تفصيل

  • الصفحات : 88 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2020،
  • الغلاف : مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-728-90-0.

عرف موضوع فلسفة اللغة واللسانيات بحوثا ودراسات علمية جادة ومعمقة،خاصة في السنوات الأخيرة بحكم الثورة المعرفية والتكنولوجية التي شهدها ويشهدها عالمنا المعاصر،بيدا أن هذا لم يكن في يوم من الأيام فاصلا وفيصلا في العديد من قضايا فلسفة اللغة واللسانيات محلّ البحث والنّظر.

إنّنا لا ندعي في هذا الكتاب بأننا قد أحطنا بمسائل فلسفة اللغة أو اللسانيات، بل كل ما في الأمر هو أننا جعلنا فصول هذا الكتاب منتقيات من تلك القضايا والمسائل اللغوية التي يتقاسمها علماء اللسانيات وفلاسفة اللغة.

لأجل هذا كان قصدنا في هذا الكتاب إماطة دعوى الإجماع عن مسائل وقضايا متعلقة بفلسفة اللغة وباللسانيات، من قبيل الدال والمدلول عليه وطبيعة العلاقة التي تربط بينهما؛ إذ صار الأمر مسلّما به لدى علماء اللسانيات وفلاسفة اللغة على الأقل،بأنها علاقة اعتباطية وروّج لهذا المعنى حتى صار بديهة من بديهات الفكر اللساني الحديث والمعاصر في العالمين الغربي والعربي معا، فضلا عن هذه، مسألة الحقيقة والمجاز التي بحثت بعناية فائقة في الفكر اللساني العربي القديم، وظل الخلاف فيها وحولها قائما إلى أن ظهر من يروّج لها بأنها قضية قد أجمع عليها العلماء وهم يتفقون على أن الكلام حقيقة ومجاز.

لقد رُسّخ هذا الإجماع من طريق مباشر أو غير مباشر في البرامج التربوية والمقررات المدرسية في جميع المستويات مثلما رُسّخ في الأذهان بأن العلاقة بين الدّال والمدلول عليه هي علاقة اعتباطية، وأنّ العلامات الأكثر شيوعا وانتشارا في كلّ الألسن البشرية هي العلامات الاعتباطية، وأن البشر يتواصلون فيما بينهم بذلك.

وهناك مسألة أخرى هي من صميم موضوع فلسفة اللغة واللسانيات، ولكنها أقصيت منهما بدعوى عدم الجدوى من النظر فيها، وألاّ طائل منها إذا ما اتخذت موضوعا لسانيا، نعني بذلك مسألة أصل اللغة الإنسانية ونشأتها.صحيح أنها قضية شائكة وأنها من العواصة بمكان، لكن هذا لا يعني أن المرء لا يجني من جرّاء البحث فيها إلاّ الأوهام؛ لأنها على الأقل أفرزت لنا مذاهب معتبرة، وإذا ما تأملنا المذاهب الكبرى في هذا الصدد، على نسق السلف أو على نسق غيرهم تبيّن لنا أنها مسألة كلية منضوية فيها مسائل جزئية، باعتبارها متفرعة عليها؛ إذ أنىّ لنا فهم منبع القضايا اللسانية التي هي عماد موضوع فلسفة اللغة  واللسانيات اليوم، من مثل العلاقة التي تجمع الدال والمدلول عليه والمشترك والمترادف والمتضاد من الألفاظ، والاسم والمسمى والحقيقة والمجاز، والمرجع والأيقونة والمؤشر والممثل، فضلا عن الفهم والإفهام والقصد والبيان، وكذا قضية الإنسان وأشياء العالم الذي من حوله، وغير ذلك كثير، من دون الانطلاق من مذهب من المذاهب المعروفة في أصل ونشأة اللغة الإنسانية؟ على هذا فنحن إذا تأملنا حقيقة القضايا المذكورة، ألفيناها مجرد فرضيات أو أراء لا ترقى إلى مرتبة المسلّمة فضلا عن أن تكون بديهة لسانية أو في مرتبتها.

بناء على ذلك، يكون مشروعا أن نتساءل عمّن أجمع على الفصل في هذه القضايا؟ ثم ما هي صيغ الإجماع التي تم بها ذلك إن كان يوجد إجماع فعلا ؟

من هذا المنظور أيضا، يمكن عدّ الكتاب دعوة إلى إعادة استئناف البحث في تلك المسائل اللغوية التي رُوّج لها على أنها مجمع عليها، وقد تم الفصل فيها بخاصة المسائل الثلاث الأساسية، وهي أصل اللغة الإنسانية ونشأتها والحقيقة والمجاز والاعتباطية، فهذه مسائل وقضايا لا نراها مفصولا فيها، بل هي قضايا عالقة بامتياز، وفكّها يعد فكّاً للعديد من الإشكالات اللغوية في اللسانيات كما في فلسفة اللغة التي ما تزال غامضة جدا.

وهو في جانب آخر يصدر عن وجهة نظر خاصة أو من تصور خاص أطلقنا عليه اصطلاحا “الإرادة البيانية”،بوصفها المنطلق والهدف في اللغة الإنسانية بيانا وإفهاما وقصدا، وليس يتم هذا إلاّ بالعوائد اللّسانية في العملية التواصلية.

هذا، وقد يصادف القارئ كوكبة من المصطلحات الجديدة عليه، ويتطلب منه الوقوف على مضامينها ودلالاتها في سياقاتها تركيزا مضاعفا بعض الشيء أثناء القراءة ؛لأنها مصطلحات مفاهيم أساسية لفهم مضمون الكتاب كلّه، والعلّة في ذلك – على الأقل في ظنّي – هي كون هذا الكتاب كتابا يحاول إلقاء تصور لساني وفلسفي خاص إلى الجمهور المتخصص في فلسفة اللغة وفلسفة اللسانيات، وينتظر التوجيه والتسديد بما يثمر نقاشا وأعمالا أخرى أكثر دقة وموضوعية وعلمية.

من هذا المنظور لا يمكن أن نصنف هذا الكتاب ضمن الكتب التي تروم تبسيط قضايا فلسفة اللغة وفلسفة اللسانيات، أو تقديم عرض شامل ومتسلسل للمراحل التكوينية والتطورية التي مرّت بها فلسفة اللّغة واللّسانيات، وليس هو شرح وتذليل لمفاهيم ولمصطلحات هذا التخصص الدّقيق، كما أنه ليس عرضا لفكر شخصية فلسفية أو لسانية تفردت بتصورها الخاص وجعلت تضع لنفسها نسقا فكريا وتأمليا في فلسفة اللغة كما في فلسفة اللّسانيات، وإنمّا هو – كما قدمنا القول – انتقاء لمسائل نراها جوهرية وأساسية في فلسفة اللغة وفلسفة اللسانيات، تتيح لنا فهم مختلف القضايا الفرعية التي نشتغل عليها في فروع اللسانيات المعروفة والبلاغة والتواصل اللساني أيضا.

والله من وراء القصد.

 م.ب.                                         وادي ارهيو سبتمبر2019.