تفصيل

  • الصفحات : 288 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-309-2.

إن الحقوق بجميع أنواعها، سواء كانت شخصية أم عينية، تنشأ إما عن واقعة قانونية قد ترجع إلى فعل الإنسان، وإما خارجة عن إرادته، فالتصرف القانوني الإرادي عبارة عن اتجاه إرادة الشخص إلى إحداث أثر قانوني، وهذا العمل قد يكون بإرادة منفردة، كما قد يكون باجتماع إرادتين أو أكثر، فالوقائع هي مصدر الروابط القانونية، سواء كانت وقائع قانونية أو وقائع مادية نتيجة عمل طبيعي، يؤدي إلى قيام وضع واقعي ينشأ عن حدوث تعديل فعلي في الأوضاع القائمة، يرتب عليه القانون اكتساب الملكية ابتداء أو انتقالا من الغير.

وتعرض القانون المدني الجزائري إلى نوعين كبيرين تقليديين من الحقوق المترتبة على روابط المعاملات المالية، إذ بعد الفراغ من الكتاب الأول الذي تناول فيه الأحكام العامة، تعرض في الكتاب الثاني للالتزامات والعقود، وفي الكتاب الثالث للحقوق العينية الأصلية، وقد قسم التقنين المذكور، الكتاب الأخير إلى بابين، تعرض في الباب الأول لحق الملكية، وفي الباب الثاني تجزئه حق الملكية، وقدم في الفصل الأول من الباب الأول حق الملكية بوجه عام، من حيث نطاقه ووسائل حمايته، وما يرد عليه من قيود، وما يلحق به من وصف الشيوع، وعرض في الفصل الثاني من نفس الباب طرق اكتساب الملكية في ستة أقسام، وقد سلك المشرع في تقسيم أسباب كسب الملكية سبيلا عمليا قريبا من الأذهان، فميز بين كسب الملكية ابتداءا في شيء لم يكن له مالك وقت كسب الملكية، ويتمثل ذلك في الاستيلاء، وبين كسب الملكية تلقائيا عن مالك سابق، وهذا هو شأن أسباب كسب الملكية الأخرى، والتي إما تكون بسبب الوفاة ويتمثل ذلك في الميراث والوصية، أو فيما بين الأحياء، ويتمثل ذلك في الالتصاق وعقد الملكية والشفعة والحيازة([1])، فكان نصيب الشفعة في القسم الخامس من الباب الأول ضمن طرق اكتساب الملكية.

والتداول الحر للأموال لقي بعض العقبات على ممر العصور، ولم يكن مباحا لمالك العقار أن ينقل ملكيته للشخص الذي يختاره، بحيث كان هناك دوما حق تفضيل لصالح بعض الأشخاص لاكتساب ملكية ذات المال، وهو ما أطلق عليه اصطلاح “الشفعة”، ومن المنطلق التاريخي الذي يعترف بالارتباط الوثيق بين تاريخ الشفعة وتاريخ الملكية أضحت في كل شفعة نقل للملكية، وذاك التملك تسيره اعتبارات متعلقة بالمصلحة الاجتماعية وأخرى متعلقة بالنظام الاقتصادي والمصلحة العامة.

وعليه تعتبر الشفعة من المواضيع الهامة والدقيقة في القانون الجزائري حيث ترجع أهميتها إلى:

  • اعتبارات قانونية: فالمشرع الجزائري وعلى وجه التحديد يقتصر في القانون المدني كقاعدة عامة، على الحقوق التي تتعلق بالمعاملات المالية، ومن المسلم به أن للعقارات أهمية تفوق غيرها من الحقوق أو الأموال، وعلى اعتبار أن الشفعة طريق من طرق اكتساب ملكية الأموال وعلى وجه خاص العقارية دون غيرها، وبذلك يكون قد توافر لدينا عنصران جديران بالاهتمام، الحق نفسه وسبب اكتسابه، ونظرا لكون سبب الشفعة يرد على العقارات دون المنقولات، فكان أحرى بنا أن نتطرق إلى موضوع الشفعة باعتبارها طريقا من طرق اكتساب الملكية العقارية.

كما أن قولنا القانون الجزائري، أعلاه لم يكن وليد الصدفة بل لغرض أساسي يتلخص في عدم حصر هذه الدراسة على ضوء فرع معين بذاته -أي تحليل الشفعة الممارسة من طرف الخواص المنظمة بموجب الأمر (75/58) المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم، والواضع لحجر الأساس القائم عليه مختلف جوانب موضوع البحث- بل تأصيل كل ما جاء به المشرع الجزائري بخصوص مجالات ممارسة الشفعة.

