفية التي نهل منها إسبينوزا وستسقى منها فلسفته كالتأثير الديكارتي خاصةً في المنهج والثنائية الديكارتية وبعض المصطلحات، والتأثير اليهودي في فكرتي وحدة الوجود وتأثير الأخلاق اليهودية وروافد أخرى مثل روافد يونانية وروافد من الفلسفة الإسلامية. وهذا من أجل تهيئة الأرضية لفهم حيثيات الموضوع الذي خصصناه.

أما الفصل الثاني الذي كان عنوانه: (المشكلة الأخلاقية عند إسبينوزا) وبصورة عامة أفردنا مبحثه الأول لنسق إسبينوزا ذلك أننا لا نفهم المشكلة الأخلاقية إلا ضمن إطار هذا النسق الفلسفي، وذلك من خلال نظرة الواحدية للكون عند إسبينوزا ( وحدة الجوهر) وكذلك المنهج الهندسي الذي إستخدمه في تحليل قضاياه، وذلك من خلال التركيز على كتاب الأخلاق لأنه الكتاب الرئيسي لإسبينوزا. ثم تطرقناً بعدها إلى المشكلة الأخلاقية عند إسبينوزا التي تعبر عن صلب موضوعنا، بحيث حاولنا فهم حرية الإنسان الأخلاقية بعد إنتفاء الحرية خاصة في مستواها الشعوري عند عرضنا لنسق إسبينوزا فتطرقنا إلى (الطبيعية الإنسانية  وإنفعالات النفس) كمفاهيم محورية للمشكلة ثم الرجوع إلى الحديث عن ما إقتراحه إسبينوزا (الإنفعالات والتحرر من سلطة عبوديتها)، وذلك من أجل تحقيق السعادة، لنصل في الأخير إلى أن تحقيق السعادة مرهون لمعرفة الإنسان لنظام الضرورة من جانب والسيطرة على الإنفعالات من جانب آخر.

ثم تناولنا في الفصل الثالث: (إمتداد فكر إسبينوزا ومآله) فقد خصصناه للبحث في تأثير فكر إسبينوزا ومدى تعاطي الواقع الفلسفي معه آنذاك وبعده، أما المبحث الثاني فقد كان تقيماً لهذا الفكر الفلسفي الإسبينوزي.

وفي الأخير كخاتمة، التي كانت تعبر عن أبرز النتائج المتوصل إليها من هذه الدراسة وما تمخض عنها من فهم للمشكلة المطروحة.

أما المنهج الذي بدا لنا ذا أهمية لمعالجة مثل هذه القضايا هو المنهج التحليلي  لتحليل أبرز أفكار إسبينوزا حول المشكلة الأخلاقية عنده، وتتبع مسار أفكاره الفلسفية بدقة وعناية دون إغفال أي عنصر كما منحنا تسلسل منهجي يفيدنا في ربط الأفكار وكذا في عملية تحريرها، كما كان للمنهج المقارن نصيب في هذا البحث ولكن بدرجة أقل من المنهج الأول حيث تم إستخدامه في إجراء مقارنة للطبيعة البشرية بين ديكارت وهوبز وإسبينوزا قصد إيضاح الطبيعة البشرية عند إسبينوزا.

وهدفنا من خلال هذه الدراسة ومن خلال هذا المنهج هو:

– إجراء دراسة تحليلية لكتاب “علم الأخلاق” الذي يعبر عن جوهر أو خلاصة فلسفة إسبينوزا، فهدف دراستنا هو بمثابة قراءة لكتاب الأخلاق للوصول إلى تحليل أعمق للمشكلة الأخلاقية.

– معرفة وشرح أفكار إسبينوزا المتعلقة بالمشكلة الأخلاقية وكذلك بالنسبة لمسألة الطبيعة البشرية وكيفية تعامل إسبينوزا معها، وكيف نظر إلى علاقة الإنسان بالنظام الكوني.

– كما تهدف هذه الدراسة إلى الاهتمام بالمفكرين من هذا النوع، لأنه يعبر عن نموذج ساهم بشكل فعال في الفكر الفلسفي الحديث، خاصة في مجال الأخلاق الذي عبر عنه بصورة رائعة، تحمل سمات الموضوعية في طريقة الطرح والمعالجة لموضوعاته الأخلاقية.

– كما تهدف هذه الدراسة إلى معرفة المفهوم الفلسفي للمشكلة الأخلاقية التي كانت تعبر عن روح العصر الفلسفي الحديث، خاصةً وأنها كانت المشروع الفلسفي لكل فلاسفة العصر الحديث، لا سيما الفيلسوف “ديكارت”.