تفصيل

  • الصفحات : 725 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-252-1.

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد:

فإنه يصعب استيعاب أي علم وافد من ثقافة أخرى وبيئة مختلفة عن البيئة المستقبلة، دون الرجوع إلى منطلقاته وخلفياته، والحفر في قضاياه المعرفية والابستيمولوجية، إذ بهذا التنقيب والحفر تتجلى القضايا الكبرى للعلم، وتبرز الإشكالات المنهجية والتصورية التي تفتح الآفاق للباحثين والمهتمين بهدف البحث والتقصي، والرقي بالعلم ليجيب على إشكالاته وإشكالات امتداداته تجاه العلوم والكون والإنسان.

وتزداد عملية الحفر والتنقيب أهمية في الثقافات المغلوبة التابعة، المكتفية بهضم المعطيات الجديدة، والسعي الحثيث الدائم إلى الاطلاع عما ينتجه الآخر واستيراده؛ حيث غالبا ما ترافق هذه العملية إشكالات عميقة، منها الإسقاط العشوائي، والفوضى في الترجمة وفي البحث عن المقابلات الأجنبية المستوردة بالألسن المحلية، والاجتهاد الفردي في التعريف ووضع الحدود والمفاهيم، أو بإجراء المقارنات بين القديم والحديث، والتعصب لأحدهما لاعتبارات فكرانية دون الاستناد إلى البراهين والحجج العلمية.

ولأن اللسانيات من العلوم الحديثة الوافدة من أوروبا وأمريكا على الثقافة العربية في أحلك مراحلها التاريخية وأضعفها، فقد رافقت تلقي هذا العلم في بلداننا العربية والإسلامية إشكالات منهجية وموضوعاتية ومفهومية وغيرها، مما جعل الممارسة التقويمية والدراسة النقدية لمنجزنا اللساني حاجة ملحة وضرورية. وهي حقيقة أدركها كثير من اللسانيين ورواد النقد اللساني العرب، أمثال: الفاسي الفهري وأحمد المتوكل وعبد الرحمن الحاج صالح ومحمد الأوراغي وأحمد العلوي ومصطفى غلفان وعبد السلام المسدي ومختار زواوي وحافظ إسماعيلي علوي وامحمد الملاخ، وغيرهم.

وبالرغم من تعدد مصطلحات ومسميات هذا النوع الجديد من الدراسة اللسانية، -من قبيل: النقد اللساني، والتقويم اللساني، والمراجعة التقويمية، وابستيمولوجيا اللسانيات واللسانيات النقدية، والتحليل النقدي للخطاب اللساني، وغيرها-فإنه أصبح أمارة على الجهود اللسانية التي تعمل على نقد النظريات اللسانية، والبحث في منطلقاتها وخلفياتها، والحفر والتنقيب في المنجز اللساني العربي، ومواكبة تلقيه في الثقافة العربية وما رافق ذلك من إشكالات دقيقة، واختبار نتائجه مقارنة بالغايات المسطرة والآفاق المأمولة، وكذا الكشف عن نقط الضعف والخلل، ومحاولة الإسهام في اقتراح البدائل لتجاوز تلك الإشكالات.

إن العمل الابستيمولوجي في الدرس اللساني العربي الحديث، مسألة منهجية ضرورية، وإضافة علمية مميزة، بل إن النقد والمراجعة، والتجاوز بمعناه المعرفي، من أهم الجوانب المسهِمة في تطور الدرس اللساني وتجاوز إشكالاته وعوائقه واختلالاته، وكلما توقف النقد والمراجعة عن مواكبة العلم، توقف الإبداع والابتكار، وهيمنت السطحية والاجترار.

يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة من الدراسات العلمية الرصينة التي ينسقها الأخوان العزيزان، الدكتور ياسر أغا، والدكتور عبد الوهاب حِجازي، لتُسهم في المراجعة التقويمية لمنجزنا اللساني، ولتقدم مقاربات معرفية ابستيمولوجية لكثير من القضايا والإشكالات في لسانيات العربية، وتفتح آفاقا جديدة أمام الباحثين والمهتمين بهذا الحقل المعرفي الدقيق.  وقد ناقشت الأوراق العلمية التي أسهم بها خيرة من الباحثين واللسانيين في هذا الكتاب، مسائل في ابستيمولوجيا اللسانيات عند بعض رواد هذا الاتجاه أمثال غلفان وعبد الرحمن الحاج صالح والأوراغي والعلوي وتمام حسان وخليفة الميساوي وسامي إسماعيل والمتوكل والفاسي الفهري ومختار زواوي وغيرهم، منها الأسس والمنطلقات المنهجية لتفكيرهم اللساني والنقدي، وآفاق تجاربهم وآرائهم في كثير من القضايا، إضافة إلى ما واكب تلقي اللسانيات في الثقافة العربية من قضاياوإشكالات في النشأة والتلقي والماهية والمنهج والمصطلح وفوضى المفاهيم ومسألة القديم والحديث وغيرها.

وإذ أُثمِّن هذه الجهود العلمية البانية في مجال النقد اللساني وابستيمولوجيا اللسانيات، وأؤكد أهميتها في السعي إلى بناء ثقافية لسانية عربية تتجاوز استهلاك الأفكار والنظريات والمناهج واستيرادها إلى إبداعها وإنتاجها وتصديرها، فإننيأدعو الباحثين والمهتمين إلى التأمل والتمعن الدقيق في كثير من الإشكالات المثارة، وإلى المزيد من البحث والتنقيب والمشاركة في مشروع المراجعة التقويمية والنقدية، ليس في مجال اللغويات فحسب، بل كل مجالات المعرفة والعلم، فأمتنا اليوم في أمس الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى المنهج عامة، والمنهج الابستيمولوجي في مجال العلوم والمعرفة بخاصة.

وفي الختام لا يفوتني أن أشكر الباحثين العزيزين الدكتور ياسر والدكتور عبد الوهاب على جهودهما العلمية المباركة، خدمة للعلم والعلماء. وشكري للباحثين والباحثات الذين أسهموا في هذا العمل العلمي المائز، سائلا من الله أن يتقبل من الجميع وينفع به الكاتب والقارئ.

الدكتور مصطفى العادل، جامعة محمد الأوّل- وجدة ( المغرب )