تفصيل

  • الصفحات : 190 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-294-1.

كتاب ” دراسات في المنهجية واللغة” للكاتبة “بناني شهرزاد” هو مجموعة من المقالات الأدبية التي كتبتها وجمعتها بين دفّتيه، تعكس هذه المقالات خبرة ذاتية لا يستهان بها للكاتبة، إذ امتزجت أفكارها وعواطفها امتزاجًا تامًّا بأسلوبها، بحيث تجيء عباراته جامعة لأكثر ما يمكن من أفكار وعواطف في أقل ما يمكن من عسر وغموض، فإذا قرأت هذا الكتاب فإنه سيروعك جمال معانيه أكثر مما سيشغلك جمال لفظه.

ولعلّ الحديث عن أعمال  الدّكتورة الفاضلة “بناني شهرزاد”  يأخذنا بعيدا إلى جماليات الابداع وخاصة في حقل الأدب واللغة والمنهجية الذي يسافر بنا الى ملكوت الذات، تحملنا هذه الذات من ضيق العالم إلى الاتساع والرّحابة وتحلّق بنا في عالم القراءة الممتعة التي تعكس الوجه الآخر للمبدعة، كأنّ الكاتبة الفاضلة ” بناني شهرزاد” أرادت القول من خلال هذا الكتاب: ” ما أشدّ أن تمتشّق القلم وتحرّر هوامش على متون من الابداع، هي عصارة فكر أصحابها وجزء من أرواحهم ها أنا أطلق العنان لقلمي الذي لا يمكن كبح جماحه، نعم انطلق في عنفوانه غير آبهٍ بطول مدى الحلبة أو قصرها، وبخطر ما هو مقدم عليه.”

باكورة مقالات الكاتبة بناني شهرزاد تتناول واقع تحقيق المخطوطات في الجزائر في الوقت الذي أضحى المخطوط الجزائري بين مطرقة الأخطار التي تهدّده وسندان النّسيان، حاولت الكاتبة أن تستنهض همم الباحثين والدارسين والمهتمين بالتراث وكذا المؤسسات الثقافية من أجل حماية هذا الإرث الحضاري الهام من الضياع  والنهب والسّرقة والتّلف، حيث يتقاطع هذا المقال مع مقال آخر للكاتبة موسوم ب : منهج تحقيق المخطوطات بين العرب القدامى والمحدَثين.

وممّا لا شكّ فيه أنّ تحقيق المخطوطات بحث علمي اهتدى إليه العرب قبل الغرب، وهذا دليل على أنّ العرب كانوا السبّاقين في ذلك، ولعلّ غاية الكاتبة من هذا المقال هي إثبات براعة العلماء العرب وأسبقيتهم في تحقيق النصوص، كما أنّها لم تقصِ  جهود المحدثين والمستشرقين من ذلك، فمع حلول العصر الحديث، ازدادت العناية بفن التحقيق حيث أخذ الباحثون والدارسون التأليف في أصول وقواعد هذا الفن.

بعدها عرّجت الكاتبة على حقل المنهجية فتحدّثت عن الأمانة العلميّة وأخلاقيات البحث  العلمي النّزيه، حيث أوضحت أنّ السرقة العلمية، صارت مركبًا مُحببًا لكثير من الطلبة الكسالى الذين صاروا يستسهلون السّطو على الجهد العلمي لغيرهم بغية إحراز الرتب العلمية المختلفة، خاصة في ظلّ هذه الطفرة التكنولوجية التي وفّرتها وسائل التواصل الحديثة.

وأوضحت الكاتبة أنّ السرقة العلمية صارت آفة حقيقية، وقد ألقت بظلالها على الجامعات الجزائرية في السنوات الأخيرة، ما أدّى إلى تراجع جودة التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر، وتراجعَ معها تبعًا لذلك ترتيب الجامعات الجزائرية، لتصبح هذه الظاهرة السلبية حجر عثرة في وجه التقدم العلمي الذي تنشده الجزائر، كغيرها من أمم المعمورة.

وفي ذات السياق تطرّقت الكاتبة إلى استراتيجية بناء البحث العلمي باعتبارها دعامة أساسية تهدف إلى تعزيز الوصول المفتوح للبحوث والتكنولوجيا، وعرض  المبادرات البحثية والشراكات الدولية بغية الرقي العلمي والتكنولوجي، ودعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية بغرض بناء مجتمع قائم على المعرفة.

