تفصيل

  • الصفحات : 193 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-293-4.

إنَّ المتأمل للمنجز النَّقدي العربي في عمومه والجزائري منه على وجه الخصوص سيلحظُ دون ما مشقَّة غلبة الدّراسات النَّقدية التي ركَّزت جهودها على السَّرد جاعلةً منه محورا رئيسا لمختلف القضايا التي يُثيرها في شتى الأجناس الأدبية التي يتَّخذُها لبوسا له من رواية وقصَّة ومسرحية وسيرة ذاتية… ويُمكننا في هذا الصَّدد إحصاء عشرات الدّراسات الأدبية والنَّقدية التي تصدرُ سنويا، والأكيد أنَّ لكُل دراسة منها -أو بالأحرى لصاحبها- زاوية نظر معيَّنة واتجاه محدَّد في طريقة الطَّرح والتَّناول للإشكاليات والقضايا التي يُثيرها السَّرد وبه وعبره تتمفصلُ وتتموضعُ في النَّص، وعليه لا يمكنُنا المفاضلة بين هذه الدّراسات، إذ يكفي أنَّها تعدُّ مرجعا جديدا للباحث والدَّارس المتخصص، وتُثري مكتبة البحث سواء ما تلعَّق بالأدب الجزائري أو نقده.

وضمن هذا الإطار يمكن أن نضع مجهود الدكتورة “شهرزاد بناني” التي سعَت جاهدة في كتابها هذا أن ترصد قضايا تبدو مُتباعدة في جزئيتها ولكنَّها مُتقاربة في كُليتها، ذلك أنَّ ما يجمعُها كإطار عام هو السَّرد بوصفه حيّزا يشملُها ويحتويها، فالنَّقد الأدبي المعاصر قد أعلى من مرتبة السَّرد وعدَّهُ فرعا من فروع الشّعرية الحديثة، فأضحينا نتحدَّث عن شعرية الرواية وشعرية القص بل عن شعرية السَّرد، ولم يعد يُطلقُ على التَّتابُع الخطّي للأحداث أو على ما يُخالف الحوار في الأعمال القصصية، بل أضحى معيارا أجناسيا يُوسمُ به النَّص الذي يشملُ بنية حكائية (روائية/قصصية) ولا أدلَّ على مكانة السَّرد في الدّراسات النَّقدية المعاصرة كتلك الأولوية التي حظي بها في النَّقد الغربي مع “كلود ليفي ستراوس” و”تزيفطان تودوروف” و”جوليان غريماس” و”جيرار جنيت”… وغيرها من الدّراسات التَّأصيلية والتَّأسيسية التي استقرَّت به علما له أصوله وآلياته وتقنياته وهو “علم السَّرد” أو “السَّرديات”.

ركَّزت الدكتورة “بناني شهرزاد” جُهدها على السَّرد في الرّواية، ولا ريب، إذ تُعتبر الحاضنة الأولى له، ناهيك عن قُدرتها على امتصاص الأجناس الأدبية المجاورة لها وتمثُّلها لكُل ما في الحياة واستعانتها بمختلف الحقول المعرفية الأخرى كعلمي النَّفس والاجتماع والتَّاريخ والسّياسة، وكذا مساحة الحرية التي تُوفرها للرّوائي، وبغية الكشف عن آليات تمظهر السَّرد وتجلياته ورصد مختلف القضايا الفنية التي يمكنُ للسَّرد أن يُضفيها على الرّواية انتقت الكاتبة له العنوان الآتي: “قراءات في السَّرد الجزائري” ويبدو واضحا تخصيصها للمدونة المشتَغل عليها، فما السَّرد الجزائري إلا أحد الوجوه الأدبية للأدب الجزائري عموما، وهو ما يُعلي من قيمة الكتاب في ظل الشَّكوى المتزايدة من قلَّة المادة العلمية التي تُعنى بالأدب الجزائري.

