تفصيل

  • الصفحات : 236 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2021،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-104-3.

تبقى التحديات أمام المرأة العربية والمسلمة، مرفوعة لإثبات ذاتها ووجودها، إثباتا حضاريا وفكريا لائقا بمستوى الإنسان في إطار الاختلاف النوعي (ذكر/أنثى)، والوجود الواعي بواقعه واختلافه دون السعي للتحجج بهذا الواقع لإثارة الجدل العقيم الذي لا يقف عند حد الدفاع عن الحقوق بل يتجاوزه عبثيا في معارك وهمية.

ولا يمكن بحالٍ من الأحوال، إثبات ذلك الوعي إلا من خلال كتابات المرأة وفكرها هي نفسها، فيصبح التساؤل الذي يتبادر للذهن، هو عن مدى وحدود تواجد المخيال الذكوري في المُنتَج الإبداعي والفكري النّسوي، على اعتبار أن الكتابة ظلت فعلا ذكوريا،والتّنشئة الإبداعية والفكرية للأنثى كانت من طرف الثقافة الذكورية.لهذا جاء هذا الكتاب والموسوم ب “حين يكون للأنثى رأي آخر/فاطمة المرنيسي وكتابتها السجالية[1] حول النّسوية والخطاب الديني”.

فقد تمَّ تصنيف الكاتبة العالمية فاطمة المرنيسي ضمن تصانيف كثيرة؛ حيث اعتبرت –لدى الكثيرين- نسوية مهتمّة بقضايا الحداثة شأنها شأن الحداثيين الكبار في العالم العربي، وعلى رأسهم محمد أركون، وعابد الجابري، ونصر حامد أبوزيدمن جهة، كما تمَّ تصنيفها كنسوية إسلامية تهتم بقضايا الإسلام من جهة أخرى على أساس احتكاكها بالموروث الديني، والعودة للدين كنصوص وكممارسات أو كأفعال في أرض الواقع(مع أن الخطاب الديني يتبلور ضمنيا في حيازات المذكر بحكم العادة).

فإن صدقت تلك الفرضيات، تبدأ ملامح تساؤل مشروع حول تلك الإمكانية التي منحت لفاطمة المرنيسيالقدرة على التوفيق بين الاتجاهين، فكيف تستطيع أن تكون حداثية وهي التي أثبتت وجود كاتبة (أنثى) ولها تميّزها، مع أن الحداثة في ممارساتها تخرس صوت الكاتب، وتحتكم إلى المنتَج الفكري والإبداعي، كأنه وحده وُجد من العدم. ثم كيف بعد ذلك تكون نسوية إسلامية والحداثة ترفض هذا المسمّى “الإسلامي”، كما يرفض الإسلاميون تحرّر النسوية وبحثها في الأنساق الاجتماعية بغرض تغييرها؟

ثم لا بد من طرح تساؤل آخر أسبق:هل أمكن للنُّقاد إثبات انتماء فاطمة المرنيسي للنسوية، كي يتم –بعد ذلك- تصنيفها ضمن النسويات الإسلاميات؟ على فرض أن النسوية الإسلامية، هي عنوان ترفعه بعض النساء المسلمات المدافعات عن الحرية والمساواة بالعودة إلى قراءة جديدة للنص الديني، من أجل كسب حقوقهن السياسية والاجتماعية العادلة، ومواجهة كافة أنواع التمييز الموجودة -حسب قناعتهن-في ثنايا الإسلامك(إيديولوجيا)؛ فالنّسويات الإسلاميات مثلهن مثل الباحثين في مجال التجديد الديني، يعتقدن أن صور التمييز ضد المرأة هي نتاج للتفسير الديني الذكوري الوصائي المستند إلى الأحاديث الدينية، وأن شأن التمييز لا يتعلق بتاتا بالنص القرآني الذي يعتبر المرجع الأساسي للدين الإسلامي. لذلك تُشدّد النسويات الإسلاميات على ضرورة الخوض في تفسير ديني جديد للنص الديني.

