تفصيل

  • الصفحات : 186 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-604-8.

مقدمة:

شهد المغرب الأوسط قيام دولة فتية كنتيجة مباشرة لانهيار الدولة الموحدية، قامت على سواعد قبيلة بني عبد الواد الزناتية، أين اضطرت لشق طريقها بالسيف والدم أمام اضطرابات سياسية وعسكرية وجدت نفسها فيه في موقع الوسط، لم يكن الطريق سهلا، ومن المؤكد أن مجتمع المغرب الأوسط دفع ضريبة هذا الاضطراب لمدة طويلة تفوق القرنين من الزمن، وإذا كنا في كتابنا حول جيش الدولة الزيانية قد تطرقنا للجيش ولكرونولوجيا الصراع العسكري من خلال المصادر، فإننا في كتابنا هذا سنحاول الالتفات إلى انعكاسات هذا الصراع على الساكنة بمختلف شرائحها، في مأكلها ومشربها، في ذهنياتها ونفسياتها.

تحدثنا في عناصر الكتاب عن الحصار وما خلّفه من جوع وعطش للمحصورين والغلاء الذي ينجر عنه، أين يفكر الإنسان في تناول المحظورات من الأطعمة المقززة، مغيرا بذلك أولوياته من التخمة وتناول ما لذّ وطاب إلى حفظ البقاء ومواجهة شبح الجوع؛ حتى الماء كان هاجسا طارد الساكنة كلما لاح في الأفق غبار أحصنة جيش قادم لحصار العاصمة تلمسان أو إحدى المدن التابعة لها، ففي كلتا الحالتين تطل المعاناة على المجتمع، فإذا فشل الحصار يعود المحاصر أدراجه لكن حتى يخرب الزرع والضرع، وإذا اقتحم المدينة فيعيث جيشه نهبا لكل ما يصادفه سواء غلا ثمنه أم رخص، وهنا نقف أمام مظهر بشع من مظاهر الحروب، ألا وهو التعدي على أملاك المنهزم والذي لا يقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى التعدي على حريته وشرفه بمختلف صنوف الإذلال من أسر للرجال وسبي للنساء واغتصابهن، وأسر للأطفال واستغلالهم.

كما وجدنا أن لهيب الحرب يتعدى أسوار المدن المحصنة ويطال الفلاحين في أراضيهم أين كانوا عرضة لعيث الجيوش بمحاصيلهم نهبا وتخريبا، فيخسر الفلاح في ساعات ما بناه في سنوات؛ وحتى على المدى الطويل تعرض نظام الأراضي بالمغرب الأوسط إلى تغيير في نمطه الذي تحول إلى إقطاع لمختلف القبائل المساندة للدولة عسكريا وللمقربين منها من موظفي الدولة وقادة الجيش.

أما على المستوى النفسي فنجد أن الخوف شعور ملازم للإنسان في حالة تعرض مدينته أو قريته لهجوم عسكري، أين لملمنا مختلف الأخبار التي عبرت عنها من مختلف المصادر التي تطرقت لتاريخ الدولة الزيانية، ووجدنا أن المجتمع حاول اللجوء إلى التصوف كملجأ وجد فيه الأمان لتحصينه نفسيا من هذه الاضطرابات، ولا تقف الانعكسات النفسية عند الخوف فقط، أين تحدثنا عن الإدخار وذهنية التخريب التي أعمت الجيوش فتركت كل عمارة صادفتها قاعا صفصفا.

تطرقنا في عناصر الكتاب أيضا إلى عمليات القتل الفردية والجماعية باعتبار القتل مشهد رئيسي في الحروب، يطال كبار القوم وصغارهم، خاصتهم وعامتهم، رجالهم ونسائهم، شيوخهم وكهولهم، شبابهم وأطفالهم، جهالهم وعلمائهم.

أما في الجانب الاجتماعي فعرّجنا من خلال بعض العناصر على الأسرة ومدى تأثرها بالحرب من خلال بعض المعطيات المتعلقة بالجندي المتزوج وغيابه عن أهله وما ينجر عن ذلك من مشاكل اجتماعية ونفسية تتعرض لتبعاتها الزوجة والطفل.

الكتاب أنجز بالاعتماد على العديد من المصادر التاريخية التي غطت تاريخ بلاد المغارب بعد سقوط دولة الموحدين، إضافة إلى بعض المراجع والمقالات والدراسات الجامعية، حاولنا فيه توظيف بعض الإحصائيات لقراءة مغايرة لبعض الأحداث التاريخية؛ بطبيعة الحال لسنا أول من يكتب في هذا الموضوع، فقد سبقتنا العديد من الدراسات سواء في شكل رسائل جامعية أو كتب أو مقالات أو حتى ملتقيات.

 

 

في الأخير أتمنى أن ينال هذا الكتاب على صغر حجمه رضا القارئى المهتم بتاريخ الجزائر خلال العصر الوسيط، وحتى المتخصصين في تاريخ الدولة الزيانية، بغية الوصول لقراءة متأنية لتاريخ هذه الدولة التي تعتبر في نظري حلقة هامة في تاريخ الجزائر نظرا للتحديات التي خاضتها في حماية المجال الجغرافي للجزائر خاصة في ناحيته الغربية.

سيدي بلعباس المحروسة: السبت 16 جويلية 2022

د.محمد ناصري