يستمدُّ كتاب الدكتورة “بناني شهرزاد” قيمته من تعدُّد مضامينه والقضايا المدروسة فيه، فهي تتراوح بين مقاربة لظاهرة التَّجريب في الرواية الجزائرية، فتطرَّقت إلى مسألة تراسل الأجناس الأدبية في الرّواية الجزائرية، وهي قضيَّة ذات اتصال مباشر بما يطرحُه التَّجريب الفني في الحقل الروائي، وفصَّلت فيه من خلال الوقوف على تجارب روائية جزائرية معاصرة، تمثَّلت أساسا في “واسيني الأعرج” “وعز الدين جلاوجي” “وعز الدين ميهوبي” و”محمد مفلاح” و”حسين علام” لتنتقل بنا إلى ملمح آخر من ملامح السَّرد المعاصر عبر إثارتها لقضيَّة السَّرد الرَّقمي الذي لم تتَّضح معالمه بعد، على الأقل بالنّسبة للمبدع والمتلقي الجزائريين، فتعرجُ على مفاهيم لم يُفصل فيها النَّقد المعاصر كماهية السَّرد الرَّقمي وتقنياته بعد أن تُشخص إشكالية الانتقال من الكتابة الورقية إلى الرقمية واعتبار الأخيرة إبدالا معرفيا تكنولوجيا فرض نفسه وبقوة في زمن الثَّورة العلمية والمعلوماتية، يضمُّ الكتاب في طيَّاته أيضا دراسة مهمَّة تتمحورُ حول إشكالية ازدواجية اللغة وتضارب المصطلح، وقد تمكَّنت الكاتبة أن تربطه بمسألة الانتماء ومأزق الهوية، وقد اتَّخذت لذلك الرّوائي الجزائري رشيد بو جدرة أنموذجا للدّراسة، كما تُناقشُ في الكتاب قضية أخرى لا تقلُّ أهميَّة عن سابقاتها تتمثَّلُ في صُورة المدينة المتخيَّلة والمتحرّكة، وهي محاولة جادة لرصد التَّداخل الحاصل بين فني الرَّواية والسينما من خلال تركيزهما على المدينة كتيمة وبنية قارة فيهما، لتختمه بدراستين منفصلتين حول الرّواية النّسوية في الجزائر، من خلال البحث في خصوصية الكتابة النّسوية وما يمكنُ للمبدعة الجزائرية أن تضيفه للرواية العربية من النَّاحيتين الشَّكلية أو المضمونية، ناهيك عن محاولة ربطها بهوس الكتابة لدى المرأة الجزائرية.

إنَّ التَّعدُّد البيّن للقضايا السَّردية والفنية التي تُثيرها الرّواية الجزائرية والمدروسة ضمن كتاب الدكتورة “بناني شهرزاد” لكفيلة أن تُثير فُضولا معرفيا لا يخمدُ أو يهدأُ إلا بالوقوف على الكتاب وتفحُّصه، وهذا عهدُنا بالأستاذة “شهرزاد بناني” التي جمعتنا بها ملتقيات علمية وطنية ودولية ومحلية، ووجدنا في شخصها الباحث المجدَّ، والمهتم فعلا لا قولا بالمشهد الأدبي والنَّقدي الجزائري، ودماثة الخلق وتواضعا معرفيا قلَّما نعثرُ عليه في عصر أضحى يحمل شعار: “المعلومة متاحة للجميع ولكن قلَّة قليلة من تُحسنُ توظيفها واستثمارها” وإنَّنا لنرجو التَّوفيق والنَّجاح وأن تُتاح لها فرصٌ أخرى لتوثيق دراساتها القيّمة والتي ستكون بحق إضافة نوعية، خاصة وأنَّها تمتلك أسلوبا أدبيا راقيا ولغة نقدية متميّزة وإرادة لا يمكن لليأس أو الإحباط أن يتمكَّن منها.

الدكتور طيبي بوعزة