تفصيل

  • الصفحات : 273 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-574-4.

مقدمة

يمثل موضوع هذا الكتاب دراسة أساليب وأنماط القيادة عند المرأة في المجال المقاولاتي، وهو يستمد أهميته من خلال التغيرات والتحولات في التنظيم بصورة خاصة والتحولات المحلية والإقليمية والدولية بصورة عامة، فالقيادة كمظهر للتنظيم تمثل القوة التي تتدفق لتوجيه الطاقات بأسلوب متناسق يضمن عمل الأفراد داخل الجماعة والمنظمة، بحيث تُعد القيادة الكفأة أحد المميزات الرئيسية التي يمكن بواسطتها التمييز بين المنظمات الناجحة وغير الناجحة .

فتحاول بعض الدول العربية دمج المرأة في عملية التنمية وتمكينها من أداء دورها الفعال وبناء قدراتها بوصفها شريكا في تنمية المجتمع وتقدمه لتصبح على مستوى عال من العلم والمعرفة، وهو من أهم أولويات الدول والمنظمات كذلك، كما يعد حصول المرأة على مسؤوليات يجعلها أكثر إبرازا لقدراتها وكفاءتها، حيث أنها استطاعت أن تتجاوز الحدود التي رسختها بعض العادات والتقاليد من خلال إدراكها الفعّال ووعيها المتطور، فكان التعليم والعمل أهم مرتكزات الطريق الذي رسمته في حياتها، وبذلك تواجدت في كل المجالات، وأخذت دورا جديدا ضمن عملية التفاعل الاجتماعي.

لقد شهد التاريخ العديد من الشخصيات النسائية التي تحمل صفات القائدة الناجحة، فشعب اليمن أولى بلقيس ابنة ملك سبأ التي برزت بقوتها حين قرر الملك الفرار بعدما أخبروه حكماؤه بانهيار سد مأرب تاركا المدينة هو وأسرته ومن معه من الأتباع، فابنته التي كانت تعبد النجوم والكواكب أعلنت أنها ستظل في سبأ لتعمل على إنقاذها، وخاطرت بذلك بعدما فر والدها، حينها أعطى شعب سبأ بلقيس لواء القيادة، فصنعت حضارة عظيمة، بعد أن حكمت اليمن حكما ديمقراطيا بالحكمة التي كانت تتميز بها، من خلال النص القرآني: ﴿ نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين الآية 33 سورة النمل.

ويسجل التاريخ كذلك “فاطمة الفهرية” مؤسّسة لأول جامعة في التاريخ، والتي لقبت بأم البنين، حيث وضعت حجر الأساس لجامعة القرويين في مدينة فاس بالمغرب لتساهم في إنشاء إحدى أكبر وأهم المؤسسات التعليمية في التاريخ، و”جميلة بوحيرد، الجزائرية التي ناضلت وحاربت الاستعمار الفرنسي في الجزائر حتى أصبحت المطلوبة رقم واحد لدى الفرنسيين، ولقبت “بالشهيدة الحية”، وكانت أول المتطوعات لزرع القنابل في أماكن تجمع الفرنسيين في الجزائر.

وفضلا عن ذلك المستوى المتطور الذي بلغته المرأة الجزائرية من حيث القدرة والكفاءة والأهلية والرغبة في العمل، جعلها تتمكن من تحقيق نجاحات ملحوظة في المشاريع الريادية وأصبحت رافدا رئيسيا من روافد الاقتصاد الوطني، كما أن هناك العديد من العوامل التي أسهمت في تعزيز دور المرأة الوظيفي، كتراجع معدل دخل الأسرة، وتنامي ظاهرة العولمة وما يصاحبها من تقارب للثقافات وتكامل للاقتصاد في رغبة مسبوقة لتحسين الظروف المعيشية للأسرة وذلك بدعم ومساندة المرأة وتمكينها اقتصاديا.

وجذير بالذكر مسار الإصلاحات الاقتصادية بالجزائر والتحول نحو الاقتصاد الحر بإعطاء الأهمية الكبرى لإنشاء المؤسسات المصغرة، فكانت المقاولة هي وليدة ذلك التحول حيث تم تحرير النشاط الاقتصادي والمبادرات الخاصة تدريجيا أغلبها كان ضمن ما يسمى ببرامج إعادة الهيكلة التي فرضتها المؤسسات المالية، فمن هذا المنطلق بدأ يظهر في المجتمع فاعلون يعملون للحصول على مكانة اجتماعية جديدة ضمن السياسة المشجعة لتكوين طبقة جديدة وهي طبقة المقاولين، وهذا ما تم تسخيره في دعم المبادرات من طرف الهيئات الحكومية بما فيها المؤسسات المالية، ووكالة دعم تشغيل الشباب التي تمنح الحق لكلا الجنسين المرأة والرجل في إنشاء مؤسسة خاصة وفق شروط تحددها الوكالة.