  • الاعتبارات الواقعية: إذ تظهر أهمية الشفعة على أرض الواقع في المجال الفلاحي، الحضري والسياحي، إلى مجالات المعاملات العقارية بين الأفراد، ولما كان المشرع من وراء تقرير الشفعة بين أشخاص القانون الخاص، يسعى إلى ضرورة ترسيخ الأهداف النبيلة للشفعة والتي تكفل بداية الحد من تجزئة حق الملكية، وإبعاد ضرر الأجنبي عن الشريك في الشيوع، فضلا عن حرصه على بقاء الملكية داخل العائلة المستشف من خلال عدم جواز الترخيص بها فيما لو كان التعامل داخل العائلة، فإنه –المشرع- عندما قرر للدولة حق الأخذ بالشفعة في المجالات المذكورة أعلاه، أراد تحقيق واقع حضاري وتنموي من خلال:
  • المحافظة على الوجهة الفلاحية للأراضي وتحقيق فعالية المستثمرة الفلاحية على المستويين الجهوي والوطني، إذ منذ الاستقلال والخطاب السياسي على اختلاف الإيديولوجيات التي تبناها يؤكد على أهمية الأراضي الفلاحية أو ذات الوجهة الفلاحية، أو تلك التي تنطوي على مميزات تمكن من استصلاحها في المجالات الزراعية، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، والطموح إلى تصدير مواد استراتيجية، فضلا عن الرغبة في محو مخلفات السياسة الاستعمارية الاستيطانية في الأوساط الريفية، التي تشكل نسبة عالية من التركيبة السكانية، لكن هذه الأهداف لم تتحقق وظل الإنتاج الزراعي في تقهقر، والأراضي الصالحة للزراعة تتقلص بشكل خطير في غياب أدوات الرقابة وتواطؤ الجميع بما فيهم العاملين في القطاع الفلاحي([2]).

وبنص المادة 48 من قانون التوجيه العقاري، يكون صاحب الأرض ملزما بوضع الأرض حيز الاستغلال، وأجاز للدولة –متى كانت تلك الأراضي خصبة أو خصبة جدا- ممارسة حقها في الشفعة، كما نص المشرع على أسباب واسعة يثبت فيها لها هذا الحق.

  • كما تسعى الدولة إلى مكافحة المضاربة التي قد تنجم عن إطلاق حرية الخواص في المعاملات العقارية في العقار الحضري، الذي يستقطب اهتماما خاصا من قبل المضاربين في السوق العقارية، ولمحاربة ظاهرة المضاربة والحفاظ على النسيج العمراني، وكذا لإنجاز مشاريع اجتماعية واقتصادية خول القانون للدولة والجماعات المحلية ممارسة الشفعة على تلك المعاملات متى توفرت أسباب ذلك.
  • كما أن كل تصرف وارد على عقار سياحي، قد تتدخل الدولة في شأنه لممارسة الشفعة المقررة لها قانونا، كون العقار السياحي يحظى بحماية خاصة، باعتبار أنه يدر فوائد للاقتصاد الوطني بواسطة مناطقه التي تعد بمثابة أقطاب الجذب السياحي، تحتوي على خصوصيات وامتيازات تفرض تهيئتها بطرق منهجية، كما أن كل التصرفات والأشغال التي تجري عليها يجب أن تخضع لموافقة الجهة المكلفة المختصة.
  • كما تتدخل الدولة في معاملات أخرى واردة على عقارات أو منقولات معنوية (كمحل تجاري أو أحد عناصره)، بممارستها للشفعة بمقتضى قانون التسجيل لفائدة الخزينة العامة، لوضع حد للغش والتهرب الضريبي في حالة عدم التصريح بالثمن الحقيقي لإدارة التسجيل.

وهكذا يتبين لنا أهمية الموضوع واتساع نطاقه، وكيف أنه يتعلق بالمصلحة الفردية والمصلحة العامة على السواء، كما أن البحث في الشفعة كأحد أهم أسباب كسب الملكية العقارية، يثير إشكالية هامة تتجسد في طبيعة النظام القانوني الذي تخضع له الشفعة؟ فهل يحكمها نظام قانوني موحد، أم تخضع لأكثر من نظام قانوني بالنظر إلى تعدد الآخذين بها، وتشعب مجالات ممارستها من طرفهم؟