شهادتي في الكاتبة “بناني شهرزاد” ولا نزكّي على الله أحدا أنّها كاتبة متميزة صاحبة لغة راقية منمّقة، حريصة ودقيقة في اختيار مقالاتها وكتاباتها التي تتراوح بين القوة والتّواضع، ولعلّ ما يؤكّد حرصها وجدّيتها أنّها لم تكتف بحقل المنهجية والنّقد، بل ولجت أيضا حقل اللسانيات من باب المصطلح اللساني الذي لا يمكن التوصل إلى كُنْهٍهِ ومنطقه مالم نكن متمكنين من مصطلحاته، إضافة إلى  إشكالية ازدواجية اللغة في ظلّ الانفجار المعرفي الكبير والتقدّم التكنولوجي، إذ أصبحت التعدّدية المصطلحيّة تهدّد اللسانيات العربيّة  وما تعانيه من فوضى واضطراب في التّرجمة وغيرها من المشاكل المحدقة بها.

تطرّقت الكاتبة أيضا إلى أهمّ مبحث من مباحث الدراسات اللسانية وهي التداولية باعتبارها تهتمّ بدراسة الكيفية التي يسلكها الناس لفهم الفعل الكلامي، وكيفية انتاجهم له، فهي حقل واسع جدّا يشمل كل جوانب اللغة، وتهتمّ بالمعاني التي تغاضت عنها حقول معرفية أخرى، لذلك فتأثير التداولية كبير جدّا، فقد وفّرت أفعال الكلام تفسيرات للسلوك السوسيو لغوي وكذلك وفرت دراسة أفعال الكلام والمشيرات في النصوص الأدبية، الشعريّة والروائيّة.

ومن الحقول المعرفية التي امتطتها الكاتبة بناني شهرزاد حقل التّعليمية إذ تناولت واقع التعليم التكنولوجي وفاعليته في العمليّة التّعليمية التعلّميّة إذ أصبح هذا الاستعمال ضرورة لا غنى عنه في تحقيق أهداف التربيّة والتكوين، ومن هذه الأسباب الانفجار المعرفي والانفجار السكاني وثورة المواصلات والاتصالات والثورة التكنولوجيّة وما يترتّب عليها من سرعة انتقال المعرفة، كلها عوامل تضغط على المؤسسة التربويّة من أجل مزيد من الفعاليّة والاستحداث والتجديد لمجاراة هذه التغيرات، وحلّ المشكلات التّعليميّة، وتحقيق الأهداف التّربوية المنشودة.

وفي ذات السياق أرادت الكاتبة الوقوف على واقع أدب الطفل في المقرر المدرسي الجزائري وما إذا كان الكتاب المدرسي يُساهم بشكل فعّال في الحفاظ على الهوية، باعتبار أّنّ أدب الطفل أدب يراعِى خصائص الطفولة ومداركها، وهو أدب يتدرّج في بناء شخصية الطفل ويُشبعها بالقيم والفضائل وحب الاستطلاع وسعة الخيال والقدرة على التمييز بين الصّالح والطّالح بما يتناسب وعمر هذه الفئة.

أرادت الكاتبة تشخيص الأزمة التي تعاني منها غالبية الدول العربية، وخاصة الجزائر ومدى الاهمال الذي يعاني منه أدب الطفل في مجتمعاتها؛ إذ بات لزاما إيجاد الأرض الخصبة من أجل طفل أكثر قابلية للتعلّم والإبداع، ومن ثمّ الاستثمار في مكتسباته ومدركاته.

الكاتبة بناني شهرزاد طاقة إيجابيّة قويّة، أفخر بأن تكون رفيقة لي في القلم الصّادق والهادف، أظنّها دخلت معركة الحرف وهي فائزة سلفًا، أراها منافسة قوية في الساحة الأدبية وكفاءة عاليّة قادرة على تحصيل قيمة مضافة كبيرة للكتاب والأدب بكل أجناسه ومختلف حقوله، لعل حرفها غنّي عن شهادتي، أتمنّى أن تلقى الدّعم الكافي  من قبل الجهات الوصيّة لتطوير مهاراتها في الإبداع الأدبي، دام تألقها وتوهّجها، بارك الله في قلمها، أسأل الله العلي القدير لها التّوفيق والسّداد.

