تفصيل

  • الصفحات : 272 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-691-01-3.

لاشك، وأنه حين نتحدث عن الرّواية العربية-اليوم-، فإننا نتحدث عن فن أدبي له أصوله ومرجعياته وعناصره الشّكلية والفنية المميزةعلى الرّغممن أسبقية ظهور الرّواية الغربية فنيا وتاريخيا عليها، إلا أنها استطاعت أن تجد لنفسها مكانة خاصة ضمن خانة الفنون الأدبية الكثيرة والمتعددة، حيث استطاعت-بحق-أن تمثل صورة الواقع والإنسان، وتستقطب هواجس الذّات العربية بكل ما فيها من توهجات شعورية نفسية واجتماعية وتاريخية…تتصارع في فضاء تناقضات الواقع والحياة، كيف لا وهي فن الواقع بلا منازع تتشابك معه لتقول ما قاله هو، وتتلبس لباسه، فترتهن -إذ ذاك-بحيثياته وعناصر تكونه؛لتكون بسيطة وسهلة تقترب من القارئ وتمنحه شعورا بالاطمئنان متى كان الواقع كذلك، أوتكون غامضة ومعقدة تؤرق ذهن القارئ وتستفز مخيلته بكثير من العمق والتّدبر الفكري، والفلسفي متى كان الواقع غامضا ومعقدا متمردا ويأبى الرّضوخ للاستقرار.

وفعلا، كانت الرّواية العربية بكل مراحلها الزّمنية والنّوعية حريصة كلالحرص على استحضار الواقع بمختلف موضوعاته، وتناقضاته الحياتية والشّعورية الفكرية، لترتسم على أفق تمثل الذّهنية والفكر العربي -هذا من دون غفلة من الأديب بأن ما يكتبه لا يمكن أن يغادر تخوم الأدب- إيمانا بمقولة أن فهم التّجارب الإنسانية يتطلب معرفة الواقع الذّي تنضوي تحته تلك التّجارب، لتصبح هذه المقولة عاملا أساسيا لاستدعاء النّاقد من جهةللكشف عن فضاءات النّص والبحث في كينونته عن مسارب المعنى وتقلبات الدّلالة، ومن جهة ثانية استدعاء للقارئ حتى يستأنس بالنّص، ويكون على استعداد للدخول لمعالمه، وبالتّالي تحقيق استجابة معينة.

وإثر ذلك جاء الطّموح لإنجاز هذا الكتاب، ليس لأن الفن الرّوائي غدا كما يطلق عليه”ديوان العالم”وبالتّالي، فإن الكتابة عنه ضرورة ملحة من ضرورات الزّمن، بل لأن الرّواية العربية بحد ذاتها أصبحت تحتاج منا الالتّفاتة لأجل النّهوض والسّموبها، خصوصا ونحن نلاحظ حجم الفجوة مابين الإبداع الرّوائي الموجود في السّاحة الأدبية العربية ومابين النّقد الموجه لذلك الإبداع، ومن هذا الأفق حمل الكتاب شغف معاينة النّص الرّوائي العربي، ولربما كان هذا الشّغف يحذوه الأمل في تفعيل ممارسة نقدية روائية عربية أوربما التّقرب-ولوبالشّيء القليل-من التّأسيس لنظريةنقدية وحضارية-إن صح القول-للإبداع الرّوائي العربي، فما هي خصائص الرّواية العربية وما أنساقها النّصية؟وهل هناك توافق بين نظام الواقع ونظام النّص؟وما هي مسارات الكتابة الرّوائية العربية؟…

هذه هي، إذن أبرز الأسئلة التّي يحويها الكتاب، والتّي ستتفرع عنها أسئلة كثيرة يكتشفها القارئ في متن كل دراسة، غير أن رغبة الباحثين في الوقوف على تجارب روائية متنوعة ومتباينة في معانيها ودلالتّها الفنية وفضاءاتها النّصية، قد جعلت منهم لا يتقيدون ببيئة عربية محددة، بل تمتد لتشمل بيئات مختلفة ومتعددة؛فجاءت الأبحاث والدّراسات مختلفة على اختلاف الأقطار العربية، وهم باحثون اجتمعوا على هدف واحد ألا وهوالظّفر بممارسة فعل القراءة على الرّواية العربية، ولاشك أنه على نحوما كان الاختلاف فعالا في الإلمام بحيثيات النّص الرّوائي العربي، فقد ساهم بشكل كبير في توجيه القراءات نحوالتّعدد، وبالتّالي استكشاف مخبوءات كل نص على حِدَّه.

ونحسب أن هذه الأبحاث النّقدية التّي احتواها الكتاب بمجملها هي أبحاثمتميزة؛لأنها تقوم على الاشتغال على منطوق الرّواية العربية تارة وعلى منطقها الفني تارة أخرى، ويبدوجليا للقارئ أن الباحثين ومن خلال عناوينهم التّي يطرحونها في الكتاب، إنما يسعون إلىإثارةإشكاليات حول المفاهيم الأدبية بشتىسماتها الدّلالية وخصوصياتها الجمالية والذّوقية المختلفةوالتّي تشكل محتويات المشهد الرّوائي العربي في تناقضاته الزّمنية وتحولاته النّصية، حيث تروم هذه الدّراسات اكتشاف النّص الرّوائي العربي من خلال تحليل بنياته وتفكيك دلالتّه ومعانيه والغوص في فضائه وفي تمفصلاته المعرفيةسواء الشّكلية منها أو المضمونية، ولاشك أن هدفا كهذا لا يمكن له أن يتحقق إلا إذا تعددتآليات القراءة وتنوعت مناهج الدّراسة والتّحليل، وفعلا هذا ما كان حاضرا في متن الكتاب.

وإذا كان اختيار عنوان هذا الكتاب قد استقر علىالنّص الرّوائي العربي-دراسةفي مسارات التّغيير وتمثلات الذّات، فإن الدّراسات والأبحاث التّي اشتمل عليها الكتاب لا تدعي الاقتراب التّام والنّهائي من النّص العربي أوالكشف عن خصوصيته الشّاملة، لأن الوصول لتحصيل هذه الخصوصية لا يمكن أن تنحصر ضمن كتاب واحد، بل لابد لها حتى تتم أن تُبقي على البحث مفتوحا دائما يستدعيالأفكار يطرحها ويناقشها، ثم بعد ذلك يجعلها متأرجحة مابين أخذ ورد، والأكيد أن النّقد سيبقى مستمرامادام الإبداع هوالآخر مستمرا.

لذلك كله، فإننا نجد أن هذا الكتاب ما هوإلا محاولة طموحة لمساءلة الرّواية العربيةفي شتى مساراتها وانعطافاتها التّعبيرية، وهي محاولة تضم تجارب فكرية ونقدية تتغيا الاقتراب من معرفة واقع النّص العربي الرّوائي، وهي إذ ذاك لا تزعم أنها تقول الحقيقة المؤكدة، والصّارمة صرامة الأيقونات المقدسةالتّي لا نقاش ولا جدال فيها، وإنماهي تقاربها فقط.