تفصيل

  • الصفحات : 224 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-539-3.

مقدمة

شكلت نهاية الحرب الباردة منعرجا مهما في تطور نوع ومستويات التهديدات الأمنية، حيث تم الانتقال من وحدات التحليل الكلاسيكية التي واكبت المرحلة الوضعية والتي كان محورها الدولة والنظام الدولي إلى وحدات تحليل جديدة أصبح محورها الأساسي الفرد والتي تحولت فيها النزاعات من بين الدول إلى داخلها، وهو ما أدى إلى بروز ظاهرة اللاتمثال في نوع القوة والتهديد، فبعد نيل مختلف الدول خاصة الإفريقية استقلالها وجدت نفسها مقسمة بين العديد من الأقليات والاثنيات من خلال تلك الحدود الوهمية التي وضعها المستعمر بعد أن محا كل معالمها من خلال القضاء على شيوخ وزعماء القبائل وكذا التخلص من مختلف الخرائط الدالة على الحدود الحقيقية لهذه الدول ما أدى إلى ظهور مشكلة النزاعات الإثنية والعرقية والدينية على الصعيد العالمي لتصبح إحدى أهم قضايا السياسة العالمية بسبب ما خلفته هذه الظاهرة من آثار على مختلف الأصعدة مما أدى إلى ظهور الكثير من حالات العنف طويل الأمد بين الإثنيات وفي ذات السياق ولأن إفريقيا تنتمي إلى المنظومة العالمية ولأنها القارة الأكثر تأثرا بهذه الظاهرة بالنظر لتأثير المتغير الخارجي وكذا طبيعة الأنظمة التسلطية التي خلفها، والتي كان تعاملها سلبيا مع القضايا الإثنية والعرقية والثقافية، كل هذه العوامل أدت إلى تعميم ظاهرة النزاعات بمختلف تصنيفاتها وانتشارها علـى المستوى القاري، وقد أدى بروز ظاهرة العولمة والتطور التكنولوجي إلى تفاقم مختلف التهديدات الأمنية وهو ما أفرز ظهور العديد من الناقشات الجديدة المتعلقة أساسا بكيفية شرح ومعالجة هذا النوع من التهديد، خاصة منه ظاهرة الإرهاب وما طبعها من تحولات.

وقد أصبح الإرهاب من أهم التحديات خاصة  للدول الساعية إلى  تحقيق الاستقرار الأمني الوطني والإقليمي والدولي على حد سواء، فهو عقبة رئيسية أمام تنمية وتطور الشعوب، لذا فقد أدركت الدول والمنظمات الدولية مدى ما يشكله الإرهاب من خطر واضح على جميع الأصعدة، ولعل ما أفرزته مرحلة ما بعد الحرب الباردة من معطيات جديدة نتيجة للمتغيرات التي أصبح يقوم عليها النظام الدولي الجديد من تغيير في المفاهيم والمرتكزات والممارسات في الميدان والمعاملات ما جعل بعض المفاهيم والنظريات السابقة تلاءم فترة الحرب الباردة فقط. فقد بات من الضروري إعادة النظر في المرجعيات الفكرية للمقاربات الأمنية طبقا للرهانات والتحديات الجديدة الصاعدة والتي كانت نتيجة منطقية لإعادة التنظيم والترتيب للنظام الدولي، والتي تم اعتبارها كمعطيات رئيسية تحظى بكل الاهتمام في صياغة المفاهيم الجديدة للأمن، وسياقا مرجعيا للدراسات الأمنية لتستجيب لهذه التحديات والرهانات، بتصميم المقاربات الكفيلة بإحاطتها بالفهم والتفسير.

فظاهرة الإرهاب الجديد أصبحت من أخطر أشكال التهديدات الأمنية التي تواجه الدول لأنها تستهدف في جانب مهم منها أمن واستقرار ومستقبل مجتمعاتها لاسيما إذا ارتبط الفعل الإرهابي الداخلي بمطامع وأهداف القوى الخارجية التي لا تريد استخدام أدواتها المباشرة وإنما بالاعتماد على محركات لخلق الأزمات داخل الدول المستهدفة أو استغلال حدودها أو الظروف السياسية المحيطة وفي أحيان أخرى تعمل على زعزعة تركيبة المجتمع داخل تلك الدولة مما يشجع فئة من فئاته إلى سلوك يلحق الضرر بالمجتمع وهو الأمر الذي يهدد أمنه وسلامته.