الدكتور بحري قويدر

مقدمة:

يضع هذا الكتاب بين يدي القارئ ثمانية مقالات منها ما هو غير منشور ومنها ما هو منشور ضمن أعداد مجلات علميّة وطنيّة محكّمة، ومنها ما هو عبارة عن مداخلات علميّة صِيغت في إطار المشاركة ضمن فعاليّات وتظاهرات علميّة وطنيةّ في مختلف الجامعات الجزائريّة، مضامينها متنوعة تجمع بين حقلين معرفيين هما: المنهجيّة واللّغة، وعلى تنوع محاورها واختلاف طرحها تتقاطع وتشترك في قالب العلميّة لتقدم للباحث مادة معرفيّة واضحة المعنى سليمة المبنى فتكون مرجعا لطرح دراسات مشابهة أو تحِيله لصياغة قضايا أوسع.

إذًا جاء محتوى هذا الكتاب مزدوج المادّة بين قضايا لغويّة وأخرى منهجيّة ومن أولى القضايا المنهجيّة المطروحة قضية الرقمنة من خلال مقال يعالج منهج تحقيق المخطوطات الجزائريّة في ضوء ثنائيّة الحفاظ على الهوية ومواكبة التطورات الرقميّة، فالحفاظ على المخطوط يعني الحفاظ على الهوية والتراث الوطني في الجزائر، ولا يتأتّى ذلك إلاّ من خلال تحديد الطرق العلميّة التي تنظّم هذا الإرث الفكري والحضاري الذي تزخر به المكتبات، ومعالجته بطرق علميّة وفنيّة حديثة بعدها إتاحته للباحثين، لذا أصبح من الضروري الاعتماد على التكنولوجيات الحديثة في الحفاظ عليه من التّلف وكذا تسهيل الوصول إليه.

وفي سياق المنهجية والحفاظ على النتاجات الفكريّة أنتقل إلى موضوع مكمّل يتناول قضية مهمة ومحوريّة في حقل المنهجية ألا وهي الأمانة العلميّة وأخلاقيات البحث، فرهان البحث العلمي مرتبط بالالتزام بالقيّم الأخلاقيّة وتفعيل الأمانة العلميّة، ولا تقتصر مسألة الأمانة العلميّة على مكافحة السرقات العلميّة، بل تفتح أمامنا قضية أخرى مهمة لها علاقة بالطرف المنتج لهذه المادّة وهي حقوق الملكية الفكريّة، فالبحث العلمي هو أمانة الأداء قبل أن يكون وسيلة علميّة، والأمانة العلميّة صورة أخلاقيّة قبل أن تكون ضابطا أخلاقيا، فهي تفعيل لحق الملكيّة الفكريّة، ومن أشكال الحماية لحق المؤلف في مفهوم الأمانة العلميّة هو ما توفره الجامعات من حماية للنتاجات الفكريّة.

وغير بعيد عن فضاء المراكز البحثيّة سلطت الضوء على أهم الاستراتيجيات المسطّرة في بناء البحث العلمي باعتباره ثقافة فكريّة ودعامة تنمويّة أَوْلت لها الدول المتقدمة اهتماما كبيرا، باعتبار البحث العلمي يشكل ميدانا خصبا ودعامة أساسيّة لتطور الدول، وطبعا هذه الثقافة الفكريّة لا تتأتّى إلا من خلال تنميّة القدرات البحثيّة للباحث في جميع محاور البحث العلمي، وبشكل دقيق من النواحي العلميّة والميدانيّة وتفعّيل النشاطات، فتتحقق بذلك التنميّة ويصبح البحث العلمي دعامة تنمويّة.

ومن الحقل المنهجي إلى الحقل اللغوي وبالضبط فيما تعلق بالبحوث المصطلحيّة ومع المصطلح اللساني في الجزائر وإشكالية ازدواجيّة اللغة، فالمصطلحات تمثّل مفاتيح العلوم ولا يمكن التأسيس لمفاهيمها ومعارفها إلا بضبط الجهاز المصطلحي الخاص بها، غير أنّ المصطلح اللساني يواجه فوضى اصطلاحيّة بسبب مشكلات عديدة أهمها إشكالية الازدواجيّة اللغوية، وبالتحديد في الحقل اللساني الجزائري بسبب اختلاف مصادر التكوين العلمي اللساني للدارسين ومنه تعدّد المصطلح بعد نقل المعرفة من اللغات الأجنبيّة إلى اللغة العربيّة.

