تفصيل

  • الصفحات : 271 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-673-4.

يعد البحر الأبيض المتوسط مهد الحضارات وموطن نشوء الأساطيل والفنون والعلوم والتاريخ والفلسفة وغيرها من العلوم الأخرى، وهو الأساس الراسخ لوجود وبقاء شعوب هذه المنطقة التي واصلت مسيرتها وحافظت على تراثه، ويشكل بالنسبة لها مصدرا للتغذية وموردا للعمل.

بدأ تدهور البيئة في البحر الأبيض المتوسط يظهر ليس كأذى لا بد منه ولكن كأذى يمكن محوه، وتدريجيا بدأت هذه الفكرة تتقهقر واضطرت معها الحكومات إلى إيجاد حلول لهذه المشكلة، وبذلك بدأ البحث عن نموذج علاجي لمكافحة التلوث كأولوية في السياسة البيئية، ويعتبر هذا النموذج أن الكل قابل للتعويض والإصلاح، فكل ما تم تلويثه يمكن تنظيفه وكل ما تم تدميره يمكن إرجاعه وفرض الإصلاح الفوري للأضرار المطلوبة كنموذج.[1]

إن ظاهرة التلوث ليست حديثة العهد وإن كان الاهتمام بها حديثا، فالتلوث موجود على الأرض منذ وجدت الحياة ووجد الكائن البشري، فقد حفر الرومان أنفاق المجاري قديما في روما القديمة التي كانت تصب في البحر وعرفوا الزئبق والرصاص والمعادن الأخرى واستعملوها في صناعتهم،كذلك استعمل المصريون القدماء بعض المواد الكيميائية والزيوت خاصة في صناعة الزجاج، كما استخدم الإغريق النفط والكبريت على نطاق واسع في العمليات الحربية والبحرية كالنار الإغريقية. وصنع العرب بدورهم أحماضا مختلفة وتوسعوا في العلوم الكيميائية وعناصرها البسيطة والمركبة في الصناعة والطباعة.

لقد كانت الطبيعة قادرة بقواها الذاتية على امتصاص التلوث وتنقية ذاتها بذاتها، ما دامت كمية التلوث الناتجة محدودة في كميتها وعناصرها إذا ما قيست بالكمية والنوعية الناتجة منذ عصر الثورة الصناعية حتى الآن. ولا عجب في ذلك فقد كان تعداد سكان الأرض لم يتجاوز في مطلع القرن التاسع عشر المليار نسمة فيما يربوا في نهاية القرن العشرين على ستة مليار نسمة.[2] فالبحر الأبيض المتوسط شأنه شأن باقي البحار لم يسلم من التلوث، بل يعتبر من أكثر البحار تلوثا نظرا لطبيعته الخاصة.

لم يكن تدخل القانون في حماية البيئة فعالا إلا منذ عهد قريب نسبيا، وذلك بظهور متخصصين قانونين في مجال البيئة، لوضع آليات قانونية لحماية وإدارة البيئة نتيجة الكوارث البيئية التي حدثت خلال القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين تم وضع ترسانة قانونية هامة على المستوى الدولي والإقليمي والوطني، هذا التدخل القانوني لإنقاذ البيئة لم يكن خالي من الصعوبات، والواقع أن الصعوبات الأولى التي ظهرت

هو تحديد مفهوم القانون البيئي، وهناك عدة نظريات تم تقديمها في هذا الموضوع.

يظهر القانون البيئي في نظر العديد من الباحثين كمفهوم معقد بالنظر إلى علاقته الوثيقة بالعلوم والتكنولوجيا. ” ففهمه يتطلب حد أدنى من المعرفة العلمية وأي تفكير نقدي حول هذا الموضوع يتطلب نهجا متعدد التخصصات.” [3]

إن تدخل العلوم في مجال قانون البيئة كان الهدف منه تنظيم استعمال العناصر الطبيعية،وحمايتها، وإدارتها بشكل عقلاني وبطريقة مستدامة، هذا القانون الذي يصفه البعض ” بقانون التلاقي”بحيث يلتقي فيه من جهة  القانون الداخلي بالقانون الدولي، ومن جهة أخرى القانون الخاص بالقانون العام فهو نظام قانوني جديد.[4]

وعلى ضوء التطورات الحاصلة على مر السنين، تفرع قانون البيئة إلى عدة فروع، فالأضرار التي تصيب البيئة لها أثار محددة على كل مكون من مكونات البيئة، الأرض،  الجو، الغابات، الكائنات الحيوانية والنباتية، المياه الداخلية البرية، المياه البحرية……إلخ.

