تفصيل

  • الصفحات : 239 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2017،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-484-57-8.

ليست الحداثة في مفهومها العام نظرية جاهزة يمكن الحكم عليها أو الإمساك بها، ولكنها تجربة شائكة مترامية الأطراف ضمن أطر وسياقات ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية مختلفة، إنها خطاب التحوّل الذي أحدث شرخا وخلخلة هائلة داخلية ورهيبة في المفاهيم، وفي بنية النُظم الثابتة والمطمئنة.

وهي في الشعر طريق مختلف في فهم الوجود وتقديمه، منحى آخر في ملامسة وتحسّس الموجودات والتفاعل معها؛ وفق رؤية فنية تساير الحياة والعالم في تغيرهما وحركتهما التي لا تهدأ فحيثما يطرأ تغيّر على الحياة وظواهرها تتبدل نظرتنا إلى الأشياء من حولنا ليتقدم الشعر معلنا:«أنا الذي رأيت “.

إن الحداثة الشعرية هنا رؤية خاصة تصدر عن نظرة فريدة وثاقبة لتبين عن أوضاع الذات التي أبدعتها، وطريقة حضورها نصيا، أو بالأحرى تاريخيتها في الكتابة، ولهذا كان من أهم شروطها عدم الاكتمال والتجدّد المستمر، الحداثة إذن نمط اختار أصحابه لوعة السؤال على مهادنة الإجابة وعنت الحيرة على لذة الاطمئنان، إنها حداثة طرحت مجموعة من الإشكاليات والقضايا الحرجة على مستويات مختلفة.

لقد جسدت الحداثة الشعرية العربية نضال مبدعيها وتطلعاتهم ضد أشكال التخلف، ومهّدت لبحثهم الدؤوب عن أشكال وطرائق جديدة في التعبير، وافتتاح أفاق تجربية في الممارسة الكتابية استجابة لمطالب حضارية من جهة، وتلبية لحاجات جمالية ناشئة في المجتمع العربي من جهة أخرى لم تكن موجودة من قبل، أو لم تكن لها هذه الأهمية التي تستدعي فعل المغايرة أو الاختلاف عن السائد والموروث.

من هنا بدأ اهتمامي بهذا الموضوع، وقد كان للدراسات التي سبقتني إليه وهي كثيرة ومتنوعة دور الباعث على الاستمرار في تقصي ما أغفلته واكتناه ما تجاهلته، إذ انصبت هذه الدراسات على رصد واستعراض القضايا والظواهر الفنية والمعنوية لشعر الحداثة، بما في ذلك شروطها، وأنماطها وظواهرها المتكررة، وحتى أوهامها، مغفلة بذلك شعريتها التي هي مدار تميزها وتألقها، وأهم أسباب استمرارها متجاهلة دور المتلقي في اكتناه هذه الشعرية بما هي عملية تذوقية معقدة.

وعليه قررت أن أتناول بالبحث والدراسة هذا الموضوع آخذا في الحسبان البحث عن القيمة الجوهرية للحداثة الشعرية؛ من خلال الدفع بدور المتلقي إلى أقصى ممكناته في اكتشاف شعريتها وجماليتها.

ولما لم يكن في المقدور تناول ذلك عند كل شعراء الحداثة، بدا لي مراعاة لأصول منهجية البحث العلمي أن أتناول القضية التي ألمعت إليها آنفا من خلال عينة للدراسة تتوفر فيها شروط الرؤيا والبناء الدرامي والشعرية، المؤدية إلى الاتصاف بالحداثة بلا شك، فجاء البحث موسوما بـ: (الحداثة الشعرية عند محمد عمران • مجموعة«أنا الذي رأيت« أنموذجا ).

والهدف من هذه الدراسة التي لا أزعم لها الكمال بقدر ما أصبو إلى جعلها تفي بالغرض الذي وجدت لأجله أحدده في نقاط أهمها:

– البحث في قيمة الرؤيا الشعرية ودورها في حداثة البناء الفكري عند الشاعر محمد عمران.

– البحث في علاقة الحداثة بالأطر والأشكال، ومدى تطوّر وتحوّل هذه الأشكال في التجربة الشعرية للشاعر، والأسباب الجوهرية لهذه التحولات، وإسهاماتها على مستوى البناء الدرامي.

– محاولة اقتناص القيمة الجمالية لتوظيف مجموعة من التقانات في النص الشعري، وطريقة اندغامها في لحمته لتصبح جزءا منه.

– محاولة التأكيد على أن القيمة الحقيقية لأي حداثة تتمثل في شعريتها، وليست في ظواهرها الجديدة.

– افتراض وجود علاقة وثيقة بين القارئ والنص؛ وهي علاقة ذات شأن كبير على مستوى شعرية التلقي وإعادة إنتاج النص، واكتشاف أسراره وخباياه.

ولقد استعنت على مقاربة هذه الأهداف بالمنهج الذي رأيته ملائما، وهو منهج مركّب يقوم على ركائز الوصف والتحليل والتفكيك، محاولا تطبيق بعض المقولات النظرية للتلقي والشعرية كما أرسى دعائمها بعض النقاد العرب والغربيين على السواء، ولهذا سيكون تحليل المادة الشعرية ملتقى الإجراءات السالفة الذكر، فالطريق إلى الشعر نقديا هو الشعر نفسه.