تفصيل

  • الصفحات : 134 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-691-59-4.

يعد تراثنا المعجمي بما يمثل من تجارب رائدة، وما يتضمنه من اجتهادات علمية، وبما يقترح من منهجيات محكمة، وما يزخر به من اتجاهات متباينة رصيداً ثريا، وأساساً متينا لصناعة المعجم العربي الحديث؛ فهو يشتمل على أنماط مختلفة من المعاجم؛ إذ لم تقتصر الصناعة المعجمية لدى أسلافنا على مجال معجمي واحد، بل شملت مختلف ميادين المعجمية، العامة منها والمتخصّصة، وهذا ما جعل العربية تمتلك ثروة لغوية واصطلاحية هائلة؛ وهذا ما أهّل متكلميها لبلوغ مراتب عليا في منازل العلم والأدب في عصور كانت فيه أوربا تغط في سبات عميق.

وفي هذا الصدد يندرج هذا الكتاب الذي يضم خمسة فصول متكاملة، تمثل مجموعة مباحث متنوعة حاولت كشف إسهامات العرب القدماء في مجال صناعة المعاجم المتخصصة، مع تحليل دقيق لمتونها، ونقد منهجي لمضامينها؛ بغية رصد معالم الصناعة المعجمية التراثية، وتحديد معالم تميزها، وتعيين نقائصها.

فقد اهتم الفصل الأول بتحديد عوامل ظهور التأليف المعجمي المتخصص في الثقافة العربية، مع تتبع أهم مراحل تشكلّه؛ انطلاقا من كون العرب القدماء أسسوا حضارةً علميةً راقيةً؛ نتيجة تطور الدراسات العربية القديمة في مختلف الميادين تطورًا كبيرًا، ونشأت جراء ذلك علوم متنوعة في مختلف المجالات، تفرّعت بدورها لتشمل مختلف مناحي الحياة بحسب تعدد الحاجات، وتباين المطالب، وكان من الطبيعي أن يصحب هذا الاتساع في العلوم والفنون نمو في المصطلحات التي تعبّر عن المفاهيم الكثيرة المستجدة، وكان ذلك حريًا بأن يحفز العلماء على تبني طريقة جديدة في التأليف تتناسب والنقلة الحضارية للأمة؛ فلقد ظهرت عدة معاجم متخصّصة في اصطلاحات العلوم، سواء أكانت مقتصرة على مجال بذاته، أو كانت موسوعية اشتملت على مجالات معرفية عديدة.

ورصد الفصل الثاني جهود العرب القدماء في وضع المعاجم الموسوعية الاصطلاحية؛ انطلاقا من كون المعجم المتخصّص التراثي أحد المصادر الهامّة في تنمية المعارف وتطوير العلوم عند القدماء؛ إذ تفنّن أسلافنا في تصنيف معاجم اللغة الخاصة التي يتخاطب بها أهل الفنون، وأصحاب الصنائع؛ فقد اتجه عدد لا بأس به المصنّفين لوضع معاجم اصطلاحية موسوعية، تكمن وظيفتها الأساسية في رصد المصطلحات العلمية، ولقد امتدّ هذا التأليف المعجمي على مدار ثمانية قرون كاملة؛ توالت فيها هذه المصنّفات مواكبةً لتطوّر العلوم، ومستوعبةً لشتى المعارف، في شتى المجالات، لغوية كانت أم شرعية، أم حقيقية؛ فبعد أن وضع الخوارزمي الكاتب (387هـ) معجمه “مفاتيح العلوم” توالت المعاجم ظهر كتاب “التعريفات” للشريف الجرجاني (816هـ)، ثم “مقاليد العلوم في الحدود والرسوم” للسيوطي (911هـ)، و”التوفيق على مهمات التعاريف” للمناوي (1031ه)، و”أبجد العلوم” للقنوجي (1307هـ)، و”الكليات” لأبي البقاء الكفوي (1094هـ)، و”كشّاف اصطلاحات الفنون” للتّهانوي (المتوفى بعد 1158هـ).

وحاول الفصل الثالث تقديم قراءة وصفية تحليلية مفصّلةً لمعجم “مفاتيح العلوم” للخوارزمي الكاتب؛ لأنه أول معجم موسوعي اصطلاحي عربي يظهر للوجود؛ لكان لابد من دراسته بشيء من التعمق؛ بغية الإلمام بقضايا المصطلح العلمي في متنه، وبيان الخصائص العامة له، وتحديد الأسس النظرية والإجراءات المنهجية التي اعتمدها واضعه.

ورصد الفصل الرابع ملامح الصناعة المعجمية الحديثة في المعاجم الاصطلاحية الموسوعية التراثية، ورصد جوانب التميّز فيها، وبيّن مدى استجابة هذه المصنفات لمبادئ الصناعة المعجمية الحديثة، وأبرز كيفية استثمارها في النهوض بالمعجم العربي المتخصّص في العصر الحديث.

وكشف الفصل الخامس عن مظاهر التكامل المعرفي في التأليف المعجمي التراثي المتخصص؛ من خلال رصد هذه المؤلفات لجلّ المصطلحات المتداولة بين العلماء في شتى المجالات المعرفية، شرعية ًكانت أم لغويةً، أصيلةً كانت أم دخيلةً، في كتاب واحد؛ بغية تزويد المتعلّم بالقدر الكافي من المصطلحات التي تمكّنه من استيعاب علوم العصر، وبيّن كيف جسّدت هذه المصنّفات التواشج بين العلوم المختلفة في الحضارة الإسلامية؛ انطلاقا ما يظهره الطابع الموسوعي لهذه المصنّفات في اشتمالها على عدة حقول معرفية في آن واحد؛ كالتفسير، الحديث، الفقه، أصول الكلام، الجدل، النحو، الصرف، المعاني، البيان، العروض، المنطق، الحكمة، الهيئة، الهندسة، الحساب، الموسيقى، النجوم، الطبّ، الأخلاق، التصوف؛ نظراً لكون الثقافة الإسلامية- ومنذ نزول القرآن الكريم- كانت تستدعي الإلمام بعدة علوم معاً؛ لفهم كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا حصل هذا التداخل المعرفي والتلاقح العلمي بين علوم الشريعة، وعلوم الآلة؛ خدمةً لهذه الغاية النبيلة.

وأحمد الله أوّلاً وأخيراً على ما أمدّني به من العون التوفيق، وأستغفره لما قد يصدر من زلل أو سوء تقدير.

وأسأله أن يهدينا سبل الرّشاد