والفرع من القانون البيئي المتعلق بحماية البيئة البحرية ضد التدهور يسمى قانون البيئة البحرية، بيد أن هناك مخاطر الخلط التي يجب تجنبها، في الواقع يوجد العديد من العلوم القانونية ذات الصلة بالبحر، وعليه فمن المهم التفرقة بين القانون البحري، وقانون البحار، وقانون البيئة البحرية.

فالقانون البحري هو فرع من فروع القانون الخاص، فهو في جوهره قانون التجارة إذ يتضمن الملاحة والأمن البحري، الشحن، عقود النقل البحري ومشاكل المسؤولية، أما قانون البحار فهو فرع من فروع القانون العام الذي ينظم العلاقات بين الدول حول المناطق البحرية.

عرف قانون البحار تطورا كبيرا خلال السنوات الماضية، فأصبح يشمل عدة فروع منها، قانون البيئة البحرية، قانون الاتصالات والتجارة، قانون الثروة البحرية، فقانون البحار يحدد المناطق البحرية عن طريق تقسيم الوسط البحري إلى عدة أقسام، متجاهلا  أهمية المناطق الساحلية، لكن تم ملئ هذا الفراغ عن طريق زيادة التركيز على المناطق الساحلية التي تعتبر حلقة وصل بين اليابس والبحر، وقاع البحر وباطن الأرض وكذلك المجال الجوي فوق البحر، وعليه فقانون البيئة البحرية في هذه الحالة في منتصف الطريق بين قانون البيئة وقانون البحار، والذي  أصبح الآن يتضمن قواعد تتعلق بحماية البيئة البحرية والمحافظة عليها، وهذا اعتراف بأن الأنشطة التي تمارس سواء في البر أو البحر تشكل تهديدا كبيرا للأنظمة البيئية البحرية والساحلية التي صممت لتشكل وحدة واحدة أو تقتصر على منطقة جغرافية معينة، لذا يعتبر البعض أن قانون البيئة البحرية هو نقطة التقاء بين قانون البحار والقانون الدولي للبيئة.

يعكس قانون البيئة البحرية الالتزام القوي للدول والمؤسسات الدولية للتعاون من أجل حماية وإدارة البيئة البحرية والمناطق الساحلية، يرتكز هذا الفرع من القانون الدولي للبيئة على آليات قانونية دولية واتفاقيات دولية وأحكام وقرارات دولية غير ملزمة، وهو السبب الذي يفسر ضرورة ضبط ومعالجة المشاكل البيئية في إطار دولي. فالأستاذ ” ألكسندر كيس[5] يرى أنه ” إذا كانت البيئة غير قابلة للتجزئة، فهذا صحيح بصفة خاصة بالنسبة للبيئة البحرية لأسباب واضحة، فالتلوث البحري لا يمكن مكافحته بفعالية إلا على المستوى الدولي فقط،” فالطابع الفريد للبيئة البحرية يتطلب ضرورة معالجة جميع المشاكل المرتبطة بالبيئة البحرية بشكل كلي وليس بشكل متناثر.

أكدت الدول في ديباجة اتفاقية قانون البحار لعام 1982 وعيها وإدراكها بأن المشاكل المتعلقة بالمناطق البحرية مترابطة ارتباطا وثيقا ويجب النظر فيها ككل،[6] فمعايير القانون الدولي للبيئة تتميز بأنها وظيفية تستجيب لمعالجة مشكلة محددة.

