تفصيل

  • الصفحات : 85 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2021،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-085-5.

تشير الدراسة إلى نشأة مسرح الطفل، وإلى مدى نّموه وتطوره، محددة درجة تطلعه وطموحه، وألوان نشاطه المتعدد الأوجه، فهو مسرح استـطاع تمثل الاتجاهات الثقافية والفنية الوافـدة إليـه في مختلف الأزمنة، واستـطاع على العموم أن يطوعها للثقافـة الجزائرية، وأن يحتفظ بملامحه الشخصية إزاء محاولات التغريب.  فقد شرع في كتابـة النصوص، وإعـداد العروض، والخوض في البـحث والتجريب، واستهداف التعبير عن موروثاته الأدبية  والشعبية، حتى الظفر بشكل يليق به وبحركته.

كما أنّ الدراسة تستهدف بوجه أخّص توفير ما يمكن تسميته بالصّحة الثقافية بين المنتوج المسرحي والمرحلة العمرية الموجه إليها. وهذا الربط بين الغايات والوسائل فعّال على مواجهة صـور هذا العصر، ومتطلباته التربوية، فعّال في تقليب النـظر في الأفكار والقيّم الثقافية الموروثة، فعّال في توجيه الأطفال نحو ما تتطلبه المصلحة العامة من تغيرات ومفاهيم جديدة .

ومنه تشق المسرحية وظيفة جديـدة، تحلل وضع الطفولة، وتبيّن ما فيها من تناقضات، وما يستلزمها من إمـكانات، ثم تبسط أهدافها في إطار فني متجدد، يكون رسما لصورة المستقبل، وقـوة لتنمية شاملة، مستغرقة لجمـلة من البـنى التربوية، مثل إعادة الاعتبار للمعلم، واحترام مكانته وفاعليته في هذا الكون.

لذا، فإنّ الدراسة هنا لا تنبت من فراغ، وإنّما تستمد أصولها وأهدافها من فلسفة مسرح الطفل وتربويته، ومن العلاقة التفاعلية الحيّة- المستمرة والمتجددة-  بين فن المسرح وعالم الطفل.

كانت هذه الكلمة بمثابة الموجه الجزئي لمسار الدراسة، حتى تستقيم على أمر، وتتّضح على طريق، أما الفضل في الإقبال على دراسة مسرح الطفل، وتوجه العناية إليه، فكان من استشارتي للأستـاذ المشرف ولبعض أساتـذة قسم الفنـون الدراميـة، الذين صوبوا الموضوع من نظرته الضيّقة في إبـداء الرأي، وإصدار الحكم، إلى نظرة نقدية واسعة ومتخصصة، فاقتنعت به كون مكتبتـنا للدراسات المسرحية في باب مسرح الـطفل في الجزائر، تعاني نقصا وقلة،   واقتصارا على أبحاث تتعلق بمسرح الكبار.

واقتنعت به لما كان مسرح الطفل في الجزائر موجودا بتوفر أشكاله، فكان من الطبيعي أن يعير هذا اهتمـام دراستي، وأن يشدّها إليه شدّا شامـلا يختص بأنواعه ونصوصه، وبإخراجه وبتمثيله، وأن يفتـح لـها بابا عريضا لمعالجة مضامينه المسرحية، من حيث قيّمـها التربويـة،  وارتبـاطها بالأشكال الفنيـة التي انساقت فيها، وأن يصنع لها من أجـل ذلك منهـجا خاصا، يفضي إلى نتائج متخصصة، وخلاصات منطقية هامة.

والمنهج هنا مخصص للبحث في المسرحيات الموجهة للطفل بوجه عام، وفي الجزائر بوجـه خاص، مما يلقي الضياء المبيّن على تقنياته وخصائصه الأدبيـة والفنية، ومما يعيـن على تفهم عناصـره متفردة ومتميّزة عن سائـر البلـدان الأخرى .

 

 

وإنّ اختيـار الفترة المعاصرة بالدراسة يبدو لنا منطقيا، حيث شهد فيها المسرح الجزائري حركـة خصبة وحافلة بالنشاطات المتنوعة، ومثل ذلك يقـال في الفنون الأخرى: التشكيلية    والسينمائية… التي شهدت إحياء وتوسعا لم تشهده من قبل.