وبالتركيز على فكر المرأة في هذه الدراسة، تنبثق وتتبلور إشكالية كبرى يمكن صياغتها على النحو الآتي:

هل تكتب المرأة عن الدين أو في الدين وهي مستحضرة وعيها النّسوي،وذاكرتها بكلِّ خصوصياتها التاريخية والثقافية والفكرية التي تسعى لإثباتها عبر نضالها، الأمر الذي يجعل من غير السهل تعامل هذا الفكر بموضوعية مع الخطاب الديني مادام انجراح “الأنا” النسوي سيكون متوقَّعا أيضا، وحينها سيكون الافتراض السائد _ وإن كان مُضمَرًا_ بأن المرأة إن كتبت أو تحدثت في الدين، فإنها تكتب من موقع مضادٍ ومن كوكب العدو، وتكون لامحالة – حسب هذا الاعتقاد- مع حزب الشيطان.

وقد يكون نضال المرأة الفكري والاجتماعي قد أفضى بها إلى التخلص من منطق رد الفعل، الذي استهلك ورقا كثيرا من إنتاجها وتشظّيها، في معارك لم تحسم إلى اليوم ضد الذكر حين يرفض وجودها، وحين تستفحل طروحاتها الفكرية –هي نفسها- لتصبح ذكرا آخر ودكتاتورا لا تتفطّن إليه. أو في نضالها معه حين يؤمن بحقها في النضال، ويكون نسويا في توجهه، مؤدلجا لخطابها النضالي تارة، ومدافعا –من خلاله- عن حقوق الإنسان تارة أخرى.

هل تميّز المرنيسي بين الدين وفهم الدين أو الخطاب الديني بصورة أشمل؟ وهل من الممكن أن تتبنّى فكرة الدين(الإسلام) لدرجة أن ترفع شعار النسوية الإسلامية، أم أنها تدقق في مواقفها الفكرية، وتدركبأنها لا تحتمل الوقوف على نقطة المنتصف، فهي أدق من أن يصمد فوقها متحاذق أو ملفق؟

فهل تقف فاطمة المرنيسي ضد الرّجل والدين؟ وهل يشكّلا–بالنسبة لها- غريمين حقيقيين، على غرار المنطق الأول للنّسوية؟

وعليه، أين تقف–إذن- فاطمة المرنيسي في نضالها الفكري وهي ابنةٌ للحريم؛ حيث تتنامى آلام الأنوثة بالحجب والإقصاء، وإلى أين تصل وهي الدارسة بالجامعات الغربية والفاعلة فيها بإنتاج فكري معترف به أكاديميا في الغرب على وجه الخصوص؟ وعلى أيِّ محمل من المعاني والتفسيرات ستحمل سور القرآن التي حفظَتها صغيرة؛ حيث يصعب عليها مفارقة تلك العواطف للثابت الحاضر في ذاكرتها ووجدانها، حين تجول أفكارها في شوارع باريس وعواصم العالم ؟

عوالم فاعلة في تشكيل خطاب متفرّد ينتظره كل من يحمل قضية مع الدين (الإسلام) أوضده. وعليه أيضا، تتزايد خطورة الخوض في هذا الموضوع، ففاطمة المرنيسي حقيقة وجديرة بكل دراسة، لما لها من وعي بواقعها ومتغيراته كلها، وهي صاحبة الفكر المبحر في التاريخ، والهادئ المتسلّل إليك بكل أدب في نص يصل إلى حدِّ الإبداع السردي.

وهل حافظت فاطمة المرنيسي على الأفكار نفسها منذ بداية مسيرتها البحثية والتأليفية، أم تراها غيّرت وطوّرت في موضوع من موضوعاتها؟ إذ من الوارد أن يتخلى الكُتَّاب عن بعض آرائهم التي يتبنّونها عادة في بداية مشوارهم مع الكتابة والبحث.

لذلك يحاول هذا الكتاب تناول كل تلك الموضوعات والتساؤل حولها، فاتحا المجال أمام القارئ لتساؤلات أعمق كي يبحث ويناقشها.

 

[1]– السجال هو خطاب خلافي يهدف إلى دعم موقف محدد عن طريق عمل ادّعاءات عدوانية وتقويض الموقف المعارض. غالبا ما يكون السجال في المناقشات المتعلقة بالموضوعات المثيرة للجدل. وغالبا ما يستخدم في الخطابات الدينية والسياسية، كما يوظف في الفلسفة والنقد، ويتجاوز السجال حد المناظرة والمناقشة في مستواها البسيط بطرق عدة، ويعتمد على خطاب حجاجي يتطلع إلى وضعية القضاء على الخصم نفسه. ويتجه هذا الفعل عمليا إلى الجمهورالذي من الممكن أن يكون وهميا رغبة في تقديم الدعم للمُساجل.