تفصيل

  • الصفحات : 88 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-494-5.

يحتاج نقد الخطاب عامة والخطاب السياسي خاصة إلى الاستعانة برصيد الثقافة التراكمية التي أفرزتها مساهمات المتخصصين في الموضوع، لأن هذا السياق المعرفي ما فتئت إشكالات ممارسته تتّسع وتتعمق، فأعلامه تتكاثر أسماؤهم والخطباء الواقعون موضوعا لاختصاص ترجمة الخطاب السياسي يتباينون أسلوبا وموضوعا وإستراتيجية، فالخطابات بما هي سجلات تدافع بين القوى العظمى ستظل مجال مراقبة  ينتظر المتتبعون نتائجها .

وإنّ تناول الخطاب الترجمي هو كذلك يتطلب الإلمام بالسياقات المعرفية التي ما فتئ المتخصصون في نقد الخطاب السياسي يثرون أرصدتها من تجاربهم التي أبرزوها في شكل مؤلفات أو مقالات أو محاضرات جامعية أو خطب منبرية، لأنّ تحليل الخطاب صار معتمدا منذ مدة في برامج الدروس الجامعية  وهذا الاعتماد هو الذي أعطى بعدا تعليميا لهذا التخصص المعرفي. لذلك تأتي دراسة الخطاب المتخصص بين الماهية والتطبيق، وبالتحديد الخطاب السياسيّ مجالا معرفيّا جديرا بذلك، ومن ثمة فإنّ  قارئ هذا الكتاب يستطيع أن يستفيد ثقافيا وبحثيا ومنهجيا من مختلف الطروحات التي اجتهدت في الجمع والتنسيق فيما بينها حتى تنصهر جميعها في سياق ترجمة الخطاب السياسيّ.

لا شك في اكتشاف حقل الخطاب السياسي قد وسّع من دائرة المعارف الأدبية، ربما كان الموضوع في السابق يأتي في شكل  إشارات جزئية لا تقوى على الاستقلال عن كلية النصوص التي اشتملت عليها، أما وقد صار لها ما صار من التركيز والاتساع فقد صار الخطاب السياسي ينافس بقيمه الوجودية العيّنات الخطابية الأخرى التي كانت تتواجد لوحدها، فقد كنا في السابق نقف عند حدود الخطاب الشعري والخطاب الروائي والخطاب النقدي، أما ألان وقد انفتح العصر على حرية الإبداع فقد تحتم تلك المعارف السابقة القبول بالتمدّد الجديد  إلى خارطة الخطاب السياسي، فالسياسة التي كانت في السابق مرتابا منها متهيَّبا، صارت بعد ذلك حقلا معرفيا مغريا بما يشتمل عليه من المنافسة والذيوع، بما يعني أن السياسة صارت مشتملة على قيمة مؤسسية لا أحد يستطيع إنكارها أو إغفالها.

لعلنا لا نبالغ في الرأي إذا قلنا : إنّ ممارسة السياسة باعتبارها حقلا معرفيا أكثر واقعية ومصداقية صارت تنافس الممارسة الاقتصادية والاجتماعية من حيث الحاجة فيها إلى ضرورة التخطيط والبرمجة، وصارت وضعية الغالب أو المغلوب تتحددان بمعايير خطابية في بعض الأحيان بعيدا عن القتال العسكري والهيمنة الأيديولوجية، .فالخطط السياسية الكبرى إذا لم تكن محبوكة من خبرائها وفق منظور استراتجي محسوب العواقب والنتائج أقعدت منتهجيها  بعيدا عن التتويج بالانتصار.

يمكننا اعتماد سياق بحثي في مجال نقد الخطاب السياسي وتحليله، ويكون ذلك بناء على المعطيات والمناهج والكيفيات التي حققها المتخصصون في نقد الخطاب السياسي، وإذا كنا ركزنا على إبراز جانب التطبيق في موضوع المعالجة فذلك دليل على أن الخطاب السياسي مثله مثل صنوف الخطابات الأدبية الأخرى،  يمكن متابعته نقديا وصولا إلى تمحيص مكوناته البلاغية والأسلوبية  ومفاتيحه المعجمية،  ثمّ إخضاعها إلى إجراء تطبيق النظريات النّقديّة المعتمدة في التخصص.

يُسْلمنا الطرح السابق إلى حلقة أخرى في مجال تحليل الخطاب السياسي وترجمته تأتي بمثابة التكملة والإثراء،  وتحيل على جوانب معرفيّة سنربطها بماهية الخطاب السياسي بالإضافة إلى تفصيل الشروط العلمية والمنهجية الضرورية لترجمته، فالماهية تتشعب بتشعب مكونات الخطاب، كل خطاب سياسي يستقي عناصره البنائية والموضوعية من ناحيتين: الأولى الثوابت المنهجية والاصطلاحية المعتمدة في الخطاب المتخصص، والثانية الإضافات الإبداعية التي يضمنها الخطيب عباراته السياسية، وهنا تتكثف العوامل التأثيرية وتتوزع عبر شبكة من المؤثرات البلاغية أو اللغوية تغنى أو تضعف حسب كفاءة السياسي في الاجتهاد في تأليف الخطاب السياسي، وهنا تجدر بنا الإشارة إلى قيمة إجرائية ثابتة في ثقافة الخطاب السياسي حيث يحتاج وبالضرورة كل سياسي شهير إلى مساعد أدبي هو الذي يضطلع بإعطاء اللمسة الأخيرة في إخراج نص الخطاب السياسي، هذا من منظور، أما من منظور آخر فإن كل شخصية سياسية تستقل بمناسبة موضوع الخطاب السياسي الذي يطرحه، خاصة إذا تعلق الأمر بالقضايا السياسية الكبرى التي هيمنت على الرأي العام العالمي في مناسبات تاريخية بعينها، وهي التي نستطيع تسميتها بالبؤر السياسية التاريخية،  لذلك سبق وأن تخلّلت بحوثنا في الموضوع هذه الإشارة إلى بُؤر خطابات سياسية محورية نذكر منها : خطاب وودرو ويلسون، باراك أوباما والرئيس الأمريكي  السابق دونالد ترامب .