إن النصوص الاتفاقية الأولى التي تم اعتمادها على المستوى الدولي تتعلق بحماية الطبيعة وبصفة خاصة الأنواع الحيوانية والنباتية البرية،[7] ثم تلتها اتفاقيات متعلقة بحماية المياه الحدودية منها: المعاهدة الأمريكية البريطانية المبرمة في 11 يناير 1909 المتعلقة بالمياه الحدودية بين بريطانيا وكندا ( وقتها كانت الولايات المتحدة الأمريكية مستعمرة بريطانية). تم الانتظار حتى الخمسينيات أين ظهرت أولى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية البحر من التلوث.

إن التلوث البحري بالنفط هو أول من جلب الانتباه لوجود مشكلة تتطلب تدابير للمكافحة على المستوى الدولي، وتعتبر اتفاقية لندن المبرمة في 12 ماي 1954 المتعلقة بمنع التلوث البحري بالنفط والمسماة “OILPOL” أول خطوة محتشمة نحو هذا الطريق، والتي تم تعويضها في 02 نوفمبر 1973 باتفاقية “MARPOL ”  للوقاية من التلوث عن طريق السفن، وفي نفس الوقت تم اعتماد عدة اتفاقيات دولية متعلقة بمنع إلقاء النفايات،  والاتفاقية المتعلقة بالمسؤولية المدنية عن الأضرار الناجمة عن التلوث بالنفط.

جرت في إطار منظمة الأمم المتحدة مناقشات واسعة ومهمة تهدف إلى تدوين قواعد دولية تنظم استخدام البحار، وعليه تم عقد ثلاثة مؤتمرات للأمم المتحدة حول قانون البحار. وخلال أشغال المؤتمر الأول الذي انعقد عام 1958 تم اعتماد أربع اتفاقيات: الاتفاقية المتعلقة بأعالي البحار التي دخلت حيز التنفيذ في 30 سبتمبر 1962، الاتفاقية المتعلقة بالجرف القاري التي دخلت حيز التنفيذ في 10 جوان 1964، الاتفاقية المتعلقة بالمياه الإقليمية والمنطقة المتاخمة والتي دخلت حيز التنفيذ في 10 سبتمبر 1964، وأخيرا اتفاقية الصيد وحماية الموارد الحية  في أعالي البحار والتي دخلت حيز التنفيذ في 20 مارس 1966، وتم الانتظار حتى نهاية المؤتمر الثالث الذي دام تسعة سنوات ( 1973- 1982)، أين تم اعتماد الاتفاقية العامة لقانون البحار التي قدمت تعريفا لمفهوم البيئة البحرية.

لعبت المؤسسات الدولية بما فيها الأمم المتحدة، دور كبير في حماية البيئة بصفة عامة والبيئة البحرية بصفة خاصة، وبناءا على ذلك دعت الأمم المتحدة لعقد ثلاثة مؤتمرات خلال ثلاثين سنة، فالمؤتمر الأول للبيئة الذي انعقد في استوكهولم من 5 إلى 16 جوان 1972،والذي يعتبر  بداية انطلاق القانون الدولي للبيئة، انبثق عنه اعتماد إعلان استوكهولم المكون من ستة وعشرون مبدأ ومئة وتسعة توصية، حول ما ينبغي عمله لحماية بيئة الإنسان على كوكب الأرض، ليضع المعالم الأولى لما ينبغي عمله في هذا المجال،[8] بحيث اعترفت الدول الموقعة على هذا الإعلان في ديباجته على: نحن في لحظة من التاريخ أين يجب علينا توجيه أعمالنا في جميع أنحاء العالم، والمزيد من التفكير في انعكاساتها على البيئة.،[9] إلا أنه يظل إعلان بسيط غير ملزم تحاول الدول من خلاله توضيح مواقفها الرسمية بشأن أي واقعة أو حالة معينة، سواء كانت قائمة أو منشودة للدول الأخرى، ويعربون عن نواياهم في المستقبل.

أما المؤتمر الثاني حول البيئة والتنمية  البشرية  الذي  انعقد في ريو من 3 إلى 14 جوان 1992، والذي انبثق عنه سبعة وعشرين مبدأ يبين حقوق وواجبات الدول وجدول أعمال القرن الواحد والعشرين، الذي يشكل خطة عمل عالمية لتحقيق التنمية المستدامة، حيث أنه أدمج الاهتمامات البيئية والاقتصادية والاجتماعية في إطار واحد للسياسات الدولية، كما تضمن الفصل السابع عشر منه الخطة الدولية لحماية البيئة البحرية من التلوث الناتج عن الأنشطة البرية، والتي توضح اهتمام المجتمع الدولي وحرصه على حماية البحار والمحيطات عن طريق الإدارة المستدامة للموارد البحرية.