ولابد من الإشارة إلى أن المقاولة عند المرأة تعتبر من أهم الخطوات التي تبادر بها حتى تبرز قدراتها ومهاراتها التي تسمح لها بالظهور في المجتمع كفرد ناجح وقادرة على تغيير واقع أسرتها وواقع الآخرين لتوفير مناصب الشغل مقللة بذلك نسبة البطالة، فالتحولات التنظيمية وولوج المرأة لميادين العمل وبالأخص خوض مجال المقاولة في المؤسسات الخاصة يعود للقانون الجزائري الذي لم يُميّز بين الرجال والنساء في ميادان العمل، فأصبحت عنصر محوري في العمل المقاولاتي رغم ضآلة نسبة مشاركة المرأة الجزائرية المصرح بها في هذا المجال، وبذلك أخذت المبادرة نحو استعمال مختلف معارفها النظرية والتقنية التي تمتلكها وحتى خبرتها ومخزونها الشخصي القيادي بالدخول لهذا الميدان بكل ما يحمل من صعوبات ومخاطر.

يسعى موضوع هذه الدراسة الوصفية التي تنصب في إطار علم اجتماع التنظيم والعمل إلى:

– محاولة فهم وتفسير النمط القيادي وفعل المقاولة عند المرأة الجزائرية، وذلك بالوقوف عند تحديد مفهوم النمط القيادي عند المرأة المقاولة وتعريفها من المنظور السوسيولوجي بإبراز أهم مميزاتها وخصائصها التي تجعل منها واقعا اجتماعيا يخضع لمتطلبات التناول السوسيولوجي.

– عرض أوضاع النساء المقاولات بالجزائر في إمكانية إشراكها في الخطط التنموية، بالإضافة إلى تحليل وتشخيص الأسباب الموضوعية التي تحول دون مشاركة المؤسسات النسائية في التخطيط التنموي بشكل فعال.

– معرفة الصفات والسمات القيادية التي تختص بها المرأة المقاولة عن غيرها من النساء العاملات، مع محاولة توضيح بعض الفروق بين المرأة والرجل في القيادة إن وجدت.

– ومن أجل معرفة النمط القيادي في إطار تنظيمي تكاملي، ثم اللجوء إلى المرؤوسين الذين تقودهم المرأة المقاولة، لأن وجود الأفراد داخل المؤسسة يعد شرطا أساسيا لانتظام بنية الجماعة، ولاشك أن السمات الشخصية للمرؤوسين تلعب دورا مهما وواضحا في القيادة وأرائهم مهمة في تطور الواقع القيادي للمؤسسة.

– التوقع بإفادة الباحثين في مجال علم الاجتماع العمل بالعرض النظري للدراسة والدراسات السابقة، والنتائج المتوصل إليها في الميدان، وذلك بميلاد بحوث جديدة.

تضمن هذا الكتاب واقع القيادة النسائية في عالم المقاولة لتسيير المؤسسات الخاصة بها، والإعتماد على بعض المتغيرات التي تسمح بذلك، حيث تم إدراج مجموعة من الفصول في إطار الدراسة، أحدهما الإطار النظري والآخر الإطار الميداني.

فالإطار النظري اشتمل على الفصل الأول تم فيه عرض الإطار المنهجي للدراسة، والتطرق إلى مختلف الخطوات المنهجية لتناول الموضوع، وذلك من خلال عرض أهم الأسباب لإختيار الموضوع، ثم إشكالية الدراسة وفرضياتها، مع التحديد الإصطلاحي لمختلف المفاهيم المستخدمة في البحث، ثم التطرق لأهم النظريات المعتمدة في الدراسة للمقاربة السوسيولوجية مع الموضوع.

أمّا الفصل الثاني يتحدث فيه عن المشروع المصغر في الجزائر والمقاولة، تم التطرق لعرض لمحة عن تاريخ المؤسسة الجزائرية من خلال توضيح المشروع المصغر وآليات دعمه في الجزائر وكذلك تطور العمل في المقاولة المصغرة، وكذا الدوافع المحفزة لفعل المقاولة، وتم الإنتقال إلى أهم الخصائص التي يجب أن تتوفر في المرأة المقاولة، وعرض النشاط الإقتصادي والتشغيل والبطالة في الجزائر.

والفصل الثالث كان المحور الأساسي لموضوع الدراسة وهو سوسيولوجية المرأة المقاولة، حيث اشتمل على أهم العناصر التي تبرز النشاط السوسيو- اقتصادي للمرأة الجزائرية،  ولمحة عن الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية للمجتمع الجزائري، كما تم عرض واقع المرأة الجزائرية والمعطيات المحددة لذلك، وتم بالتفصيل تقديم موضوع المقاولة النسائية.

ثم جاء الفصل الرابع عن ظاهرة القيادة والقيادة النسائية، فكان من أهم عناصرها أهمية دراسة ظاهرة القيادة وأنواعها، ثم القيادة النسائية كموضوع للدراسة السوسيولوجية .

أمّا في الجانب الميداني، جاء في الفصل الخامس الإجراءات المنهجية للدراسة، كان بدايتها في صعوبات الدراسة، ثم عينة البحث وكيفية تصميمها، مع التطرق لمجالات الدراسة.

والفصل السادس الذي تم فيه بناء وتحليل الجداول الخاص بالبيانات العامة، وخاص بالفرضيات التي تم استقراءها في الميدان لكل فرضية، وأخيرا مناقشة النتائج وتأويلها سوسيولوجيا ومقارنتها بالفرضيات، وفي نهاية البحث والدراسة جاء الاستنتاج العام، ثم الخاتمة.