لقد اضطلع الخطاب الترجمي  في الآونة الأخيرة بتقاسم أعباء  وباء كورونا مع الإنسانية جمعاء، فلقد لعبت الترجمة  بامتياز دورها المعرفي المتجاوز للحدود السياسية دورا رئيسا في إنتاج الوعي الصحيّ أو الثقافة الصحية، وهذا الذي حققنا فيه من خلال دراسة إسهامات الترجمة في مواجهة جائحة كورونا.

وثمة زاوية أخرى ستضل متموضعة في خارطة معارف ترجمة الخطاب السياسي ستظل تنعش المكونات المعنوية الخفية التي لا تستطيع لغة الصوت القبض عليها تظل تعيش متراوحة بين نفسيتي الخاطب والمخطوب فيه، قد نجد لها أصولا في فلسفة بلاغة اللغة وهذه المؤثرات غير المعلنة هي التي وسمناها بالمكونات غير اللغوية التي تتطلب فطنة زائدة على المعتاد يوظفها الخاطب والمخطوب فيه للإحاطة بمقدرات دلالية أو معنوية أو موضوعية يمكن تسمية هذا الفعل بفعل الكشف عن النوايا في الخطاب السياسي.وفي الجانب العملي من هذه الفكرة يمكننا الوقوف على هذا الذي ذكرنا ما بين سطور خطابات دونالد ترامب، لأننا نعتقد بأن الخطاب الوازن هو شبيه بالمؤسسة الاقتصادية أو الإدارية أو السياسية له آلياته المضبوطة التي يتوزع عبرها والتي لا يمكن إغفالها باعتبارها مفاتيح التوصل إلى فك شفرات بلاغة لغة الخطاب السياسي.

وبما أن علم الترجمة مثله مثل الاختصاصات الأخرى قائم على التجدد والتطور، فالترجمة السمعية البصرية تأتي بمثابة ركن مكمل لما ذكرنا من أساليب الصناعة الترجمية، وذلك لأن الخطاب السياسي من منظور كونه مرتكزا وظيفيا تطبيقيا استدعى استنهاض آليات هذا النوع من الترجمة الفورية التي يتخذ خلالها تحولا فوريا أو آنيا، وهي تلك التي يصطلحون على تسميتها الترجمة السمعية البصرية بحيث صارت لها مرجعيات ثقافية وتعليمية تكوينية تختص بها بعض مؤسسات التعليم الترجمي،  وصار المختصون في مجالها يحظون بمناصب التوظيف في الاختصاص مرموقة .فالمترجم في هذه الحال يشبه الناطق الرسمي للخطيب نظرا لما يحتم هذا الفعل الترجمي من ثقة وتلازم وتفاهم يوحد بين اللسانين: لسان الخطيب ولسان المترجم الفوري، وصار للترجمة الفورية أعلامها الذين يرافقون الشخصيات السياسية المرموقة ، توطّد ذلك التلازم  حتى صار المترجم الفوري ينازع الرؤساء والزعماء على منصة الخطاب، وقد يمتد ذلك التلازم الحميميّ بين الخطيب والمترجم الفوري إلى آصرة روحية  للتشارك في دقائق الأمور، وأخطرها .

لا يمكن للترجمة أن تقف عند حدّ من هذه الحدود التي ذكرناها خلال بسط موضوعها، فمنذ بداية هذه الكلمة نظرنا إلى ترجمة الخطاب السياسي على أنّه في صميمه أثر لساني يعلّم لخارطة روحية لا تختلف عن تلك الآثار اللسانية الأخرى، صار تراث الترجمة أو رصيدها يتربع على هوامش التراث الأدبي لا يكاد ينفصل عنه في كثير من المزايا الأسلوبية أو حتى الموضوعية، حيث لا يمكن غضّ العين عن الرصيد التراكمي المحصل في سياقه مصطلحا وأسلوبا وأفكارا، فقد صار هذا الرصيد يؤثِّثُ خزانة المعارف الإنسانية اللاحقة بهذا الاختصاص المعرفي، لهذه الأسباب المنهجية  كان لزاما التنبه إلى ما أسهمت به تكنولوجيا المعلوماتية، وعلوم الإعلام الآلي المتنوعة والبرمجيات من أدوات مساعدة على تسهيل وضبط الإجراء الترجمي، وهنا لا بد من التنبّه إلى مدى التجاوب الإستجدادي الذي يحكم سياقات المعارف المشار إليها والتي يغذي بعضها بعضا وظيفيا.

لم تعد اللغة ملك الخطيب أو الكاتب، وإنما صارت البرمجيات الحاسوبية تكمل جزء غير يسير مما يحتاج إليه مترجم الخطاب، تطفر من بين الملامس التي تصيبها أصابع الراقن على لوحة الحاسوب، بالإضافة إلى ما صارت الترجمة بمساعدة الحاسوب حيث ارتسمت له أفاق غير محدودة تتناسب وظيفيا أو عمليا  مع ما تستوجبه تفاعل ثنائية  اللّغة والتكنولوجيا .

وإذا كانت الترجمة بمساعدة الحاسوب تمثل نوعا من الاختصاص الوظيفي في مجال الترجمة فإن اللغتين المتجاوبتين على حدّ الخطاب الواحد تغدو  محكومة بما تحد نفسها مسوقة فيه من الإجراء العملي الذي تفرضه البرامج الألية .