تفصيل

  • الصفحات : 428 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-270-5.

تعتبر ظاهرة الارهاب اليوم من أكثر المواضيع التي تثير جدلا واسعا على المستويين السياسي والأكاديمي، فرغم أن الظاهرة  ليست وليدة السنوات أو العقود القليلة الماضية، وأنها حظيت منذ وقت بعيد باهتمام كبير وكانت محل دراسات أكاديمية معمقة، غير أنها لا زالت تطرح العديد من الاشكالات النظرية والمنهجية على المستوى الأكاديمي، ومساحات واسعة من الاختلافات المفاهيمية والسبل العلاجية على المستوى السياسي والاجتماعي، ونجد أنفسنا عند أي محاولة تحليلية أو تفسيرية لهذه الظاهرة، ملزمين  بمواجهة هذه الاشكالات والاختلافات، التي تفرض علينا استخدام أدوات علمية وموضوعية، من أجل الابتعاد عن الأوصاف السطحية والإيديولوجية التي أصبحت تطبعها، كما أن ذلك سيتيح مجالا أوسع لتجاوز التعقيد الشديد الذي يميز الظاهرة الارهابية .

للتعقيد الذي يطبع الظاهرة الارهابية ارتباط وتلازم وظيفي مع مسألة الأمن، فوجود الظاهرة الارهابية ينفي بالضرورة وجود الأمن، كما أن وجود الأمن ينفي بالضرورة وجود الارهاب، مع العلم أن تحقيق الأمن يبقى دائما قيمة نسبية، وهذا ما يضاعف قيمة الاهتمام بدراسة الارهاب، اعتبارا الى هذا الارتباط والتلازم، وذلك لأن الأمن ظلّ مسعى ومطلب أساسي للبشرية منذ بداية تعمير الأرض، وقيمة جوهرية لا يمكن بأي حال استقرار واستمرار حياة المجتمعات دونها، وهذا ما يتطلب ضرورة تقديم تفسيرات علمية لها من أجل إنهائها أو تحجيمها، وهو ما يحقق الأمن المنشود .

وبما أن منطقة المتوسط كانت على مر التاريخ ولا تزال، محور نشوء للحضارات الكبرى ومجال لتفاعلاتها، وكما شهدت منذ قرون ظهور وتطور الظاهرة الارهابية وتأثيرها البالغ في أمن المجتمعات والشعوب المتوسطية، تشهد اليوم أعلى مظاهر تطور هذه الظاهرة، وأكبر درجات تأثيرها في أمن هذه الشعوب، وكذا أعقد أبعادها وأساليبها وسبل علاجها، خاصة في ظل التطور الكبير لمختلف أشكال الأسلحة، والاستخدام الواسع لوسائل الاتصال التكنولوجية الفائقة الدقة، مما جعل تأثير الارهاب يتجاوز الحدود السيادية للدول ويأخذ طابع العالمية، وهذا ما جعلها محور السياسات الأمنية لأطراف المتوسط خلال العقود الأخيرة .

يكتسي موضوع هذه الدراسة أهمية بالغة دون أي شك، تتضح هذه الأهمية من خلال العديد من الملامح التي طبعت السياسة الدولية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ولعل أبرزها أطروحات الصراع الحضاري التي أصبحت تطبع سياسات الغرب، اعتبارا الى عقيدتها القائمة على اتهام الاسلام بالإرهاب والعودة الى العداء الديني والتاريخي، ومن جهة أخرى الارتفاع الكبير لمستوى وحجم نشاط التنظيمات الارهابية في منطقة المتوسط وعلى المستوى العالمي، والارتفاع الرهيب في عدد الضحايا التي تخلفها، مقابل محدودية نتائج الحوارات الأمنية في الحد من خطورتها، وكذا طوفان الانتشار والتوسع الذي تشهده التنظيمات والجماعات الارهابية في السنوات الأخيرة، خاصة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحول تأثيرها من المحلي الى العالمي بعد أحداث 11 سبتمبر مما جعلها في سلم أولويات سياسات الدول على المستوى العالمي، وهو ما دفع نحو التحالفات الدولية الإقليمية والعالمية من أجل محاربة الإرهاب، فأضحت مسألة التعاون الدولي والاقليمي في مجال محاربة الارهاب سمة من سمات السياسة الدولية، خاصة وأن التنظيمات الإرهابية تقوم بالاستخدام المكثف للوسائل والإمكانيات التكنولوجية المتطورة الأكثر تخريبا وتدميرا، والادوات التقنية والاتصالية الأعلى سرعة وفاعلية.

تهدف هذه الدراسة الى تقديم تفسير علمي وموضوعي لكيفية تأثير ظاهرة الإرهاب، في تغيير مضامين الحوارات الأمنية في منطقة المتوسط، وذلك اعتبارا الى أن هذه الظاهرة شكلت منذ نهاية الحرب الباردة أكبر مصادر التهديدات الأمنية على الدول الغربية بعد زوال الاتحاد السوفيتي، وهو ما عبرت عنه سياسات هذه الدول بالعدو الأخضر الجديد، وما عزز هذا الطرح الارهاب الذي شهدته الولايات المتحدة في رموز قوتها بتاريخ 11 سبتمبر 2001، أين أصبح هذا الحدث يشكل حقبة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، فأصبحت دراسة تأثير ظاهرة الارهاب على الواقع الدولي مدخلا مهما لفهم السياسة الدولية ككل، وليس لفهم طبيعة العلاقات التعاونية ومسارات الحوار على المستوى الإقليمي فحسب.

 

 

 

 

 

تم تقسيم هذا الكتاب إلى أربعة فصول، تناول الفصل الأول مقاربة ايتيمولوجية لمفهومي الإرهاب والأمن، سواء في الفكر الغربي أو في الفكر الاسلامي، كمفهومين متلازمين تربط بينهما علاقة وظيفية، ومناقشة وتحليل مختلف خصائصهما ومراحل تطورهما، أما الفصل الثاني فتضمن مناقشة أهم الطروحات النظرية لتحليل وتفسير الظاهرة الارهابية، ومناقشة تطور الدراسات الأمنية والمقاربات التفسيرية للأمن الدولي، وكذا تأثير الارهاب على أمن النظام الدولي بعد نهاية الحرب الباردة، وتضمن الفصل الثالث تحليل ومناقشة تأثير الارهاب على مضمون الحوارات الأمنية في المتوسط، في الفترة من نهاية الحرب الباردة الى غاية أحداث 11 سبتمبر 2001، مع التعرض لأهمية منطقة المتوسط، ومسار تطور الحوار خلال الحرب الباردة كقاعدة للحوارات التي جاءت بعد نهايتها، أما الفصل الرابع فقد تضمن تأثير الارهاب في شكله الجديد، على مضامين الحوارات الأمنية في الفترة الممتدة من 11 سبتمبر 2001 الى غاية 2015، وأهم التغيرات في المتوسط المرتبطة بالإرهاب الجديد وبالأشكال الجديدة للتعاون والحوار لمكافحة الارهاب، وفي الأخير عرض أهم الآفاق والتصورات لأمن منطقة المتوسط، في ظل التطور الكبير للظاهرة  الارهابية  في الوسائل والامكانيات، وأمام أزمة انهيار وفشل الدولة في المنطقة العربية بعد موجة ما يعرف بثورات الربيع العربي.