فكان عقد هذه الدراسة ضروريا للمسرحيات الآونـة الموجهة للطفولة، بل إنّ معالجـة الفترة المذكورة، قد يثري الحيـاة الثقـافية المسرحية، ويوضح الغامض فيـها، ويتيـح للدارسين استخلاص ما أمكن استخلاصه، على غرار الفترات التي سبقت، فإنّ البحوث فيها – فيما نعلم- تحدثت عنها باقتضاب، كونها فاقدة للمادة نّصا وعرضا، أو أَومَـأتْ إلى بعض منها لعـدم توجـه البحوث إليـها استصغارا أو انتقاصا.

ولقد نعلم أنّ وزارة الثقافة، قـد رخّصت لإنـشاء كثير من المنشآت المسرحية، كما منحت الاعتماد لعدد كبير من المهرجانات الموسمية بصفة رسمية، فضلا عن توجه اهتماماتها بأدب الطفولـة. مما يعني أنّ اختيـار اللحظة هذه لم يكن عشوائيا أو مرتجلا، وإنّما هو عن اجتهاد صادر، للعوامل التي أشير إليها.

فجاء التركيز على مسرحيات للأطفال دون سواها، إذ لو اعتمدناها كلّها لطال البحث،  ولتكرر الحـكم والرأي، ونحسب أنّ هـذا من قبيـل أنّ كثيرا منها متشابه، قريب من بعضه، على نحو ما التمسناه في المسـرح المدرسي الأخيـر(2009) الـذي أطْلَعَنا على مسرحيات تختلف فقط من حيث عناوينها. أما لماذا اخترت هذا الموضوع، وما حملني على دراسته، فهي عوامل أوجز أهمها في العناصر الآتية :

 

  • الرغبة في تبسيط النظريات الخاصة بمسرح الطفل، وتقريبها من الممتهنين والممارسين، سواء كانوا من المحترفين أو من الهواة، لأجل أنّ أغلب المراجع المؤلفة في باب مسرح الطفل، كتبت بلغة علمية بحثة، فلم يكن من اليسير على أولائك هضمها جيّدا، وتبيّن فوائدها المرجوة.
  • أنّ أغلب الممتهنين والممارسين لمسرح الطفل تأليفا وإخراجا، يكتبون ويعرضون في الأصل منتجاتهم المسرحية لمراحل عمرية تفوق سنّ الطفولة.
  • أنّ أكثر المراجع لم تستقر على نظرية شاملة لمسرح الطفل – تأليفا وإخراجا – بل من جملة ما قرأت، مؤلفات مكررة لمواد الكتاب، لا تختلف عن بعضها إلا من حيث العنونة واللغة.
  • أنّ لي ميلا لمسرح الطفل، ملؤه الحبّ والحرص، مما سمح لي بتجريب قلمي فيه تأليفا، وتجريب خبرتي فيه إخراجا.

ومن هنا بدا لي أنّ الاختيار منطقي، ينشـأ عنه فوائد علمية، ولما توجهت لإجلاء الغامض في موضوعه، وأزمعت على جمع شتات مواده، الحق والحق أقول: إنّه لم يعقني شيء في صناعة أطروحتي، إلا شيء واحد هو في وعكة لحقت ببدني من طول البحث والمطالعة، لا تزال آثارها على عينيّ وعلى رقبتي خاصة.

وقد انصبت دراستي للموضوع على بعض الأعمال المسرحية الموجهة للطفل، حيث ظهر من الضروري تفسيرها على ضوء الإشكال الآتي:  ما مسرح الطفل ؟ وما أشكاله ؟ وما خصوصية مضمونه ؟  وهل استطاع مسرح الطفل في الجزائر منْ أن يوافق بين الأشكال الفنية والمضامين التربوية ؟ وهل يسير مسرحنا الجزائري الموجه للطفل بمقتضى نظريات مسرح الطفولة ؟

وأخيرا نرجو أن تثري هذه الدراسة مكتبتنا عامة، وأن تسد بعض الفراغ في مجال الدراسات لمسرح الطفل في الجزائر خاصة. هذا، وما كان من توفيق وسداد فمن الله، ثم لوالديّ ولمن كان له فضل عليّ.

عياد زويرة

الكرمة، وهران: 12-07-2020