تفصيل

  • الصفحات : 94 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-253-8.

مقدمـــة

تعرض العالم الإسلامي طيلة الفترة الممتدة من القرن(7-13م الى9ه-15م) الى تحول كبير على مستوى الأحداث السياسية والعسكرية، كانت بدايتها مع الإجتياح المغولي لمنطقة الشرق الأوسط ومنها دول المشرق الإسلامي، والذي تمكن من إحتلال العاصمة بغداد والقضاء بذلك على الخلافة العباسية سنة (656هـ/1258م)، وقد رافق ذلك اشتداد وتوالي الحملات الصليبية على بلاد الشام ومصر، هذا بالإضافة الى التقدم المسيحي المحموم على حساب الأراضي الإسلامية بالأندلس.

وفي ظل هذه الظروف الصبعة والعسيرة، ظهرت واحدة من الدول الإسلامية القوية التي تمكنت بفضل الله، ثم بفضل شجاعة وبسالة جندها ومقاتليها، وحنكة وحسن تدبير قادتها وسلاطينها، من الوقوف في وجه تلك الحملات والتصدي لها، وبالتالي حماية البلاد الإسلامية وتخليص المسلمين من تهديداتها وخطرها، ألا وهي دولة المماليك في مصر والشام(648-923هـ/ 1250-1517م).

فقد تمكن المماليك من تأسيس دولة اسلامية قوية ممتدة واسعة الأرجاء، شملت مصر وبلاد الشام في الشمال الشرقي، واستطاعت أن توسع نفوذها حتى الحجاز واليمن في الجنوب والجنوب الغربي، والى بلاد النوبة في الجنوب، وإمتد حكمهم على مدار قرنيين ونصف من الزمن، في مرحلة عصيبة ومضطربة مليئة بالأحداث، لتشكل بذلك عصرًا جديدًا بين مرحلتين هامتين في تاريخ الدول والشعوب الإسلامية، الا وهما إنهاء تاريخ الخلافة العباسية في بغداد بمجئ المغول وغزوهم لمعظم البلاد الإسلامية، والثانية هي ظهور الوجود العثماني في المنطقة وبداية مرحلة جديدة في حكم وتاريخ المسلمين.

وقد تخلل هذه الفترة الطويلة، مراحل من الجهاد للدفاع عن البلاد الإسلامية ضد الأخطار الخارجية التي هددت المنطقة من جانب المغول والصليبيين، وكذا الغرب الأوروبي في بعض الأحيان، أحرزوا خلالها انتصارت باهرة عليهم بإسم الإسلام، أين لا تزال أسماء مواقع غزة، وعين جالوت، ومرج الصفر، والمنصورة، وفارسكور، وأنطاكية، وطرابلس، وعكا وغيرها من المعارك، حية وخالدة في التاريخ، تشهد لهم بالبطولة والشجاعة والفدا، وقد تحققت لهم هذه الإنتصارات بفضل جيوشهم الأكثر عددًا وتنظيمًا وتدريبًا هذا من ناحية.

من ناحية ثانية، فقد أدي المماليك دوراً حضاريياً، ومارسوا نشاطاً دينياً وعلمياً خصباً، تزامن مع انتقال الخلافة الإسلامية من بغداد الى القاهرة، وظهر أثره في مصر والشام من خلال إحياء الشعائر الدينية، وإقامة المنشآت الدينية والعمرانية الكثيرة، ممثلة في المساجد والمدارس والربط والتكايا وغيرها، والرغبة في الإقبال على التعليم والكتابة والتأليف، حتى أُعتبر العصر المملوكي من أغزر العصور الإسلامية في حقل الكتابة والتأليف والتصنيف، والتي لا تزال أثاره المادية ظاهرة الى غاية اليوم من خلال بروز أسماء كثيرة، تركت إرثاً فقهياً وتاريخياً وأدبياً كبيراً، وفي باقي المجالات من أمثال ابن تيمية، وابن الجوزي، والعز بن عبد السلام، وابن اياس، وابن تغري بردي، والقلقشندي، والمقريزي، وابن منظور، وغيرهم كثير.

كما أن العصر المملوكي، هو العصر الذي أضحت فيه مصر وبلاد الشام كذلك، مركزاً  للتجارة العالمية، والطريق الرئيسي لتجارة الشرق، وبوابة للعبور الى أوروبا، وذلك بعد ظهور الخطر المغولي في الشرق واحتلالهم لبغداد، وإزدياد التهديد الصليبي على بلاد الشام، إذ أصبح التجار الأجانب يتوجهون ببضاعتهم وسلعهم من مختلف الأصقاع الى مصر، وجعلوا منها منطقة عبور وبخاصة نحو الشرق، وذلك لتوفر الأمن والحماية بها، والعناية من طرف سلاطينها وفي مقدمتهم الظاهر بيبرس وكذا برقوق وقلاوون، الذين حرصوا بأنفسهم على توفير الحماية وكل سبل الراحة للسفن والتجار الأجانب خاصة الأوربيين، لما لذلك من فوائد وعائدات مالية كبيرة لدولتهم.

ذلك ما يفسر الثروة الواسعة والثراء الضخم الذي تمتع به المماليك حينها، وما نجم عنه من حياة الترف والبذخ والأُبهة، قبل تمكن البرتغاليون بواسطة-بارتو لوميو دياز- و-فاسكو دي غاما- من اكتشاف رأس الرجاء الصالح، وبالتالي تحول طرق التجارة العالمية عن مصر الى جنوب افريقيا والمحيط الهندي، وهو الأمر الذي عاد بالضرر المادي على المماليك وخزينة بلادهم، بالإضافة الى ظهور وتعاظم قوة الدولة العثمانية في هذه الفترة، والتي كان على يدها سقوط المماليك وزوال دولتهم، بعد معارك شرسة معهم في مرج دابق والريدانية(648ه/ 1517م)، لتحل هذه الأخيرة محل دولة المماليك في قيادة العالم الإسلامي، والدفاع عن أراضيه أمام الأخطار الخارجية خاصة الصفوية والأوروبية فترة من الزمن.

وكل هذه النقاط وما يرافقها من إشكالات وتساؤلات، سنحاول التطرق اليها والإجابة عليها من خلال طيات أوراق هذه الدراسة.