هذه الإشكالية المحورية تطرح عقبات فرعية تتجلى في جملة من التساؤلات، التي يجد كل باحث نفسه أمامها، خلال تصديه لدراسة موضوع الشفعة، يتعلق بعضها بطبيعة الشفعة؟ فإذا كان من المسلم به أن الشفعة سببا لكسب حق الملكية؟ أليس من التزيد البحث في شخصية الشفعة أو عينيتها قبل البحث في مسألة مدى إمكانية اعتبارها حقا؟ وهل هي اختيارية لصاحب الحق في الأخذ بها، أم أنها جبرية؟ وإذا توافرت الشروط وتحدد النطاق، فما هي الإجراءات التي يتعين إتباعها لممارسة الشفعة؟ وهل تختلف فيما لو ثبتت الشفعة قضاء، أو تم التسليم بها رضاء؟ وما هي الطبيعة القانونية للحكم بالشفعة، أيعتبر منشئا؟ ولم؟ أم هو مجرد حكم مقرر؟ ولماذا؟ وفيما تتجسد روح التضييق التي وصف بها المشرع من خلال سنّه لأحكام الشفعة ولماذا؟ وفيما تتمثل أهم المعايير والأسس الجوهرية التي تضع حدا للتفرقة بين الشفعة الممارسة من طرف أشخاص القانون الخاص، وتلك الممارسة من طرف الدولة؟ … كل هذه التساؤلات جعلت هذه الدراسة تهدف أساسا إلى ضرورة الوقوف، والرغبة في الحصول على تحليل موضوع الشفعة، تحليلا قانونيا بحتا بإعطاء ذات الأهمية –المقررة في الدراسات العامة المتوفرة في القانون المدني- للقوانين الخاصة المنظمة أساسا لمجالات ممارسة الدولة لهذه الرخصة، وذلك بالتركيز على شرح وتحليل التطورات التشريعية، وإبراز الجوانب الإيجابية والسلبية لها على الواقع الملموس.

كما تهدف الدراسة إلى التنبيه والتأكيد على ضرورة وجود دراسات قانونية بحتة لهذا الموضوع، والسعي إلى ضبط مفهوم دقيق للشفعة الممارسة من طرف الدولة، بإجلاء المفاهيم القانونية السليمة من خلال وصف وتحليل دقيقين لمختلف القوانين، والتي يمتد إطارها الزمني منذ الاستقلال ولازال يثمر إلى يومنا هذا، وهو الأمر الذي أدى بنا إلى استخدام المنهج الوصفي طوال الدراسة بغية تحليل وشرح الأسس والمعطيات التي تقدمها لنا مختلف القوانين، المتضمنة أحكام ممارسة الشفعة من جل أطرافها وفي كل مجالاتها، كما تظهر فائدة المنهج نفسه في بيان الأسس النظرية والتطبيقية التي تقودنا إلى وضع صورة واضحة عما وصل إليه المشرع الجزائري من أهداف موفّقة، بين ما تقتضيه المصلحة العامة، ومصلحة الفرد من خلال الأخذ بالشفعة، إضافة إلى المنهج المقارن الذي يظهر استخدامه في محاولة الوصول إلى أهم المعايير المميزة بين الشفعة الممارسة من طرف الخواص، وتلك المأخوذ بها من طرف الدولة، وللالمام بجميع التطورات التشريعية لمجالات هذا الموضوع ارتأينا تقسيم الموضوع إلى فصل تمهيدي، وفصلين آخرين.

  • نعالج في الفصل التمهيدي، مفهوم الشفعة في التشريع الجزائري، عبر ثلاث مباحث نضع فيها على التوالي، تعريفا دقيقا للشفعة في المبحث الأول، ونتعرض للتكييف القانوني لها في المبحث الثاني، ونبين في المبحث الأخير أهم الخصائص المضفاة على الشفعة.
  • ونبحث في الفصل الأول الإطار القانوني لممارسة الشفعة من طرف أشخاص القانون الخاص، حيث نبين في المبحث الأول منه شروط الأخذ بها، وفي المبحث الثاني نصف إجراءات الأخذ برخصة الشفعة، والتي نجد الحاجة إلى التعرف عليها ضرورية، في حالة عدم تحقق الأخذ بها بطريق التراضي، لنتعرض في المبحث الأخير من هذا الفصل إلى آثار ثبوت الشفعة.

أما في الفصل الثاني والأخير، المعنون بالإطار القانوني لمجالات ممارسة الشفعة من طرف الدولة، نعالج في المبحث الأول منه أحكام تلك الممارسة –من شروط وإجراءات وتحديد للجهة القضائية المختصة لنظر النزاع القائم- في العقار الفلاحي وبنفس الخطوات، نبين في المبحث الثاني من هذا الفصل، أحكام ممارسة الشفعة لكن في العقار الحضري لنضمن المبحث الأخير من هذا الفصل بيان أحكام نفس الممارسة في العقار السياحي وبعض المعاملات الأخرى كاستعمال الشفعة لفائدة الخزينة العمومية، وكذا الشفعة في المحال الطبية، علنا نصل بذلك إلى تحقيق ضرورة التوفيق بين المصلحة الفردية المرجوة من وراء ممارسة الشفعة والمصلحة العامة بحيث لا تمس إحداهما بالأخرى.

([1]) نبيل  إبراهيم سعد، الشفعة علما وعملا، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1997، ص7.

[2] LEILA ZERROUGHI, code foncier, (le foncier agraire), tom I, Alger, Edition office national des travaux éducatifs, 2ème édition, 2001, pp7-8.