كما خصص الفصل السابع عشر من برنامج عمل القرن الواحد والعشرين”لحماية المحيطات وكل البحار بما فيها البحار المغلقة وشبه المغلقة والمناطق الساحلية، والاستعمال الرشيد وتنمية الموارد الحية”، هذه الوثيقة تعترف بأن البيئة البحرية بما في ذلك جميع المحيطات والبحار والمناطق الساحلية المتاخمة تشكل كلا واحدا، وتشكل عنصرا أساسيا من عناصر النظام الذي يسمح بالحياة على الأرض، فهو يمثل ثروة تسمح بإمكانية التنمية المستدامة، إذ أنه يجمع في المجالات الأساسية بين الإدارة المتكاملة والتنمية المستدامة للمناطق البحرية، فحماية البيئة البحرية والساحلية تساهم في المحافظة والاستخدام المستدام للموارد البحرية الحية، سواء في المياه الداخلية أو في أعالي البحار، إذ أنها تقدم أجوبة على الشكوك الحرجة في إدارة البيئة البحرية وتغير المناخ، والدعوة إلى تعزيز التعاون والتنسيق الدولي والإقليمي، وأخيرا التنمية المستدامة للبلدان الجزرية الصغيرة، إذ تم معالجة الجوانب المتعلقة بالتنمية المستدامة وحماية البيئة في المؤتمر الثالث حول التنمية المستدامة المنعقد في جوهانسبورغ من 26 أوت إلى 4 سبتمبر 2002.[10]

تم على المستوى الدولي وضع إطار عام للتعاون من أجل حماية البيئة البحرية من التدهور، هذا التعاون الدولي هو المطلوب لتجاوز الانقسامات غير المبررة علميا للقانون الدولي لأن البيئة البحرية هي فريدة من نوعها، وذلك عن طريق وضع آليات قانونية دولية تظهِر حدود الحلول الدولية الشاملة.

إن الإطار الدولي الشامل في الواقع لا يعطي حلول قانونية واجبة التنفيذ ومناسبة لمختلف البحار، لهذا السبب فإن حماية وإدارة البيئة البحرية والساحلية، قد تم النظر فيها على المستوى الإقليمي، فالحاجة إلى تبسيط الإجراءات القانونية والتنفيذ الفعال للمبادئ التي تم تحديدها عالميا وجدت تعبيرا عنها على المستوى الإقليمي.

إن اعتماد قواعد قانونية أكثر إلزام وصرامة تجعل من الإطار القانوني الإقليمي يتجاوز القانون الدولي الشامل، إذ توجد بين المخاطبين به معايير قانونية إقليمية، حيث تجمع بين هؤلاء مصالح مشتركة، وتضامن كبير، ومصير واحد مما يؤدي إلى اعتماد قواعد أكثر صرامة، ففي مثل هذه الظروف فإن سيادة القانون الإقليمي على القانون الدولي الشامل تبدوا واضحة، بالرغم من أنه متنازع عليه.

إن اعتماد المعايير القانونية الإقليمية يكون أسهل بالنظر إلى عدد الدول المشاركة المحدود،[11] وبالتالي فإن تطبيق القواعد القانونية الإقليمية يكون كذلك أسهل، عكس القانون الدولي الشامل وذلك بالنظر إلى النطاق الجغرافي المحدود الذي تنطبق عليه القواعد القانونية، والسبب الرئيسي الذي يبرر هذا التحديد الجغرافي هو قصور الإطار العالمي في تنظيم حماية وإدارة البيئة البحرية بطريقة فعالة، ونفس الشيء بالنسبة لمكافحة بعض مظاهر تلوث البيئة البحرية الذي يتطلب تدابير مفصلة للغاية، واهتمام خاص من قبل الدول لتنفيذها، وهو ما يفسر الحاجة إلى تعاون على مستوى تكون فيه المسؤوليات والمصالح سهلة الإدراك  .

