تفصيل

  • الصفحات : 126 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-682-6.

يكن مخترع الكاميرا يعلم أنّه بهذا الاختراع قدّم للعالم معينا بمنبعين، بإمكان أحدهما أن يفيض بالجمال والفكر على الكون، بينما الآخر لن يكون سوى وسيلة مدمّرة لما تبقّى من القيم، وأهمّ من هذا وذاك أنّ البشريّة ستدمن هذا المنتج فيكون العالم موحشاً بدونها، ويكون الإنسان مستعدّا للتخلّي عن الكثير في لحظة استهلاك عابرة صنعتها الصورة . ذاك هو ما أثبته تاريخ الصورة منذ نشأتها، يسعد الإنسان كثيرا حين يوثّق لحظات عمره، واستحى التاريخ أنْ يدرج الكثير من صفحات البهتان حين اصطدم بالصورة، ثم صارت الصورة وسيلة متعة حين اشتدّ عود السينما، من جهة أخرى تعاظمت سطوة هذه الصورة فصارت تمثّل الخراب والإفساد حين صارت الموجّه الأوّل للرأي العام، ووسيلة من وسائل الهيمنة، ستسقط أنظمة ديكتاتوريّة، وأخرى صالحة –وفق ما اقتضته مصالح الكبار- ولكن النتيجة واحدة: مزيد من الخراب، والمزيد من الحزن .

مثّلت السينما أعظم اختراع في العصر الحديث، فبالإضافة إلى كونها موردا اقتصاديا هامّاً تتعلّق به الكثير من القطاعات كالتمثيل والإشهار والسياحة والسياسة، فقد غدا هذا الاختراع  سلطة تنافس باقي السلط المهيمنة، بل لا يمكن تصوّر سلطة ما لا تعتمد على نفوذ الصورة، ذلك ما أدركه صناع السينما في مصر؛ والذين عرفوا هذه الصناعة متأخرين نسبياً .

وإذا كانت الملكيّة في مصر لم تولِ أهمّية بالغة لهذه الصناعة لغياب جمهور عريض من المتلقّين؛ ولتواضع الانتاج كمّاً وكيفاً؛ فإنّ سلطة الثورة قد جعلت من هذه الصناعة أولويتها التي لا يستغنى عنها لاعتبارات كثيرة تتعلّق بنشر الاشتراكيّة الجديدة، وتنظيف ساحة الشموليّة من الفظائع التي ارتكبتها، لقد استطاع ناصر أنْ يصنع كاريزما تقترب من كاريزما العظماء كتشرشل وغاندي وغيفارا من خلال هذه الصورة، أكثر من هذا لم يكن بعض متعاطيّ الثقافة سوى موظفين في القصر، يقول الشاعر الشعبي عبد الرحمن الأبنودي: لقد منعت أم كلثوم من الغناء في بداية الثورة على اعتبارها مطربة العهد البائد، ثم لم تجد الثورة بدّاً من استغلال جماهيريّتها، فكانت أغانيها – بالإضافة إلى أغاني فريد وعبد الحليم ونجاة ووردة وغيرهم- إشهارات تجعل من ناصر الزعيم الملهم، والمنقذ الأوحد، وفي نكسة 67 لم يجد عبد الناصر معتذرا عنه أعظم من أصوات هؤلاء.

لم يكن السادات أقلّ شأنا من ناصر في استغلال الصورة، بل استخدمها في مرحلة ما بعد 15 ماي كأداة لمحو الأفكار الناصريّة، فكانت الافلام التي تصوّر فظاعات الناصريّة ومن أشهرها: احنا بتوع الأتوبيس، والكرنك .

مع مبارك زاد اتساع هامش الحريّة، وصار بإمكان السينما أنْ تطرق مكانات كانت قبل هذا توصف بالحرج، حتى وصفت السينما في عهده بسينما الإيروتيك، ولعله بهذا أراد تخفيف الكبت عن كاهل المواطن المصري جراء الأوضاع الاقتصاديّة الصّعبة .

شيء من هذا سيكون في مقاربات ثقافيّة بين دفتي هذا الكتيّب، لا أدّعي من خلاله أنّني سأقدّم قراءة نهائيّة لبعض الأعمال، ولكنّها محاولة بسيطة يمكن أنْ تكون قطرة ماء في هذا القحط النقديّ الذي نعيشه، والذي انسحب من مرافقة العملية الإبداعيّة عموما والسينما خصوصا . وحين نتكلّم عن القحط في النقد الأدبي فنحن ملزمون بتحسس الجدب الذي يعانيه النقد الثقافي، فبالرغم من المحاولات الجادة في تجربة بعض النصوص المكتوبة؛ فلم يزل هذا النوع من النقد بعيداً عن الفن السابع، لم يشحذ بعد آلياته المقارباتية التي تمكّنه من استكناه خزانتها الثقافية، وتلقّف المضمر في ثنايا خطاب الصورة.

بخصوص الأعمال المدروسة رأيت أنّها أعمال لها من النّضج والخصوبة ما يجعلها تمثّل علامات مضيئة في تاريخ السينما العربيّة،  أوّلا لاحترافيّة صنّاعها وطاقمها التمثيليّ أوّلا، ولحمولتها الفلسفيّة الجريئة ثانيا . ومن ثمة لم تقتصر على مرحلة دون غيرها، فمن شيء من الخوف الذي أنتج عام 69، إلى فلم المراكبي الذي أنتج سنة 96، لم يهمنا غير القيمة الفنّية التي ارتأيناها في الفلم، لهذا استعنّا بآلية التأويل  في قراءة مختلف الممارسات الفنّية التي قدّمتها هذه الأعمال، لانقطع برأي أو رؤية، بل نرى ما قدّمناه  وجهة نظر يكتنفها الكثير من النّقص، ولا يضير هذا إذا نجح هذا الكتيّب في لفت انتباه طالب ذكيّ نحو المنجز السينمائي العربيّ، فرافقه بنصوص تعود عليه بالخير عاجلاً أم آجلاً .