وينطلق موضوع الظاهرة الإرهابية الجديدة أساسا من دراسة ظاهرة الإرهاب التقليدي الذي يعد امتدادا لها، ومنه التركيز على كيفيات التحول وأهم مضامينها، بما في ذلك التحول في أشكال ومستويات التهديد، ولعل أهم ما ميز هذه الظاهرة هو التحول في نوع التنظيم واختلاف نماذجه، وحركيته التي تحولت من النموذج الهرمي إلى النموذج العنقودي، فقد أصبحت هذه الظاهرة تشكل شبكة مترابطة استراتيجيا وعمليا دون وضوح لهيكلها القيادي وكذا صعوبة تحديده، ما يؤدي إلى صعوبة مواجهتها والقضاء عليها، وفقا لذلك تحولت عدة تنظيمات في ترتيبها من الأعلى إلى الأسفل إلى تنظيمات متدرجة في الأهمية من الأسفل إلى الأعلى، على غرار ما تحولت له القاعدة وكذا تنظيم داعش هذا التشكيل الأخطبوطي الذي أصبح له تواجد في كل قارات العالم.

ولتفسير الظاهرة الإرهابية هناك عدة منطلقات يعكسها التصادم في الأهداف والقيم والإيديولوجيات بين الأفراد والجماعات والدول وهو التعقيد الذي يحيط بهذه الظاهرة التي بات يصعب تحديد أسبابها والحكم عليها، الأمر الذي جعل دراسة الظاهرة الإرهابية وآليات مواجهتها يأخذ منطلقات متنوعة وتهديدات مختلفة مستجدة خاصة بالنسبة للدول الإفريقية .

فدراسة الظاهرة الإرهابية في إفريقيا. لابد أن ترتبط بتتبع مراحل تطورها ودراسة طبيعتها وأسبابها ووضع مختلف الطرق والآليات الكفيلة بمواجهتها، هذه الظاهرة التي لا زالت تشكل تهديدًا حقيقيًا وعنيفًا في مناطق مختلفة من القارة، ويختلف هذا التهديد من حيث طبيعته، وحدته، ومنابعه وتطوره من منطقة لأخرى. وتعتبر منطقة الشمال الأفريقي أكثر المناطق التي عانت ولا تزال تعاني من نمو التنظيمات الإرهابية، فهي تعد الأكثر عرضه لمخاطر أنشطتها، بحكم العمليات التي تتم على أراضيها، وبحكم وجود جماعات إرهابية فعلية تمارس الإرهاب حتى وقتنا هذا.

كما أن منطقة الشمال الأفريقي تتميز عن غيرها من مناطق القارة بخصوصية طبيعة الجماعات الإرهابية المتواجدة بها، وارتباطاتها الداخلية والخارجية، من حيث طبيعة التهديدات التي تحملها هذه الجماعات في عملياتها المؤثرة على مدار عدة عقود من الزمن. فالتهديدات الإرهابية تصل لأعلى درجاتها في دول شمال أفريقيا عن غيرها من مناطق القارة الأخرى، نظرًا لأن الإرهاب ارتبط بالأساس بالمتغيرات الداخلية في هذه الدول، وتقوم به جماعات متطرفة من أبناء أو مواطني الدولة، بهدف إضعاف وإحراج الحكومات، علاوة على تأثره الشديد بالأزمات والنزاعات الجارية في الشرق الأوسط.

وقد أدى تعدد الوسائل وتطور بنية وهيكل التنظيمات الإرهابية إلى زيادة نموها وتمددها ما ساعدها على تهديد مختلف دول العالم وهذا بالنظر للتحول النوعي للجماعات الإرهابية من حيث الخلفية العلمية للأعضاء، وكذا تنوع الأساليب المستخدمة من إغراء بالمال واستغلال عامل الدين كذريعة الجهاد، وكذا رصد الأوضاع السياسية والعلاقات الاجتماعية، ولعل أهم عامل هو استغلال التكنولوجيا الحديثة وما توفره مختلف الفضاءات الالكترونية من تسهيل التواصل بين هذه الجماعات التي انتقلت من الكهوف إلى قلب العواصم لتنفيذ مختلف مخططاتها، خاصة في الدول التي تعاني من عدم استقرار داخلي وفوضى عارمة، وجدت فيها هذه التنظيمات المناخ الملائم لتعزيز قدراتها وتطوريها.