في غياب إطار دولي شامل وفعال يعطي للدول الساحلية الفرصة لممارسة التضامن، لعب  برنامج الأمم المتحدة للبيئة (PNUE)  الذي أنشأ في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة المنعقد في استوكهولم  عام 1972 هذا الدور بتشجيعه للتعاون الإقليمي والمساهمة في تطويره وتحسينه.

إن ظاهرة التعاون الإقليمي والتي يسميها الأستاذ “Pierre Marie Dupuy” القانون الدولي للجوار”[12] تشكل إطار أساسي لحماية بعض الأوساط البيئية خاصة البحار الإقليمية مثل البحر الأبيض المتوسط.

إن أهمية البحر الأبيض المتوسط الاقتصادية والتجارية، وهشاشة بيئته البحرية، باعتباره بحر شبه مغلق،[13] يحتاج تجدد مياهه على الأقل إلى ثمانين سنة ويمكن أن تصل إلى مئة وخمسين سنة، وتعرضه للضغط الديمغرافي والصناعي، نتيجة تركز عدد هائل جدا من السكان على شريط ساحلي يبلغ طوله ستة وأربعون ألف كيلومتر، وما هو صالح منها للاستخدام البشري سوى 40 % فقط، بالإضافة إلى استقطابه لثلث سياح العالم سنويا، جعلت من  البحر الأبيض المتوسط مصب للنفايات والتصريفات المختلفة، وأصبح مهددا بخطر الموت.[14]

أدى ذلك إلى زيادة الوعي بضرورة حماية البيئة البحرية في البحر الأبيض المتوسط، في وقت مبكر من جانب المجتمع الدولي، فابتدءا من عام 1954 أصبحت منطقة البحر الأبيض المتوسط “منطقة ممنوعة” بموجب اتفاقية لندن للوقاية من التلوث بالنفط لعام 1954(OILPOL)، كما اعتبرت بعد ذلك ” منطقة خاصة” بموجب الملحق الأول والثاني والخامس من اتفاقية لندن الدولية المبرمة في 03 نوفمبر 1973 والمتعلقة بالوقاية من التلوث عن طريق السفن (MARPOL)، كما  أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، اختار البحر الأبيض المتوسط لتكريس أول خطة عمل في إطار برنامج البحار الإقليمية،[15] هذا البرنامج الذي بني على أساسه النظام القانوني الحالي لحماية البيئة البحرية في المتوسط من التلوث.

تكمن أهمية الموضوع في ضرورة حماية البيئة البحرية والمناطق الساحلية، من التلوث الذي يتعرض له البحر الأبيض المتوسط، وفي كيفية المحافظة على البيئة دون كبح التنمية الاقتصادية في منطقة تشهد تفاوت كبير بين دول الجنوب التي تعاني مشاكل تنمية، ودول الشمال التي تعرف تقدم اقتصادي وتكنولوجي كبير، فصعوبة التوفيق بين المصالح الاقتصادية للدول، وبين المحافظة على البيئة وحمايتها، يشكل خلفية للجدل المتكرر بشأن  تعزيز حماية البيئة. لذا ينبغي أن لا يكون ذلك ذريعة، ويشكل قصور عن العمل لحماية البيئة البحرية.

يشكل نظام برشلونة لحماية البيئة البحرية والمناطق الساحلية حاليا، إطار شامل ومعقد، وهو ثمرة تطور طويل للقانون الدولي، والعلاقات بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وعلى ضوء ذلك يمكن  طرح الإشكال التالي :هل استطاع  النظام القانوني توفير الحماية اللازمة والفعالة للبيئة البحرية والمناطق الساحلية  في البحر الأبيض المتوسط؟

تقتضي الإجابة على هذا الإشكال، إتباع المنهج التحليلي وذلك بتحليل النصوص القانونية المعتمدة في هذه الدراسة، وكذا المنهج الوصفي من خلال وصف مظاهر التلوث البحري، والآثار الناجمة عنه، ولم يمنع ذلك من إتباع المنهج التاريخي في سرد التطور التاريخي الذي عرفه القانون الدولي للبيئة البحرية.

