تفصيل

  • الصفحات : 178 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-646-8.

يشكل موضوع الحريات العامة أحد أهم المواضيع القانونية التي تُدرَس في كليات الحقوق، كونه موضوعا يمد الطالب بمعارف متعددة الجوانب تتعلق بعدة علوم منها علم السياسة وعلم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ وعلم النفس وغيرها من العلوم، ناهيك عن ارتباطه بفروع القانون العام والخاص، والأكثر من ذلك، أن هذا المقياس يُعرَف الطالب بحرياته الأساسية ونطاق الانتفاع بها وحدود مماستها.

فمسألة الحرية إذن، تعتبر من أهم الموضوعات الراهنة التي حظيت بالبحث والدراسة قديما وحديثا، ومكمن ذلك هو أنها سايرت الفكر الإنساني ابتداء من فلاسفة الإغريق القدامى وحتى عصرنا الحالي الذي من شواهده الانتفاضات العربية التي نادت بالحرية وبالكرامة الإنسانية. فالحرية ترتبط ارتباطا وثيقا بحياة الإنسان، وهذا ما أكده الإمام عبد الحميد بن باديس أن “حق الإنسان في الحرية كحقه في الحياة، ومقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية”[1].

غير أن البحث في مفهوم الحرية يبين وأن هذا المصطلح يختلف باختلاف الزمان والمكان، وهذا يعني أنه ليس هناك مفهوم مطلق للحرية، فالحرية في النظام اليوناني القديم تختلف عن الحرية لدى مفكري الثورة الأمريكية والفرنسية، وهذه بدورها تختلف عن الحرية في القرن الواحد والعشرين.

فقضية الحرية كانت ولا تزال من أصعب المعضلات التي تواجه الفكر الإنساني، وأكثرها تعقيدا؛ لذا فإنها أثارت وتثير هذا القدر من المناقشات والتساؤلات لمعرفة الأسس التي تنطلق منها، والحدود التي تقف عندها. وعليه فان تعدد المفاهيم المرتبطة بفكرة الحرية بصفة عامة والحريات العامة بصفة خاصة إنما يرجع الى الاختلاف في أنماط السياسة التي تحكم شتى المجتمعات الإنسانية وتدير شؤونها. لكن يبقى أن نؤكد بأن جميع هذه الأنظمة والمجتمعات اتفقت على المبدأ القائل أن حرية الفرد تقف عند حرية الآخرين.

فمفهوم الحرية لا ينفصل إطلاقا عن شروط تحقيقها وقيامها، والحرية بمعناها الحقيقي ليست ممكنة بدون شرعية معينة تقوم عيها، وإذا كان النظام أو النسق لا يساوي شيئا بدون حرية كما يقول الفيلسوف الفرنسي آلان Alain  فان الحرية لا يمكن أن تستقيم أبدا بدون نظام[2].

من هنا تبرز حاجة المجتمع الدولي الى إعادة تحديد مفاهيمه القانونية، لأن الحريات العامة هي بالأساس قواعد قانونية قبل أن تكون قواعد أخلاقية قيمية، بمعنى آخر، أن الحريات العامة لا يمكن أن توجد إلا إذا قام القانون بتكريسها على أساس معايير جديدة تسمح للمجتمعات والأفراد بالحدَ الأدنى من الاستقلال الذاتي الذي يُؤمَن لهم الحصول على حقوقهم وممارستها[3].

كما تطرح الحريات العامة على مستوى القانون الداخلي مسألة التنظيم القانوني وإشكالية الحريات العامة في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية وضوابط الممارسة؛ ولعل هذا ما أهلها لأن تستقل بذاتها وتكون مقياسا مستقلا عن القانون الدستوري والإداري وحتى القانون الدولي لحقوق الإنسان.

والواقع أن ممارسة الحريات العامة وتمتع الأفراد والجماعات بها لا يرتبط فقط بمسألة الاعتراف الدستوري بها والتنصيص عليها في مختلف التشريعات، وإنما يرتبط أيضا، بمسألة الضمانات التي توفرها هذه القوانين، وأيضا الضمانات الدولية التي تترجم ذلك الاهتمام الكبير للتنظيم القانوني الدولي بمختلف الحقوق والحريات؛ فالأمر إذا، يتطلب وجود منظومة قانونية متكاملة تبدأ بالاعتراف وتنتهي بتفعيل مختلف المبادئ والقواعد والضمانات، لنصل الى تمتع فعلي بالحريات العامة من قبل الأفراد.

لذلك سنتناول بالدراسة والتحليل الحريات العامة في ثلاث محاور أساسية، المحور الأول هو محور نظري يتناول الإطار ألمفاهيمي للحريات العامة وأسسها الفكرية وتصنيفاتها، وجانب تطبيقي يتجسد في المحور الثاني الذي يتناول التنظيم القانوني للحريات العامة وحدود ممارستها، ومحور ثالث يتناول ضمانات حماية الحريات العامة، وفق  البرنامج الوزاري الذي يحدد رزنامة التعليم القاعدي المشترك لشهادات الليسانس ميدان “حقوق وعلوم سياسية ” فرع “حقوق” السداسي الخامس.

[1] علي قريشي، الحرية السياسية في النظام الدستوري المعاصر والفقه الإسلامي “دراسة مقارنة” في الأصول النظرية وآليات الممارسة مع التطبيق في الجزائر،  أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة قسنطينة، 2005،  ص13.

[2] خضر خضر، مدخل الى الحريات العامة وحقوق الإنسان، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس- لبنان،  2005. ص08

[3] غير أن الأخطر  في الموضوع هو أن مواقف الدول الكبرى التي تعتبر نفسها مسئولة عن امن العالم واستقراره في الغالب تؤدي في الممارسة الى نوع من الانفصام الحاد في السلوك، فالدول التي تسمي نفسها ديمقراطية وراعية للحقوق والحريات العامة تقوم بممارسة أقسى وأشنع الانتهاكات لهذه الحقوق والحريات خارج مجتمعاتها بحجة الدفاع عن القيم الإنسانية.