تفصيل

  • الصفحات : 125 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2020،
  • الغلاف : مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 9789931728795.

 

تعدّ قضيّة الزّمن من القضايا الإشكاليّة التي أثارت اهتمام الفلاسفة والمفكّرين والمتصوّفة    واللّغويين والباحثين والدّارسين قديما وحديثا[1] ولا تزال؛ إذ طرحت بشأنها العديد من التّساؤلات    في مجالات معرفيّة وعلميّة متنوّعة، فاختلفت المفاهيم والرّؤى والتّصوّرات المحدّدة لها باختلاف       هذه المجالات المعرفيّة، وباختلاف منطلقاتها الفكريّة والمنهجيّة والنّظريّة. وبذلك فقد تداخل مفهوم الزّمن مع “مباحث عديدة، ميتافيزيقية وطبيعية ونفسية، بحيث يجد الباحث نفسه لا يؤرخ لموضوع الزمان في الفترة التي يدرسها فقط، بل ولموضوعات أخرى كالحركة، والعلاقة بين الزمان         والوجود، وكذلك الزمان والنفس أو الوعي، وأزلية أو لا أزلية الزمان”[2]… وغيرها من المسائل     الدّينيّة والفلسفيّة والعلميّة المتعلّقة بهذه الظاهرة المعقّدة.

من هذا المنطلق أصبحت كلّ محاولة تسعى إلى تعريف الزّمن “وتحديد معالمه بدقة، عملية         لا تخلو من المبالغة والتهويل، بينما كل ما يمكن التطرُّق إليه هو محاولة الإحاطة ببعض خصوصياته حسب ما أشارت إليه بعض المؤلفات”[3] والاجتهادات القديمة والحديثة في محاولة للإمساك         بهذه الظّاهرة الشّائكة والمعقّدة، التي كلّما تمكّن الدّارس من إدراكها؛ فإنّه يكون من الصعوبة    تلمّسها والإمساك بتلابيبها.

   بناء على ذلك تحاول هذه الدراسة تناول هذه الظاهرة الإشكالية من خلال إثارة أبرز التساؤلات القائمة حولها، في مختلف مجالات الفكر والفلسة واللغة والأدب والنقد، وذلك في ستة مباحث كاملة، تم توزيعها على هذه المجالات التي طرحت فيها هذه القضية، إذ جاء المبحث الأول ليرصد اهتمامات الفكر الغربي القديم والحديث الذي قدم تصورات فلسفية وتفسيرات علمية لهذه الظاهرة الإشكالية. أما المبحث الثاني فتناول موضوع الزمن في الثقافة العربية الإسلامية من خلال رصد أهم تصورات الفلاسفة والمفكرين والمتصوفة العرب القدامى أمثال الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وأبي حامد الغزالي وابن تيمية وابن خلدون وابن عربي الذين اندرجت اجتهاداتهم في بعض الأزمنة منها: الزمن الموضوعي، والزمن النفسي، والزمن الآني المنفصل.

وأما المبحث الثالث فقد اختص بمفهوم الزمن في اللغة العربية، الذي بدأ تحديده ثلاثيا كلاسيكيا على يد علماء اللغة القدماء، ليشهد الدرس اللّغوي للزمن في العصر الحديث بعض الاجتهادات    التي تجاوزت هذا التحديد الثلاثي مثل اجتهادات إبراهيم السامرائي، وإبراهيم أنيس، وتمام حسان، ومهدي المخزومي، وفاضل صالح السامرائي، بالإضافة إلى اجتهادات بعض اللغويين الذين أفادوا           من الطروحات اللسانية الغربية في تطويرهم لمفهوم الزمن الكلاسيكي مثل اجتهادات الأستاذ عبد القادر الفاسي الفهري. ليأتي المبحث الرابع للحديث عن مفهوم الزمن في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من خلال استحضار بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تناولت هذا المفهوم. ثم يأتي المبحث الخامس لمعالجة قضية الزمن في الدرس اللساني الغربي الحديث على يد أهم أعلامه إيميل بنفنيست الذي سعى إلى التفريق بين ثلاثة أزمنة هي الزّمن الفيزيائيّ، والزّمن التّاريخيّ، والزّمن اللّغويّ أو زمن الخطاب. وجون ليونس الذي دعا إلى ضرورة إعمال الجهة في تحديد الزّمن النّحويّ. وأخيرا المبحث السادس الذي تناول مقولة الزمن في الأدب والنقد، إذ يعد الأدب ولا سيما المحكي السردي مجالا رحبا وفضاء ملائما لاحتضان الزمن، بينما عرف النقد الأدبي بعض الاهتمامات الرائدة بالظاهرة الزمنية لعل أبرزها تلك المجهودات التي قدمها علماء السرديات الحديثة، وبالأخص جيرار جينيت، الذي قدم نموذجا رائدا في دراسة الزمن في الخطاب الروائي.

اعتمدت هذه الدراسة على المنهج التاريخي من خلال تتبّع المسارات التاريخيّة لإشكاليّة الزّمن      في مختلف ميادين المعرفة الإنسانيّة، وعلى إجراءات الوصف والتحليل عن طريق وصف الظواهر المتعلقة بمفهوم الزمن وتحليلها في مختلف هذه المجالات والميادين التي احتضنت هذه الظاهرة المعقدة.   

تجدر الإشارة أخيرا إلى أنّه مهما كانت النّتائج التي تحقّقت لهذه الدّراسة، ومهما كانت قيمتها العلميّة والمعرفيّة؛ فإنّها لا تدّعي الإحاطة الشّاملة بموضوع البحث، كما أنّها لا تدّعي أنّها طرقت جديدا لم تسبق إليه، وإنّما ما يمكن العثور عليه في هذه الدّراسة لا يعدو أن يكون محاولة متواضعة اهتمّت بوصف الاجتهادات الفكرية والفلسفية، والتفسيرات العلمية واللغوية والأدبية والنقدية       القائمة حول مقولة الزمن بوصفها قضية إشكالية وظاهرة معقدة.