وغير بعيد عن السياق ذاته تُطرح قضية مهمة في الحقل اللغوي ألا وهي قضية المعنى وحيثياته، والذي عرف مباحث وأطروحات عديدة حاولت الكشف عنه في سعي حثيث وراء رسم منهج قويم يمكّن الدارس من الوصول إلى المعاني الخفيّة خلف التراكيب، وبما أن الخطاب يحوي حدودا لغوية تتطلب معلومات سياقيّة أثناء التأويل الذي يدرس اللغة في حيز الاستعمال الفعلي، وهذا هو صميم البحث التداولي، فالتداوليّة مُعطى استراتيجي هام في تحليل الخطاب الأدبي كونها تجمع بين البنائيّة الوصفيّة والسياقيّة والوظيفيّة، وغيرها من الحقول التي تلتقي مع الدرس التداولي.

وفي مقابل الجهود اللّغويّة هناك جهود نقديّة لدارسين وباحثين أثْروا بدراساتهم ونتاجاتهم المكتبات البحثيّة،  وتحقيق المخطوطات من المجالات التي زاوجت بين الجُهدين والدرسين اللغوي والنقدي خلال اشتغالهم على النصوص القديمة، كونها تعتبر مادّة الدرس تأريخا ونقدا ومقارنة وتحقيقا، فلا يمكن تصور تحقيق نصّ بدراسة نقديّة دون آليات لغويّة، إضافة غلى تقنيات منهجيّة وهذا هو محور الحديث في هذا المقال الذي يقف على دراسة مقارنةٍ لمنهج تحقيق المخطوطات بين العرب القدامى والمحدثين في ضوء إشكاليّة بحثيّة قوامها ثنائيّة الامتداد والقطيعة.

وغير بعيد عن السياقات السابقة الذكر وبين اللّغة والمنهجيّة يبرز حقل مهّم يجمع بينهما وهو حقل التعليميّة، فننزل بالدرس اللغوي والمنهجي إلى ميدان التعليم في ضوء الوسائط التكنولوجيّة، وبالتحديد في إطار البحث عن شروط الادماج الناجح، فالتطور التكنولوجي في ميدان المعلومات والاتصالات يلعب دورا هامّا في البيئة التعليميّة، وأضحت المؤسسات التعليميّة اليوم في حاجة ماسة إلى تبنّي هذا التطور وادماجه ضمن منظومتها من خلال ربط مختلف الوسائط التكنولوجية بالمحتوى التعليمي وإشراك المتعلم في العمليّة التعليميّة من خلال تزويده بمهارات تشغيل وتفعّيل هذه الوسائط.

وغير بعيد عن الوسائط التعليميّة يُختم الكتاب بمقال يربط أحد أهم الوسائط التعليميّة ألا وهو الكتاب المدرسي بشكل تعبيري فني مخصص لفئة الأطفال وهو أدب الطفل، في محاولة للوقوف على الإضافة التي يقدمها المبدع في هذا الأدب للمحتوى التعليمي، والتعرف على المعايير التعليميّة التي يخضع لها هذا الأدب حتى يتناسب ويتوافق مع الأهداف التعليميّة المسطرة، وهذا طبعا لا ينجح إلا من خلال إخضاع هذا النّتاج الأدبي للرقابة المعرفيّة والنقديّة التي تُلزم المبدع احترام الخصوصيّة الصعبة لبناء هذا الأدب وسدّ احتياجات الطفل في هذه المرحلة بما يتناسب وتحصيله النفسي والعلمي والتربوي وحتى الابداعي.

وقد سار تشكيل مضامين هذه المقالات وفق مناهج بحثيّة متنوعة ومتناسقة بداية بالمنهج الوصفي في عرض المادة المعرفيّة وتسلسلها المنطقي، إضافة إلى المنهج المقارن والذي كان بارزا في أغلب المقالات التي قام البحث فيها على إشكالات ثنائية، مع الاستعانة بالمنهج التاريخي عند الوقوف على تطور بعض المفاهيم تاريخيا، وكذا المنهج الإحصائي والتحليل لبعض الظواهر اللغوية والتعليميّة.

د. بناني شهرزاد