تم تقسيم موضوع الدراسة الذي يقتصر على النظام الإقليمي فقط، دون النظام الدولي الشامل والداخلي إلى فصلين، تضمن الفصل الأول تنظيم التعاون الدولي لحماية البيئة البحرية   “من خلال التأكيد على التعاون الدولي لحماية البيئة من خلال مبادئ مؤتمر استوكهولم لعام 1972، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في هذا المجال، وأخيرا إلى  نظام برشلونة لحماية البيئة البحرية من التلوث في المتوسط”، من خلال اتفاقية برشلونة الإطار لحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث لعام 1976، والبروتوكولات الملحقة بالاتفاقية والمتعلقة بمكافحة التلوث الناجم عن الإغراق من السفن والطائرات، التلوث بالنفط والمواد الضارة في الحالات الطارئة ثم إلى التلوث من مصادر برية، أما الفصل الثاني فتصمن  ضرورة تكييف النظام القانوني القائم مع التقدم المحرز في القانون الدولي، وإدخال مبادئ جديدة على النظام القانوني تتمثل في مبدأ الحيطة، مبدأ الملوث الدافع، مبدأ التنمية المستدامة، مبدأ الإدارة المتكاملة للسواحل، وتوسيع الالتزامات العامة الملقاة على عاتق الدول المتعاقدة كالالتزام بإعلام الجمهور، والالتزام بصيانة التنوع البيولوجي، وكذا التعديلات التي أدخلت على الاتفاقية الإطار والبروتوكولات الملحقة بها.

[1] Pascale Steichen, Droit de l’environnement ” Notes de cours “, Faculté de droit de Nice, 2005-  2006, p.59.                                                   

[2]– عوض عادل، بحوث مختارة في علوم البيئة، الطبعة الأولى، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، سوريا، 1989، ص.8.

[3] Michel Prieur, Droit de l’environnement, 5ème édition, Précis Dalloz , 2004, p.6.

[4] Raphael Romi, Droit et administration de l’environnement, Ed. Montchrestien, Paris,1999, p.5.

[5]– Alexandre- Charle. Kiss, Droit international de l’environnement, Etudes internationales, Paris, Pédone, 1990, p.173.

[6]– الفقرة الثالثة من ديباجة اتفاقية قانون البحار، المعتمدة بجمايكا، في 10 ديسمبر1982، دخلت حيز التنفيذ في 16نوفمبر1994.

[7]–  اتفاقية باريس لحماية الطيور الضرورية للزراعة المعتمدة في 19 مارس 1902.

[8]– محسن عبد الحميد أفكرين، النظرية العامة للمسؤولية الدولية عن النتائج الضارة عن أفعال لا يحضرها القانون الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999، ص94.

[9]– الفقرة السادسة من ديباجة إعلان مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة، استوكهولم، 1972.

[10] – Dossier documentaire, Sommet mondial sur le développement durable, Johannesburg 2002, Fiche  Mers et océans ,in

,http://www2.environnement.gouv.fr/international/johannesburg2002/fich17.htm

[11] – Dominique Carreau, Droit international, Ed. PEDONE, Paris, 2001, p.93.

[12] – Pierre – Marie . Dupuy, ” Où en est le droit international de l’environnement à la fin du siècle ? “, Annuaire  du droit de la mer, 1997, p. 875.

[13]– المادة 122 من اتفاقية قانون البحار، المعتمدة في 10 ديسمبر 1982 والتي نصت ( يعني “البحر المغلق أو شبه المغلق”، خليجا أو حوضا أو بحرا، تحيط به دولتان أو أكثر، ويتصل ببحر آخر أو بالمحيط بواسطة منفذ ضيق، ……….)

[14]– برنامج الأمم المتحدة للبيئة، خطة العمل من أجل المتوسط، تفاصيل الخطة الزرقاء، العدد 6، ماي 2007، ص1.

[15] -Aymeri de Montesquiou, Rapport  du Sénat .n° 226, Session ordinaire de 1999-2000, 15 mars  2000., P.5.