فالقارة الأفريقية أصبحت مسرحًا للعديد من عمليات الجماعات الإرهابية، التي انتشرت من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب. وقد جاء إدعاء هذه الحركات بتبنيها توجهات إسلامية وارتباطها بعلاقات تنظيمية مع بعض الحركات المتطرفة في بعض الدول العربية، إلى اعتبار الشمال الأفريقي مصدرًا للإرهاب. وقد دعم هذا الاعتبار ارتباط تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية في أفريقيا جنوب الصحراء، بالتطورات السياسية التي شهدتها العديد من دول شمال أفريقيا أثناء وبعد ثورات ما يسمى الربيع العربي، مثل تونس ومصر وليبيا وغيرها من الدول العربية.

وقد شكلت الظاهرة الإرهابية موضوع الساعة وباتت من أهم محاور الدراسات السياسية الدولية خاصة وأن التهديد تعددت أساليبه ومستوياته على مختلف الأصعدة، فالفضاء الإفريقي بات من أهم بؤر هذه الظاهرة من خلال ما شهدته هذه القارة من أوضاع سياسية متردية ترجع بالأساس إلى فشل مختلف الأنظمة السياسية في تحقيق التنمية والرفاه لشعوبها.

وتسعى هذه الدراسة إلى التعمق أكثر في موضوع الظاهرة الإرهابية الجديدة، وذلك من خلال معرفة أهم أساليب التحليل والأطر المختلفة بالنظر لتطورها واختلاف استراتيجياتها، ومواكبة ما يشهده العالم من تطور هائل ومستمر في جميع المجالات، فأشكال الإرهاب تعددت واختلفت على ما كنا نعرفه في السابق، خاصة إذا ارتبطت هذه الدراسة بمختلف الأوضاع التي أصبحت تعاني منها دولة جارة للجزائر وتداعيات ذلك على أمنها واستقرارها، هنا تكمن أهمية الدراسة من حيث الرؤية الإستباقية والاستشرافية لمحاولة وضع أهم الأساليب والاستراتيجيات التي قد تحد من تداعيات الظاهرة على المستوى المحلي والإقليمي وكذا الدولي.

ويمكن التركيز في هذه الدراسة على هدف محوري وأساسي وهو التعرف على تأثير الظاهرة الإرهابية الجديدة على الاستقرار الأمني في إفريقيا، وكذا التعريف بمختلف الآليات التي يمكن من خلالها الحد من انتشار هذه الظاهرة، وتقديم إضافة علمية يمكن أن تساهم في عزل هذه الظاهرة والحد منها.

ومنه يتضح جليا أن ظاهرة الإرهاب من الظواهر غامضة التفسير خاصة على المستوى الدولي، وهو جوهر خطورتها على مختلف المجتمعات، فهذه الدراسة تهدف إلى معالجة موضوع الظاهرة الإرهابية الجديدة وتفاعلاتها المختلفة في القارة الإفريقية والبحث في أهم الآليات المطروحة لمواجهة هذه الظاهرة وتحليلها  وقد أدى توسع التنظيمات الإرهابية والتهديد الذي أصبحت تمثله خاصة على الدول المغاربية إلى تعقيد المعالجة الأمنية في المنطقة ككل، نظرا لتأثير هذه الأخيرة على الواقع الأمني والأبعاد التي ترتبط أساسا ببنية هذه المنطقة ودور مختلف الفواعل العالمية، التي ترى في هذه المنطقة من أهم منابع الثروات في العالم، لهذا نرى أن توجهها والحرص على تواجدها في المنطقة بحجة القضاء على الإرهاب وكذلك نشر الديمقراطية زاد من تعقيد معالجة هذه الظاهرة، ومنه يمكن يطرح هذا الكتاب  إشكالية مهمة تتعلق بمدى تأثير الظاهرة الإرهابية الجديدة على الاستقرار الأمني الإفريقي.